عند الحديث عن الآثار الصحية للتدخين، يحضر في الذهن أمراض القلب والأوعية الدموية وسرطان الرئة، ولكن هل تمتد هذه الآثار إلى أبعد من تحذيرات علبة السجائر؟
في الآونة الأخيرة تزايد الاهتمام بعلاقة التدخين بمرض السكري، وتزايدت الأبحاث التي تنبئ بآثار ضارة للنيكوتين على الإصابة بمرض السكري وتفاقمه لدى المصابين به. يحدث مرض السكري إما عند مقاومة الخلايا للإنسولين، أو عند انعدام قدرة البنكرياس على إفرازه، مما يسبب تراكم سكر الجلوكوز في الدم وارتفاع مستوياته، فكيف يؤدي التدخين إلى حدوث هذه الآثار؟
للمزيد: أضرار التدخين وانعكاساته على صحة المجتمع
التدخين ومقدمات السكري
تعد مقدمات السكري بمثابة إشارة تحذير إلى ارتفاع معدلات سكر الدم عن الطبيعي، و تعرف بمرحلة "ما قبل السكري". يشخَّص المريض بمرحلة ما قبل السكري عند إجراء فحص السكر التراكمي وظهور نتيجة 5.7 - 6.4%، وحينها ينصح المريض بإجراء تغييرات في نمط الحياة تشمل خسارة الوزن ونظام غذائي صحي، ولكن قلما يؤخذ بعين الاعتبار أثر التدخين في هذه المرحلة.
العديد من الدراسات أظهرت أثراً واضحاً للتدخين على رفع خطر الإصابة بمقدمات السكري، في دراسة صادرة عن إحدى الجامعات الأمريكية، تسببت مادة النيكوتين الموجودة في التبغ بإحداث مقاومة للإنسولين في الجسم، وهي إحدى الآليات الرئيسية لارتفاع مستوى سكر الدم والإصابة بمرض السكري. لتلخيص أثر التدخين على مقدمات السكري:
- يعتقد أن الرابط بين التدخين وارتفاع خطر الإصابة بمقاومة الإنسولين هو ارتفاع مستوى هرمون "الكورتيزول" الذي يتسبب به التدخين. الكورتيزول هو أحد الهرمونات التي يتم إفرازها عند تعرض الجسم لإجهاد أو توتر نفسي، ويؤدي لآثار عديدة في الجسم منها رفع مستوى سكر الدم.
- يؤدي النيكوتين كذلك إلى رفع مستوى الدهون الثلاثية في الدم، والتي يمكن أن تساهم بدورها في مقاومة الإنسولين.
- يؤثر التدخين كذلك على المصابين بمقدمات السكري بالفعل، حيث يجعلهم أقرب بخطوة إضافية نحو الإصابة بالسكري من النوع الثاني.
- يعد مرض السكري ومقدماته أحد الأسباب الرئيسية لأمراض القلب والأوعية الدموية، مما يعزز أثر التدخين على التسبب بهذه الأمراض عبر رفع مستوى سكر الدم، مما يزيد كذلك من الوفيات الناتجة عن أمراض القلب.
التدخين عند المصابين بالسكري
إذا كنت مدخناً ومن غير المصابين بمرض السكري، فإن التدخين يزيد فرصة إصابتك بالسكري من النوع الثاني بنسبة 30-40%. ولكن ماذا إذا كنت من المصابين؟
- وجد أن التدخين المنتظم للسجائر يؤدي لصعوبة السيطرة على مرض السكري، حيث أن المدخنين يحتاجون لجرعات أكبر من الإنسولين للتحكم بمستويات سكر الدم مقارنة بغير المدخنين.
- يعتقد كذلك أن النيكوتين الموجود في السجائر قد يساهم في رفع مستويات السكر في الدم ويؤدي لمقاومة الخلايا لعمل الإنسولين.
- تمتد آثار التدخين كذلك لتفاقم من مضاعفات مرض السكري، حيث يعد المرض أحد أهم عوامل الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. هذا الخطر يزداد بشكل ملحوظ عند المدخنين، وقد يؤدي لآثار مدمرة مثل الإصابة بالجلطات أو السكتة الدماغية والوفاة.
- يؤدي التدخين كذلك لازدياد خطر الإصابة بالمضاعفات التالية:
- الإصابة بقدم السكري والتي قد تنتهي ببتر القدم.
- اعتلال شبكية العين.
- اعتلال الأعصاب السكري.
- اختلال في وظائف الكلى.
- قد يؤدي تدخين السجائر كذلك إلى هبوط مستويات السكر في الدم، مما قد ينتج عنه حدوث غيبوبة أو تشنجات.
- لا تنحصر الآثار الضارة للتدخين على تدخين السجائر فحسب، حيث أنها تنتج كذلك عن مضغ التبغ، واستخدام السجارة الإليكترونية، والتدخين السلبي.
التدخين السلبي والسكري
يعد التدخين السلبي ظاهرة واسعة الانتشار، ولكن لا يتم الحديث عنها كما يجب. يقدر انتشار التدخين السلبي حول العالم بنحو 20%، ويشكل خطراً صحياً كبيراً على غير المدخنين الذين يتعرضون لدخان التبغ باستمرار.
للتدخين السلبي مضار عديدة مثبتة، أهمها أمراض القلب والأوعية الدموية وسرطان الرئة، ولكن المثير للاهتمام أن التدخين السلبي قد يؤثر أيضاً على وظائف الغدد الصماء، حيث وجدت الأبحاث أن خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني يرتفع بنسبة 22% عند التعرض المستمر لدخان السجائر. يعرضك التدخين السلبي كذلك إلى استنشاق حوالي سبعة آلاف مركب كيميائي، العديد منها ضار ومسرطن. في الواقع، إن التعرض للتدخين السلبي بأي كمية يعد كافياً للتعرض إلى هذه المواد الضارة وآثارها.
هل فات الأوان للإقلاع عن التدخين؟
آثار التدخين الضارة، وبالخصوص المتعلقة بمرض السكري لا يمكن الاستهانة بها أبداً. مع ذلك، لن تضطر لتحمل عواقبها إلى الأبد عند أخذ خطوات جادة للإقلاع عن التدخين، حيث أنه:
- عند الإقلاع عن التدخين، يقل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني من قرابة 37%، وهي النسبة لدى المدخنين، إلى حوالي 14% في المتوسط.
- كلما زادت فترة الإقلاع عن التدخين، كلما قل عامل الخطورة، حيث تصل هذه النسبة إلى 11% عند الإقلاع عن التدخين لأكثر من 10 سنين، ولذلك فإن أفضل وقت للإقلاع عن التدخين هو حتماً الآن!
- قد يزداد وزنك قليلاً عند الإقلاع عن التدخين، مما قد يجعل مستويات السكر ترتفع قليلاً لديك أو تبقى على حالها. من المهم لذلك اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة لإنقاص الوزن الزائد.
- هناك عدة خيارات آمنة لمرضى السكري ممن يرغبون بالإقلاع عن التدخين. يعتمد الخيار بشكل أساسي على رغبة المريض، حيث تتنوع الأدوية والأشكال الصيدلانية التي تعمل على تعويض النيكوتين في الجسم أو معارضة عمله، وأهمها التالي:
- علكة النيكوتين.
- لصقات النيكوتين.
- عقار "ببروبيون".
- عقار "فارنيكيلين".
قم باستشارة الصيدلاني أو الطبيب حول الخيار الأفضل للإقلاع عن التدخين.
للمزيد: كيف يمكنني الإقلاع عن التدخين