بالرُغم من كونها إحدى الأطعمة المهم تناولها ضمن النظام الغذائي بالفرد، إلا أن الإكثار من اللحوم الحمراء يمكن أن يتسبّب ببعض المخاطر والأضرار على صحة الفرد. [1]

وفي المقال التالي سنناقش كل ما يخص مخاطر الإفراط في تناول اللحوم الحمراء.

مخاطر الإفراط في تناول اللحوم الحمراء

تعد اللحوم الحمراء من الأطعمة الغنية بالبروتين، بالإضافة إلى العديد من الفيتامينات والمعادن، أهمها فيتامين B12، والحديد، والزنك. لكن في السنوات الأخيرة بدأت الدراسات العلمية بالربط ما بين الإفراط في تناول اللحوم الحمراء، خصوصًا اللحوم الحمراء المصنّعة، وزيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض والمشكلات الصحية، أهمها أمراض القلب والسرطان. [1][2]

بشكل عام لا تزال هناك حاجة لإجراء المزيد من الدراسات حول أضرار الإكثار من تناول اللحوم الحمراء وتحديد مدى العلاقة ما بين تناولها والإصابة بهذه الأمراض والمشكلات الصحية. [1][2]

وفيما يلي نذكر بعضًا من الأمراض التي يمكن أن تسبُّبها كثرة تناول اللحوم الحمراء:

أمراض القلب والأوعية الدموية

إن من أشهر مخاطر الإفراط في تناول اللحوم الحمراء هي احتمالية تسبُّبها بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، فمن الممكن أن تحتوي بعض أنواع اللحوم الحمراء على نسبة مرتفعة من الدهون غير المشبعة والكوليسترول، اللذين يرتبط الإكثار من تناولهما بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. [1][2]

لكن، من الممكن أن لا يعود هذا الضرر من أضرار الإفراط في تناول اللحوم الحمراء فقط إلى تسبُّبها بارتفاع مستويات الدهون، فقد وجد الباحثون من جامعة كولومبيا في نيويورك، أن بكتيريا الأمعاء تهضم مركبًا في اللحوم الحمراء يسمى الكارنيتين (بالإنجليزية: L-Carnitine)، وتقوم بتحويله إلى مركب يسمى ثلاثي ميثيل أمين-N-أكسيد (بالإنجليزية: Trimethylamine-N-Oxide) والذي يمكن أن يرتبط بزيادة خطر الإصابة بتصلب الشرايين. [2]

ومن الدراسات العملية التي ربطت ما بين الإكثار من تناول اللحوم الحمراء وأمراض القلب ما يلي: [1][2]

  • دراسة أجريت عام 2014 على أكثر من 37000 رجل من السويد، والتي وجد فيها أن تناول أكثر من 75 غرامًا من اللحوم الحمراء المصنّعة يوميًا يجعل الفرد أكثر عرضة للإصابة بقصور القلب بمقدار 1.28 مرة مقارنةً بتناول كمية أقل من 25 جرامًا يوميًا من هذه اللحوم المصنّعة.
  • دراسة كبيرة نشرت عام 2016 في مجلة تغذية الصحة العامة والتي تضمنت أكثر من 43000 من الذكور، ووجد فيها أن ارتفاع استهلاك اللحوم الحمراء، بما في ذلك اللحوم المصنّعة وغير المصنعّة، يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب.
  • دراسة أجريت على أكثر من 134000 فرد، والتي نشرت عام 2021 في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية، تم فيها المقارنة ما بين تناول اللحوم غير المعالجة وتناول اللحوم المعالجة في 21 دولة، وخلصت الدراسة إلى أن تناول 5.3 أونصة (ما يقارب 150 غرام) أو أكثر من اللحوم المعالجة أسبوعيًا يمكن أن يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بالإضافة زيادة معدلات الوفيات الناجمة عن هذه الأمراض.

