يعرف مرض التصلب اللويحي على أنه مرض عصبي مزمن يصيب الدماغ، والحبل الشوكي، والأعصاب البصرية. ولما كان السبب وراء التصلب اللويحي مجهول حتى الآن، فلم يجد العلم علاجاً نهائياً له بعد، إلا أنه توصل إلى كل ما يمكنه أن يساعد في إدارة المرض والسيطرة عليه، والتي كان أهمها، المكملات الغذائية.

في هذا المقال سنتحدث حول التصلب اللويحي والمكملات الغذائية، وبماذا ينصح من الفيتامينات لمرضى التصلب المتعدد.

يصنف التصلب اللويحي (بالإنجليزية: Multiple sclerosis)، أو التصلب المتعدد، على أنه واحد من أمراض المناعة الذاتية (بالإنجليزية: Autoimmune Disease)، إذ يهاجم جهاز المناعة مادة المايلين (بالإنجليزية: Myelin) المسؤولة عن تغليف الأعصاب وحمايتها، وتدمير هذه المادة يعني غياب خط الحماية الأول للأعصاب، الأمر الذي ينتهي بانهيار الاتصال بين الدماغ والأعصاب، وتلف أعصاب الجسم نفسها، بما فيها أعصاب الحبل الشوكي، والأعصاب البصرية، مسبباً اضطرابات في الرؤية، والتوازن، والتحكم في عضلات ووظائف الجسم الأساسية الأخرى.

وفي رحلة البحث عن علاجات التصلب اللويحي التي تستهدف عادة أعراض المرض لا السبب نفسه، وعلى الرغم من أن الأبحاث حول التصلب اللويحي والمكملات الغذائية لا زالت في طور التجربة، إلا أن بعض الدراسات أظهرت بالفعل فوائد متعددة للفيتامينات والمكملات الغذائية التي من شأنها أن تحسن من أعراض التصلب اللويحي وتحد من تقدمه.

اقرأ أيضاً: التصلب المتعدد والحمل

فيتامين د والتصلب اللويحي

فضلاً عن الدور الذي يلعبه فيتامين د في بناء العظام والحفاظ على توازن مستوى الكالسيوم (بالإنجليزية: Calcium) في الدم، فقد أسند إلى فيتامين د أيضاً القدرة على تعزيز مناعة الجسم ومنع الالتهابات، بل وأظهر فيتامين د قدرة عالية على حماية الأعصاب، الأمر الذي أثار التساؤلات حول التصلب المتعدد وفيتامين د.

لكن إلى الآن، لا زالت الأدلة حول استخدام فيتامين د كمنهج علاجي لمرض التصلب اللويحي غير حاسمة بعد، ومتناقضة جزئياً، ولا زالت الأسئلة والشكوك حول القدرة العلاجية والوقائية لفيتامين د تضرب في ساحة البحث العلمي منبهة إلى الحاجة للمزيد من الدراسات عن التصلب اللويحي والمكملات الغذائية.

ولكن ما يمكن الجزم به هو ما أشارت إليه الإحصائيات والمراجعات السريرية في مجلة الطب التنبؤي والوقائي والعلاجي (بالإنجليزية: EPMA Journal) في سنة 2013 حول الارتباط ما بين التصلب اللويحي وفيتامين د، حيث أن انخفاض مستوى فيتامين د في الجسم يزيد من خطر الإصابة بالتصلب اللويحي، كما ويؤثر سلباً على تطور المرض وتقدمه لدى المرضى المصابين به.

اقرأ أيضاً: الأمراض المشابهة للتصلب اللويحي

وفي دراسة أخرى نشرت في سنة 2012 في مجلة علم الأورام العصبية في الدنمارك (بالإنجليزية: ACTA Neurologica Scandinavica Supplementum)، ارتبطت مستويات فيتامين د بانخفاض خطر الانتكاسات لدى مرضى التصلب اللويحي، وعليه، أوصى الباحثون بتزويد مرضى التصلب اللويحي بـ 800 وحدة دولية على الأقل من فيتامين د.

في تفسير العلاقة بين التصلب المتعدد وفيتامين د، توصل العلماء إلى نظرية تشرح السبب وراء قدرة فيتامين د على علاج التصلب اللويحي، أو على الأقل الحد من تطوره، حيث تقوم النظرية على الدور الذي يلعبه فيتامين د في إصلاح مادة المايلين المتهالكة في الأصل لدى مرضى التصلب اللويحي.

