"وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ"
ومن غيره قادر على جبرنا، إن عملية الجبر، أو التئام الكسور، عملية معقدة، تمر بمراحل طويلة، وطوال هذه المراحل، يظل صراع المرضى مع الآلام قائماً مع الوقت. الوقت الذي يمر، ويبقى الانتظار، والسؤال، متى ستلتئم وتلتحم هذه الكسور.
كسر العظام أو شرخ العظام، تحمل الكلمتين نفس المعنى تقريباً، ومن الممكن أن يكون السبب في الإحساس بالاختلاف بينهما نابعاً من اختلاف حجم الألم الناتج عن كل حالة منهما. تتباين الفترات التي يحتاجها كل شخص للوصول إلى التئام الكسور والشفاء التام، ويرجع هذا التباين إلى حجم ونوع الكسر، والحالة البدنية والنفسية للمريض، كذلك طريقة تعامله في فترة إعادة التأهيل.
الاهتمام بعلاج الكسور ضرورة مُلّحة، حتى يتجنب المصاب المضاعفات التي تنتج عن تأخير وإهمال الكسور، ومن هذه المضاعفات:
- حدوث جلطات بالمنطقة القريبة من الكسر.
- التلف الذي يلحق بالأربطة، والأوتار، والعضلات في منطقة الكسر.
- التورم في المفاصل الذي يكون سببه المباشر حدوث نزيف نتيجة الكسر.
المراحل الأساسية في التئام الكسور
مرحلة الالتهاب: السبب في حدوث الالتهاب، رد فعل الجهاز المناعي، لزيادة تدفق الدم إلى منطقة الكسر، محملاً بالخلايا اللمفاوية لتفادي أي أجسام مُمرِضة، ولذا يحدث تورم في هذه المنطقة. هذه المرحلة تكون في ذروتها في أول يومين من تاريخ الإصابة، ثم تبدأ في الانحسار، على أقصى تقدير تحتاج فترة أسبوع لتنتهي تماماً.
مرحلة التعديل: وفي هذه الفترة التي تستغرق حوالي، ثلاثة أسابيع كاملة، تقوم الأنسجة الرخوة المحيطة بالعظام المكسورة بمحاولة تعديل وضع العظام، لقدرتها على توفير الكالسيوم اللازم لتعديل العظام المكسورة.
مرحلة التئام الكسور: في هذه المرحلة، تتصلب العظام، وتعود لحالتها ووضعها الأصلي مرة أخرى. عامة، التحام الكسور يحتاج فترة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن شهرين، حتى تعود العظام المكسورة لحالتها، وبالنسبة للشعور بالألم، فإنه يتوقف تماماً قبل فترة طويلة من الشفاء.
محفزات التئام الكسور
النظام الغذائي
إن أفضل ما تحتاج إليه كسور العظام لكي تلتحم بسرعة، النظام الغذائي المتوازن. ومن ضمن مكونات هذا النظام مايلي:
البروتينات: يدخل البروتين في ما يزيد عن 90% من بناء الخلايا، ويُكّون أكثر من نصف بناء العظام. والتحام العظام ما هو إلا إعادة بنائها من جديد. والبروتينات لها مصادر متعددة مثل، اللحوم، والبيض، والأسماك، والألبان، والبقوليات.
عنصر الكالسيوم: من العناصر الرئيسية في بناء العظام، ونقصه أو زيادته يؤدي لحدوث الكثير من الأمراض الهرمونية، خاصة عند حدوث خلل في هرمون الكالسيتونين، والباراثورمون. ومصادر الحصول على عنصر الكالسيوم عديدة مثل، العصائر الطازجة، الألبان، التونة المُصنعة، اللبن الزبادي، الفاصوليا، الكرنب، اللفت الأخضر.
للمزيد: الكالسيوم وصحة العظام
فيتامين د: من أهم الفيتامينات التي تلعب دور هام في عملية امتصاص المعادن، خصوصاً عنصر الكالسيوم اللازم في بناء التحام العظام. ومصادر فيتامين د كثيرة، منها على سبيل المثال، الأسماك مثل السلمون، والسردين، البرتقال، صفار البيض. والأفضل والأسهل، التعرض لأشعة الشمس لفترة بسيطة لا تتجاوز، ربع ساعة يومياً.