بالرغم من ذلك، وجدت نتائج بعض الدراسات عدم وجود أي رابط ما بين الإفراط في تناول اللحوم الحمراء وأمراض القلب، منها: [1][2]

  • في الدراسة ذاتها التي نشرت عام 2021 في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية، لم يجد الباحثون أي ارتباط كبير بين تناول اللحوم غير المصنّعة والإصابة بأمراض القلب.
  • دراسة نشرت عام 2017 والتي تضمنت تحليل تلوي (بالإنجليزية: Meta Analysis) لـ 24 دراسة ربطت ما بين إجمالي كمية اللحوم الحمراء المتناولة يوميًا والمخاطر المرتبطة بالقلب، ووجد في هذا التحليل أن تناول نصف حصة أو أكثر من اللحوم الحمراء يوميًا لم يؤثر بشكل كبير على مستويات الكوليسترول في الدم أو ضغط الدم، التي تعتبر إحدى عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب.

السرطان

من مخاطر الإفراط في تناول اللحوم الحمراء التي لا يمكن توقعها هي زيادة خطر الإصابة بأنواع عديدة من السرطان، أهمها: [1][2]

وفي شهر أكتوبر من عام 2015، نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا موثوقًا به بيَّن أن احتمالية أن تكون اللحوم الحمراء مُسرطنة للإنسان وأن هناك أدلة على أنها يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالسرطان. [2]

وبناءً على المعهد الأمريكي لأبحاث السرطان، يمكن أن يحدث هذا الضرر من أضرار اللحوم الحمراء عند تناول أكثر من 18 أونصة (ما يقارب 500 غرام) من اللحوم الحمراء أسبوعيًا. [1]

كما يمكن أن يحدث هذا الخطر من مخاطر الإفراط في تناول اللحوم الحمراء عند تناول الأنواع المصنَعة من اللحوم، فقد بيَّنت منظمة الصحة العالمية أيضًا أن اللحوم المصنّعة تعد مُسرطنة وتزيد من خطر الإصابة بالسرطان، ويشمل ذلك اللحوم التي خضعت لعمليات التمليح، أو المعالجة، أو التخمير، أو التدخين، أو غيرها من العمليات التي تعمل على تعزيز النكهة أو تحسين الحفظ. [2]

وللتوصل إلى هذه الاستنتاجات، قام فريق عمل تابع للوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية بمراجعة أكثر من 800 دراسة لتقييم آثار اللحوم الحمراء واللحوم المعالجة على أنواع مختلفة من السرطان. ووجدوا أن كل 50 غرامًا من اللحوم المصنّعة، والتي تشمل في المقام الأول لحم الخنزير أو لحم البقر، يتم استهلاكها يوميًا تزيد من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم بنسبة 18%. [2]

ومن الدراسات العلمية التي ربطت ما بين فرط تناول اللحوم الحمراء ومرض السرطان ما يلي: [1]

  • مراجعة نشرت عام 2018 في المجلة العالمية للسرطان والتي قارنت ما بين استهلاك اللحوم الحمراء واللحوم المصنّعة وخطر الإصابة بسرطان الثدي، ووجد فيها أن خطر الإصابة بسرطان الثدي يزداد بنسبة 9% لدى الأفراد الذين تناولوا كميات كبيرة من اللحوم المصنّعة و 6% لدى الأفراد الذين يتناولون كميات كبيرة من اللحوم غير المصّنعة.
  • مراجعة نشرت عام 2015 في مجلة مراجعات الأورام والتي تضمنت تحليل تلوي لعدة دراسات تربط ما  بين تناول اللحوم الحمراء وخطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، وخلص مؤلفو الدراسة إلى أن اللحوم الحمراء واللحوم المعالجة يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم بنسبة 20 - 30%.
  • مراجعة أجريت عام 2021 والتي شملت تحليلًا لعدة دراسات تبحث في تناول اللحوم الحمراء واللحوم المعالجة وخطر الإصابة بأنواع عديدة من السرطان، وجد فيها الباحثون أن تناول كميات كبيرة من اللحوم الحمراء أو اللحوم المعالجة يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي، وسرطان بطانة الرحم، وسرطان القولون والمستقيم، وسرطان الرئة. كما يمكن أن يتسبب الإفراط في تناول اللحوم الحمراء على وجه الخصوص بزيادة خطر الإصابة بسرطان الكبد وسرطان الرحم.

