يقوم الكثير منا بالتحدث مع أنفسهم ويديرون حوارًا كاملًا داخل عقولهم، ومن الممكن أن يقوم البعض بوضع سيناريو كامل لموقف ما في حياتهم داخل عقولهم، ومن ثم يبدؤون بالتفكير حول كيفية التعامل مع هذا الموقف وكيف سيتنهي بهم الأمر. [1]
لا شك بأن هذا الأمر يعد أمرًا طبيعيًا في معظم الأحوال. لكن، وفي بعض الحالات يمكن أن يدل ذلك على إصابة الفرد بظاهرة نفسية تُعرف باسم متلازمة جوسكا. فما هي هذه المتلازمة؟ وما هي أعراضها؟ وما هو علاج متلازمة جوسكا؟ كل ذلك نجيب عنه في المقال التالي.
محتويات المقال
ما هي متلازمة جوسكا؟
تتمثل متلازمة جوسكا (بالإنجليزية: Jouska)، أو ما تعرف باسم الحديث الذاتي، بعاطفة تتسبب بقيام الفرد بالحديث مع نفسه ومناقشة حوار طويل وكامل، وذلم إما بصوت عالٍ ومسموع أو بصمت بحوار داخل عقله. [1،2]
تعد عاطفة جوسكا عادة أمرًا طبيعيًا والذي يحدث بشكل شائع في الحياة اليومية للعديد من الأفراد. فمثلًا، عند استعداد أحدهم لاجتماع مهم، من الممكن أن يقوم بتخيل هذا الاجتماع قبل حدوثه، بحيث سيقوم بتكرار ما سيقوم بالحديث عنه داخل عقله مرارًا وتكرارًا، كما يمكن أن يتخيل ردة فعل باقي الحضور حول ما سيقوله وكيف ستكون إجابته حول جميع الأسئلة المتوقع أن توجه إليه. [1،3]
لكن، في بعض الحالات ستشكل هذه العاطفة اضطرابًا نفسيًا يمكن أن يؤثر سلبًا على حياة الفرد، وبالتالي ستتطلب العلاج من أجل التخلص منها. [2]
يجدر الإشارة إلى أنّ متلازمة جوسكا لا تُعدّ اضطراب نفسي معترف فيه من قبل التصنيف الأمريكي أو تصنيف منظمة الصحة للاضطرابات النفسية ، بل هي أقرب لمتلازمة أو ظاهرة نفسية يعاني منها البعض.
هل متلازمة جوسكا تعد أمرًا جيدًا؟
يمكن أن تفيد عاطفة جوسكا في تجنب وقوع الفرد بأية أخطاء والحصول على أفضل نتيجة لأي حدث أو موقف مهم في حياته. كما يمكن أن تجعل من الفرد قادرًا على الاستجابة فورًا لأي موقف يمكن أن يتعرض له مستقبلًا، فتفكير الفرد بكيفية الإجابة على سؤال معين أو كيفية التعامل مع موقف يمكن أن يتعرض له يمكن أن يساهم في بناء درع يحميه ويساعده على محاربة وتخطي أية مخاطر أو مواقف حرجة سيتعرض لها. [1،3]
لكن، إن الإفراط في ذلك يمكن أن يؤثر سلبًا على الفرد، إذ يمكن أن تؤدي متلازمة جوسكا إلى انغلاق الفرد على نفسه وخلق عالم افتراضي خاص به داخل عقله الباطني، وهذا ما يمكن أن يجعله غير قادر على البوح بمشاكله أو التعبير عن رأيه للآخرين، وبالتالي سيفضل العزلة وتجنب الاختلاط مع الآخرين. [2]
أيضًا، يمكن أن تتسبب متلازمة جوسكا بخداع الذات، فكل ما تحدث به المرء من نفسه أو قام بتخيله يعد وهمًا ولم يحصل بعد أو لن يحصل أبدًا. وفي حال اعتمد الفرد على هذه الأوهام وجعلها أمرًا أساسيًا لتسيير حياته، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى انفصال الفرد عن واقعه الحقيقي وبدئه بخداع نفسه دون أن يعي ذلك. [1]
كما يمكن أن تنطوي متلازمة جوسكا على تفكير الفرد بأفكار سلبية وتخيلهم لأسوأ السيناريوهات الممكنة، وهذا ما يمكن أن يتسبب بزيادة قلقهم بشأن المستقبل والخوف الشديد من أحداث لم تحصل بعد أو حتى لن تحصل أبدًا له. [1]
وبالتالي، تعد متلازمة جوسكا سلاح ذو حدين، فمن خلالها سيقوم الفرد بالسطيرة على عقله أو سيكون عقل الفرد وعاطفته هما من يتحكمان به. [1]
اقرأ أيضًا: التحدث مع النفس.. بين إيجابي وسلبي
ما هي أعراض متلازمة جوسكا؟
كما ذكرنا سابقًا، يمكن أن تعد متلازمة جوسكا أمرًا خطيرًا وتؤثر بشكل سلبي على حياة الفرد. ومن الأعراض والعلامات التي تدل على أن عاطفة جوسكا قد أصبحت أمرًا سلبيًا ما يلي: [2]
- توقف الفرد عن الحديث مع الآخرين من حوله.