فيتامين C: هذا الفيتامين له دور غير مباشر في تحفيز التئام العظام، حيث أنه ضروري في إنتاج بروتين الكولاجين، الذي يساعد في سرعة شفاء والتئام العظام. ومن المصادر الغنية بفيتامين C، الخضروات والفواكه، الليمون والبرتقال، الطماطم والكيوي، والفلفل.
عنصر الحديد: إن أهمية عنصر الحديد، تكمُن في دوره الرئيسي في بناء بروتين الهيموجلوبين، ويؤدي نقص الحديد إلى الإصابة بالأنيميا، وبالتالي حرمان العظام المكسورة من عنصر الأكسجين، وتأخر التحامها، كما أنه يساعد مثل فيتامين C، في تكوين بروتين الكولاجين المساعد في التئام الكسور. ومن مصادر الحديد، الخضروات الورقية مثل السبانخ، واللحوم الحمراء، والباذنجان، والحبوب، والبيض.
عنصر البوتاسيوم: كلما حافظ الجسم على كمية مناسبة من عنصر البوتاسيوم، كلما قل فقدان الجسم لعنصر الكالسيوم، تلك المعادلة التي تحافظ على العظام قوية، وتحفز التئام الكسور. وأهم مصادر البوتاسيوم، فاكهة الموز، والحليب، والبرتقال، والبطاطا.
العلاج المنزلي
أفضل وسيلة في محفزات التحام الكسور بالمنزل، الالتزام بالراحة التامة، وعدم تحريك مكان الكسر.
العلاج الطبيعي
إن الغاية الرئيسية، في اللجوء إلى العلاج الطبيعي، في تحفيز التئام الكسور، هي العمل على بقاء الدورة الدموية نشيطة وتضخ كميات كبيرة من الدم ناحية المنطقة المصابة، والعمل على تحفيز التئام الكسور فيها. هناك أساليب مختلفة في العلاج الطبيعي، تبدأ بالتمارين البسيطة، خاصة إذا كان الجزء المكسور موضوعاً في جبيرة، أو تمارين تحريك الأصابع لمنع تصلب الأوتار في هذه المناطق.
لا يقتصر دور العلاج الطبيعي على التمارين وفقط، لكنه في كثير من الأوقات، يكون مهماً في تفادي تكرار الإصابة، وذلك بتدريب المصاب على الطرق الصحيحة للحركة.
محفزات أخرى في التئام الكسور
تسهم بعض العوامل في عملية التئام الكسور كالآتي ذكره:
- المكملات بأنواعها: في أحيان كثيرة، يكون الاعتماد على النظام الغذائي الطبيعي غير متاح أو يصعب الحصول عليه، ولذلك فهناك طرق أخرى مثل، الحصول على كميات مناسبة من المكملات البروتينية، والمكملات الفيتامينية، والمكملات المعدنية، والمكملات العشبية.
- تناول مضادات الأكسدة: ينتج عن حدوث الكسور، تلف في الأنسجة سواء كانت، أنسجة العظام، أو أنسجة رخوة محيطة بها من أربطة وأوتار وعضلات. وهنا يظهر دور مضادات الأكسدة واضحاً، في التخلص من البقايا التالفة لهذه الأنسجة، وتحفيز التحام الكسور مرة أخرى. وللحصول على هذه المضادات، يُنصح بتناول مكملات الفيتامين، خاصة C، وE.
- ممارسة الرياضة: على الرغم من أهمية ممارسة الرياضة عامة، إلا أن ممارسة الرياضة في حالة الكسور، يجب أن تكون بحذر شديد، وتقتصر على تمارين معينة، لتحسين أداء الدورة الدموية، فتعمل على تحفيز التئام الكسور.
معيقات التئام الكسور
كما كان للعديد من الخطوات السابقة دوراً كبيراً في تحفيز التئام الكسور، كذلك للعديد من العوامل التالية دوراً في إعاقة التحام الكسور.