ويمكن الحصول على فيتامين د من التعرض المعتدل لأشعة الشمس، كما ويمكن الحصول عليه أيضاً من الأطعمة كالأسماك الدهنية، ومنتجات الألبان، والبيض.

اقرأ أيضاً: نصائح وإرشادات غذائية لمرضى التصلب اللويحي

البيوتين والتصلب اللويحي

يعرف البيوتين أيضاً باسم فيتامين ب 7، وفيتامين H، وهو واحد من أهم عناصر مجموعة فيتامينات ب المعروفة بأهميتها للحفاظ على الجلد، والشعر، والعينين، والأعصاب.

وبمثل العلاقة بين التصلب اللويحي والمكملات الغذائية، لم تكن الدراسات حاسمة بشأن استخدام البيوتين كعلاج للتصلب اللويحي حتى وقتنا هذا، لكن هذا لا ينفي ما توصلت إليه الأبحاث حول البيوتين والتصلب اللويحي من حيث الدور الذي يلعبه في تخفيف الأعراض، والحد من تقدم المرض، وعلاجه في بعض الحالات. ويعود الفضل في ذلك لقدرة البيوتين على تحفيز إنزيمات الجسم لإنتاج المزيد من البيوتين ودعم استقلاب الخلايا العصبية.

على سبيل المثال، أفادت إحدى الدراسات المنشورة في سنة 2016 في المجلة الرسمية للرابطة الأمريكية لأطباء الغدد الصماء (بالإنجليزية: American Association of Clinical Endocrinologists) أن الجرعات العالية واليومية من البيوتين تقلل من ظهور الأعراض لدى مرضى التصلب اللويحي، في المقابل، لم تتسبب هذه الجرعات بأي آثار سمية لديهم.

بالمثل، أظهرت دراسة نشرت في نفس السنة من قبل الأكاديمية الأمريكية لعلم الأعصاب (بالإنجليزية: American Academy of Neurology) أن تناول جرعة عالية من البيوتين بمقدار 300 ملليجرام ولمدة سنة كاملة ساعد على تخفيف آلام المفاصل وتحسين القدرة على المشي لدى بعض المرضى. من ناحية أخرى، لوحظ استقرار المرض وانخفاض عدد الانتكاسات لدى 21 مريضاً ممن تناولوا البيوتين بشكل يومي، ليس ذلك وحسب، بل وساعدت الجرعات اليومية من البيوتين في علاج التصلب اللويحي لدى 21 آخرين.

اقرأ أيضاً: أنواع مرض التصلب اللويحي المتعدد

واستكمالاً للحديث عن الأعراض، أكدت دراسة فرنسية  منشورة سنة 2015 في المجلة العلمية لمرض التصلب اللويحي والأمراض القريبة (بالإنجليزية: Multiple Sclerosis and Related Disorders or MSARD) في سنة 2015 تحسناً ملحوظاً في الرؤية لدى 4 من مرضى التصلب اللويحي الذين عانوا من ضعف البصر الناتج عن إصابة العصب البصري (بالإنجليزية: Optic Nerve).

لكن في الوجه الآخر من الحقيقة، لم تظهر جميع الدراسات نتائج إيجابية حول البيوتين والتصلب اللويحي كما المتوقع، ففي دراسة نشرت في عام 2017 في نفس المجلة، مجلة التصلب اللويحي والأمراض القريبة، لم تظهر الجرعات العالية من البيوتين أي فائدة مرجوة على المدى الطويل، بل على العكس تماماً، فقد تدهورت حالة 38-43% من المرضى أثناء الدراسة، ربما بسبب تطور المرض لديهم، وربما بسبب فشل الجهاز العصبي أمام متطلبات التمثيل الغذائي المتزايدة التي يفرضها البيوتين عليه.

اقرأ أيضاً: فوائد الفلافونويد لمرضى التصلب اللويحي المتعدد

فيتامين ب 12 والتصلب اللويحي

يميل مرضى التصلب اللويحي للإصابة بنقص فيتامين ب12 أكثر من غيرهم، الأمر الذي يزيد من أعراضهم سواءاً، مما يجعل من مكملات فيتامين ب 12 خياراً جيداً للبعض، حيث يشجع بعض الأطباء استخدام مكملات فيتامين ب 12 وفيتامين ب 6 معاً للحفاظ على صحة العين.