- عدم القدرة على الاندماج مع الجو الأسري والعائلة والانعزال التام عنهم.
- كره المناسبات والتجمعات العائلية بشكل مبالغ.
- التوهم بالحديث مع أفراد غير موجودين في الواقع.
- النظرة السوداوية والتفكير السلبي تجاه جميع مواقف الحياة.
- تطور الحديث مع النفس إلى أشكال وصور عنيفة تصل لدرجة قيام الفرد بأذية نفسه أو الأفراد من حوله.
- إهمال الفرد لجميع مسؤولياته، فانشغاله بالحديث مع نفسه والتخيلات يمكن أن يجعله غير قادر على أداء مهام العمل أو غيرها من المهام اليومية المطلوبة منه.
- اضطرابات النوم، فكثرة التفكير والتخيلات يمكن أن تجعل الفرد غير قادر على النوم بشكل جيد.
- التدقيق في كافة التفاصيل الصغيرة بصورة مرضية.
ما هي أسباب متلازمة جوسكا؟
تتعدد الأسباب المحتملة لأن تصبح عاطفة جوسكا المسيطرة على عقل الفرد وسلوكياته، وتشمل هذه الأسباب ما يلي: [2]
- التعرض لضغوط نفسية كثيرة أو الصدمات العاطفية.
- شعور الفرد بالعجز والضعف وعدم قدرته على مواجهة مختلف المواقف في حياته.
- الانطوائية وانعزال، فعدم اختلاط الفرد مع الناس من حوله سيجعله يبحث عن طرق بديلة لتمضية وقته.
- اضطراب الجو الأسري.
أيضًا، يمكن أن ترتبط متلازمة جوسكا وكثرة التحدث مع النفس بالإصابة ببعض الأمراض والمشكلات الصحية، ومنها: [2،4]
- مرض الاكتئاب.
- انفصام الشخصية.
- القلق.
- اضطراب ما بعد الصدمة.
- اضطراب الوسواس القهري.
- بعض الأمراض العقلية أو العضوية.
كما يمكن أن يكون للوراثة دورًا في تطور متلازمة جوسكا لدى الفرد. [2]
اقرأ أيضًا: أسرار بناء الثقة بالنفس
ما هو علاج متلازمة جوسكا؟
من المهم الاهتمام بعلاج متلازمة جوسكا، فإهمال ذلك يمكن أن يؤدي إلى تتطور الحالة وحدوث المضاعفات الخطيرة لدى المريض. ويمكن أن يشمل علاج متلازمة جوسكا ما يلي: [2،4]
- تلقي جلسات العلاج السلوكي والنفسي والتي تتم تحت إشراف طبيب مختص بالأمراض النفسية.
- تناول بعض الأدوية التي يقوم الطبيب بوصفها للمريض.
- الحصول على الدعم من قبل أفراد الأسرة والأفراد المقربين.
- الانخراط في المجتمع، وتجنب كل ما يسبب ظهور متلازمة جوسكا.
كما من المهم أن يواجه الفرد نفسه وأن يكون واعيًا ومقتنعًا بمعاناته من هذه المشكلة، فذلك يمكن أن يساهم في زيادة مراقبة الفرد لنفسه وهذا ما يمكن أن يساعد في تحديد سبب قيامه بالحديث مع نفسه أو تخيل الأمور داخل عقله، فتجنب المسبب الرئيسي للمشكلة يمكن أن يساعد على التقليل من حدوثها لدى الفرد. [2،4]
أيضًا، ينصح بالبحث عن حلول بديلة يمكن للفرد القيام بها بمجرد بدئه بالتحدث مع نفسه، ويشمل ذلك القيام بكتابة ما يدور في ذهنه على ورقة. كما وفي حال كان الفرد يتحدث مع نفسه للحفاظ على بقاء حياته منظمة، عندها يمكن الاستعانة بقوائم المهام، أو استخدام التقويم، أو إعداد تذكيرات للالتزام بأداء المهام المطلوبة منه. [4]
اقرأ أيضًا: العلاج النفسي: دليلك الشامل
ما هي مضاعفات متلازمة جوسكا؟
تتمثل المضاعفات المحتملة لمتلازمة جوسكا ما يلي: [2]
- زيادة الانفعالية والعصبية لدى الفرد.
- زيادة الضغط النفسي والتوتر لدى الفرد، وهذا ما يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض والمشكلات الصحية، مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم.
- التأثير على شهية الفرد.
نهاية، لا بأس من تحدث المرء مع نفسه أو تخيله لكيفية التعامل مع بعض المواقف في حياته. لكن الإفراط في ذلك يمكن أن يشير إلى إصابة الفرد بما يسمى بمتلازمة جوسكا والتي يمكن أن يكون لها أثر سلبي كبير على حياة الفرد، وفي هذه الحالة لا بد من مراجعة طبيب مختص بالأمراض النفسية لتحديد سبب المشكلة والعمل على علاجها.