الإفراط في تناول البروتين
كما وُضح سابقاً، فإن البروتين ضروري لبناء العظام، وتحفيز التئام الكسور، لكن الإفراط في تناوله يؤدي إلى زيادة في إخراج عنصر الكالسيوم من الناحية الأخرى، وبالتالي يصبح من معيقات التحام الكسور.
اقرأ أيضاً: أضرار الإكثار من تناول البروتينات الحيوانية- اللحوم
تناول المشروبات الكحولية
إن تواجد الكحول بكميات كبيرة في الجسم، له أثر سيء على الدورة الدموية، وسرعة توارد الدم لمنطقة العظام المكسورة، وبالتالي إعاقة التئام الكسر. كذلك ما يُسببه الكحول من عدم الثبات، وفقدان السيطرة على حركة الجسم، واحتمالية السقوط وانتكاس الكسر مرة أخرى.
الإفراط في تناول أملاح الطعام
أول ما يخسره الجسم مع تناول كميات كبيرة من أملاح الطعام، وبخاصة أملاح الصوديوم هو عنصر الكالسيوم، كذلك أملاح الأوكسالات، أو حتى أملاح الفوسفور، وهنا تكون النتيجة الحتمية في تأخير وإعاقة التحام الكسور.
للمزيد: علاج الاملاح الزائدة في الجسم
الإفراط في شرب القهوة
ليست المشكلة في مادة الكافيين ذاتها، لكن ما يترتب على شرب كميات كبيرة منها، وهو حدوث عمليات تبول كثيرة، ومعها فقدان كميات كبيرة من المعادن، على رأسها عنصر الكالسيوم. لذلك يُنصح بالابتعاد عن شربها أثناء فترة التعافي أو على الأقل تناول كميات قليلة من القهوة فقط.
اقرأ ايضاً: كثرة استهلاك الكافين قد تؤدي إلى إصابة الرجال بسلس البول
مرض السُكر
إن الخطورة من مرض السُكر في أنه يؤثر بشكل مباشر على كميات العناصر الغذائية الممتصة في الجسم، كما أن له تأثير سيء على الدورة الدموية في الجسم، وبالتالي تأخر التئام الكسور.
التدخين
عملية التدخين من العمليات التي لها آثاراً خطيرة على صحة الجسم كله، كذلك لها أثر يعيق التئام الكسور، لما في التدخين من تأثير على ضغط الدم، وسرعة وصوله لخلايا العظام المكسورة.
للمزيد: التدخين وهشاشة العظام
الأدوية المضادة للالتهابات
بعض مضادات الالتهاب، مثل الإيبوبروفين، يقلل من سريان الدم داخل الأوعية الدموية، وبالتالي حدوث إعاقة لعملية التئام الكسور، ولذلك فالكثير من الأطباء ينصحون المرضى، بعدم استعمال هذه المضادات أثناء رحلة التحام الكسور.
التطلعات في محفزات ومعيقات التئام الكسور
في جامعة ستانفورد، يعكف العلماء حالياً على أحد الأبحاث التي سيكون لها صدى واسع في عالم الطب، وبخاصة طب العظام. تستند فكرة البحث إلى قدرة بعض الكائنات الحية من الحيوانات، على تجدد بعض أطرافها التي تتعرض للقطع.
هذه العملية التي يطلق عليها علماء الأحياء، عملية التجدد، تستطيع من خلالها مجموعات من البرمائيات، والكائنات البحرية، مثل الضفادع ونجم البحر، تعويض ما يتلف من أطرافهم. وفي قفزة علمية كبيرة، فصل مجموعة من الباحثين في جامعة ستانفورد، بروتين معين، أطلقوا عليه (بالإنجليزية: WNT) وقاموا بحقنه في مجموعة من الفئران التي تعرضت لجروح وكسور في العظام، وجدوا المفاجئة أن الاستجابة صارت أكبر في عملية التئام الكسور والجروح.
برغم أن البحث، لا يزال في طور التجربة، إلا أنه يقدم أملاً كبيراً للمصابين بكسور في العظام، في حال نجاح التجربة.