لكن، يمكن أن يكون للعامل الجيني دورًا في حدوث هذا الضرر من أضرار الإكثار من تناول اللحوم الحمراء، ففي دراسة حديثة نشرت في شهر مارس من العام الحالي في مجلة علم الأوبئة السرطانية والعلامات الحيوية والوقاية تم إجراء تحليل 27 دراسة تضمنوا 29842 من المشاركين بسرطان القولون والمستقيم و39625 فردًا غير مصابين بالمرض. [3]

ووجد في هذه الدراسة أن هناك اثنين من المتغيرات الجينية التي يمكن أن تزيد من احتمالية إصابة الشخص بسرطان القولون والمستقيم عندما يستهلك كميات كبيرة من اللحوم الحمراء. [3]

يمكن أن يزداد خطر الإصابة بالسرطان عند الإفراط في تناول اللحوم الحمراء نتيجةً لعدة أسباب، منها: [2][4]

  • يؤدي طهي اللحوم الحمراء في درجات حرارة عالية، بما في ذلك القلي أو الشواء، إلى إنتاج الأمينات الحلقية غير المتجانسة (بالإنجليزية: Heterocyclic Amines) والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (بالإنجليزية: Polycyclic Aromatic Hydrocarbons)، وهي مواد كيميائية يمكن أن تتسبَّب بزيادة خطر الإصابة بالسرطان.
  • تحدث عملية فوق أكسدة الدهون (بالإنجليزية: Lipid Peroxidation)‏ عند طهي اللحوم والتي تؤدي إلى تكوين مركبات مسبِّبة للطفرات الجينية.
  • تزيد اللحوم الحمراء من مستويات الإجهاد التأكسدي وهو أمر يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان.

ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة لإجراء المزيد من الدراسات للبحث بالتفصيل عن كيفية حدوث هذا النوع من مخاطر الإفراط في تناول اللحوم الحمراء. [2]

الفشل الكلوي

يمكن أن يكون الإفراط في تناول اللحوم الحمراء من عوامل خطر الإصابة بالفشل الكلوي، وهي حالة تتمثل بعدم قدرة الكلى على تصفية الدم وإزالة النفايات والماء الزائد من الجسم. [2][5]

فبناءً على دراسة نشرت عام 2016 في مجلة الجمعية الأمريكية لأمراض الكلى، والتي شملت أكثر من 63 ألف فرد بالغ، تتراوح أعمارهم بين 45 - 74 عامًا، تمت متابعتهم لفترة من الزمن يبلغ متوسطها 15.5 سنة، تبيَّن أن هناك علاقة ما بين الكمية المتناولة من اللحوم الحمراء وخطر الإصابة بالفشل الكلوي. [2][5]

ففي حالة الأفراد الذين استهلكوا كميات كبيرة من اللحوم الحمراء (تتجاوز 25%) ازداد خطر الإصابة بفشل الكلى لديهم بنسبة 40% مقارنةً بأولئك الذين استهلكوا كميات أقل من اللحوم الحمراء. [2][5]

مرض السكري من النوع الثاني

تتضمن مخاطر الإفراط في تناول اللحوم الحمراء أيضًا زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. وهناك عدة دراسات بيَّنت ذلك، منها: [1]

  • مراجعة نشرت عام 2021 في المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة، ووجد فيها أن الأفراد الذين يتناولون كميات كبيرة من اللحوم الحمراء المصنّعة وغير المصنّعة كانوا أكثر عرضة بنسبة 27% و15% للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني على التوالي.
  • مراجعة نشرت عام 2017 والتي بحثت في العلاقة ما بين خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني و12 مكون من المجموعة الغذائية الرئيسية، وقد وجد أن اللحوم الحمراء واللحوم المصنّعة لها علاقة كبيرة بخطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، ويزداد هذا الخطر مع زيادة الكمية المتناولة من هذه اللحوم.
  • دراسة نشرت عام 2021 في مجلة التغذية والتي تبيّن فيها أن استبدال اللحوم الحمراء بمصادر البروتين الأخرى يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.