ومع ذلك، لا توجد حتى الآن أي دراسات أو أدلة كافية حول العلاقة بين فيتامين ب 12 والتصلب اللويحي، أو قدرته على تحسين أعراض أو علاج المرض.

اقرأ أيضاً: نقص الفيتامينات وتأثيرها على الصحة العقلية

فيتامين سي والتصلب اللويحي

يلعب فيتامين ج بتركيبة حمض الأسكوربك (بالإنجليزية: Ascorbic Acid) دوراً هاماً في تقوية جهاز المناعة ومحاربة العدوى، فضلاً عن كونه واحد من أهم مضادات الأكسدة التي تقوم على مكافحة الجذور الحرة (بالإنجليزية: Free Radicals) وطرحها خارج الجسم.

وعلى مدار السنين، أظهرت الأبحاث مدى تأثير الجذور الحرة وتفاعلات الأكسدة على تقدم مرض التصلب اللويحي وتفاقم مضاعفاته، لذا، اعتقد الباحثون أن أي عنصر أو مكمل غذائي يعمل كمضاد للأكسدة (بالإنجليزية: Antioxidant) سيكون خياراً ذكياً للسيطرة على المرض وحماية الأعصاب من المزيد من التلف.

ففي دراسة نشرت في مجلة الطبيب نفرول الروسية سنة 2002 على 14 مصاباً بالتصلب اللويحي أخذ فيها المرضى مجموعة من مضادات الأكسدة، بما فيها حمض الأسكوربيك، لمدة شهر واحد ولمرتين في السنة، لوحظ فيها انخفاض معدل الانتكاسات واستقرار حالة الأعصاب لديهم.

اقرأ أيضاً: الغذاء وأمراض الأعصاب

الزنك والتصلب اللويحي

على الرغم من ندرة الدراسات حول ارتباط الزنك بالتصلب اللويحي، إلا أن نتائجها كانت متناقضة على العديد من المستويات، فيؤمن بعض الأطباء أن نقص الزنك يزيد من فرص الإصابة بالتصلب اللويحي، من جهة أخرى، يشير الآخرون إلى ارتباط المستويات العالية من الزنك بتحفيز جهاز المناعة وتنشيطه لمهاجمة مادة المايلين، الأمر الذي ينتهي بتلف المزيد من الأعصاب وتفاقم الأعراض.

وفي دراسات أخرى حول ارتباط الزنك بتراجع الرؤية، يقترح الباحثون إمكانية استخدام مكملات الزنك لتحسين صحة العين، ففي دراسة نشرت سنة 2012 في مجلة الكيمياء والبيولوجيا الضوئية (بالإنجليزية: Photochemistry and Photobiology)، أعطيت فيها فئران الدراسة جرعات مختلفة من الزنك، ثم عرضت لضوء شديد لمدة 8 ساعات بهدف إضعاف الرؤية لديها.

أظهرت النتائج لاحقاً أن الفئران المعالجة بالزنك أبدت مقاومة أعلى ضد الضوء الساقط عليها مقارنة بغيرها، وعليها، أوصى الباحثون باستخدام مكملات الزنك لحماية شبكية العين من التلف.

اقرا ايضاً :

آلام الرقبة أسبابها .. وأعراضها .. وعلاجها

الكالسيوم والتصلب اللويحي

على الرغم مما يقدمه الكالسيوم للجسم من فوائد على صعيد صحة العظام، والقلب، والأوعية الدموية، إلا أنه كغيره من المكملات الغذائية، لا زال بحاجة للمزيد من الدراسات التي تؤكد ارتباط التصلب اللويحي بمستوى الكالسيوم في الجسم.

لكن هذا لا يمنع استخدامه، فقد أفادت الإحصائيات المتعلقة بمرضى التصلب اللويحي أنهم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بهشاشة العظام (بالإنجليزية: Osteoporosis)، الأمر الذي يستدعي تناول مكملات الكالسيوم بشكل يومي وبجرعات آمنة، جنباً إلى فيتامين د الذي يعزز من امتصاصه في الجسم.

ولضمان تناول الجرعة الصحيحة من الكالسيوم وأي مكمل غذائي آخر، وقبل العزم على شراء المكملات وتناولها، لا بد من استشارة الطبيب المختص بكل ما يدور حول التصلب اللويحي والمكملات الغذائية، من فوائد، وآثار جانبية، وتعارضات دوائية.

يقوم العقل البشري بالتفكير والفهم والإحساس، ولكن كيف يفكر العقل البشري؟