ومع ذلك، هناك حاجة لدراسات إضافية لتقييم العلاقة بين اللحوم الحمراء وخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. [2]

التهاب الرتج

إن مخاطر الإفراط في تناول اللحوم الحمراء على القولون والجهاز الهضمي لا تتمثل فقط بزيادة خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، وإنما يمكن أيضًا أن يزيد من احتمالية الإصابة بمرض التهاب الرتج، وهي حالة يحدث فيها التهاب في واحد أو أكثر من الأكياس التي تبطن جدار القولون، والتي تسمى بالرتج. [2]

فقد أشارت دراسة نشرت في مجلة Gut عام 2018 إلى أن تناول كميات كبيرة من اللحوم الحمراء يمكن أن يزيد من احتمالية الإصابة بالتهاب الرتج، وقد وجد أن الرجال الذين يتناولون كميات كبيرة من اللحوم الحمراء يكون لديهم خطر أكبر بنسبة 58% للإصابة بالتهاب الرتج مقارنةً بأولئك الذين يتناولون كميات منخفضة من اللحوم الحمراء. كما وجد الباحثون أن هذا الخطر يكون أقوى عند تناول كميات كبيرة من اللحوم الحمراء غير المصنّعة. [2]

نوبات النقرس

من أضرار الإكثار من تناول اللحوم الحمراء أيضًا التسبُّب بتفاقم أعراض نوبات مرض النقرس، وهي حالة تتمثل بحدوث التهاب مزمن في المفاصل نتيجةً لتراكم بلورات حمض اليوريك في منطقة المفاصل. [6]

تحتوي اللحوم الحمراء على نسبة عالية من البيورينات (بالإنجليزية: Purines)، والتي يتم تحويلها داخل الجسم إلى حمض اليوريك، الأمر الذي يزيد من مستوياته في الجسم وحدوث نوبة لدى المرضى المصابين به التي تتمثل بشكل أساسي بحدوث ألم شديد في المفاصل. [6]

ولهذا غالبًا ما ينصح مرضى النقرس بالحد من كمية اللحوم الحمراء التي يتناولونها، ويشمل ذلك لحم البقر ولحم الماعز. [6]

الكمية المسموح بها من اللحوم الحمراء

تجنبًا لمخاطر الإفراط في تناول اللحوم الحمراء، ينصح دائمًا بعدم الإكثار من تناولها، وليس بتجنُّب تناولها كليًا، حيث لا تزال اللحوم الحمراء من الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية المهمة لصحة الجسم وعافيته، مثل: [1][2]

  • فيتامين B3.
  • فيتامين B6.
  • فيتامين B12.
  • الزنك.
  • السيلينيوم.
  • حديد الهيم، وهو نوع من الحديد يتم امتصاصه بشكل أفضل مقارنةً بالحديد المتواجد في المصادر النباتية.

أما حول الكمية المسموح بها من اللحوم الحمراء، فيوصي كل من الصندوق العالمي لأبحاث السرطان الدولي والمعهد الأمريكي لأبحاث السرطان بالحد من استهلاك اللحوم الحمراء بما لا يزيد عن ثلاث حصص (بوزن 113 إلى 170 غرام تقريبًا لكل حصة) من اللحم المطبوخ  أسبوعيًا، أي بمجموع كلي يتراوح ما بين 340 - 510 غرام تقريبًا في الأسبوع. [1]

مع الأخذ بعين الاعتبار بأن بعض الفئات من الأفراد تحتاج إلى كميات أقل من اللحوم الحمراء لتقليل مخاطر تناول اللحوم الحمراء لديهم، ومن هذه الفئات ما يلي: [1] 

  • الأفراد الذين يعانون من ارتفاع نسبة الكوليسترول، أو ارتفاع ضغط الدم، أو مرض السكري.
  • الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
  • مرضى الكلى.
  • مرضى النقرس.

نصيحة الطبي

هناك أدلة متزايدة حول مخاطر الإفراط في تناول اللحوم الحمراء، والتي تتضمن زيادة خطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والشرايين، لكن إن ذلك لا يعني بتاتًا التوقف كليًا عن تناولها وإنما يجب تناول كميات معتدلة منها أسبوعيًا واستشارة الطبيب في حال المعاناة من أية أمراض أو مشكلات صحية يمكن أن تتفاقم عند تناول كميات كبيرة من اللحوم.

كما بإمكانك الآن الاستفادة من خدمة الاستشارات الطبية عن بعد التي يوفرها موقع الطبي على مدار 24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع للحصول على المزيد من المعلومات حول أضرار الإكثار من تناول اللحوم الحمراء.