عُرض فيلم الحركة الأمريكي الشهير (Speed 2) أي (سرعة 2) في عام 1997, و تدور أحداثه حول حبيبين يقضيان رحلة رومانسية بالمحيط على متن احدى البواخر العملاقة, و لكن تلك الرحلة سرعان ما تحولت لمغامرة خطرة؛ عندما اكتشف طاقم الباخرة أن مهندسا سابقا بالشركة المصنعة لتلك الباخرة قد عبث بماكيناتها ليجعلها تُبحر بأقصى سرعتها فأفقدهم القدرة على التحكم بها. كان تبرير المجرم لفعلته هو الانتقام, حيث ادعى أن تعرضه للموجات الكهرومغناطيسية -أثناء فترة عمله بالشركة- سبب له مرض ولسون, وظهر في بعض مشاهد الفيلم وهو يضع على جلده بعض الديدان الماصة للدماء المعروفة ب (العلق الطبي) كوسيلة لعلاج هذا المرض.

سواء شاهدت الفيلم أم لست من هواة مشاهدة الأفلام فإن هذه المقالة سوف تفيدك في التعرف على مرض ولسون, وبعدها سوف تتمكن أيضا من معرفة ما اذا كان المجرم محقا في اعتقاده أم لا.

ما هو مرض ولسون؟

هو مرض وراثي ينتج عن جين محمول على الكروموسوم 13؛ و لأن المرض ذو سمة متنحية لا بد أن تكون الوراثة من كلا الوالدين كي تحدث الأعراض (أما من يحمل جين واحد فقط يصبح حاملا للمرض وليس مريضا), وأعراضه تحدث نتيجة فشل ارتباط النحاس بالبروتين الحامل للنحاس (سيريولوبلازمين) وهو البروتين الذي يسهل التخلص من النحاس بإخراجه من خلال العصارة الصفراوية, ولذلك يتراكم النحاس الحر – أي غير المرتبط بسيريولوبلازمين- ويترسب بالعديد من الأعضاء مسببا المشكلات الاتية:

1- الكبد.

- ترسب النحاس الحر يسبب أنماطا متعددة لاعتلال الكبد:

• التهاب كبدي حاد -يشبه التهاب الكبد الفيروسي الحاد-؛ حيث يشكو المريض من الوهن, اصفرار العينين والجلد, حكة بالجلد, غثيان  و قيء، و يصبح البول داكنا و البراز شاحبا, و في الأغلب تتحسن تلك الأعراض خلال فترة تتراوح بين اسبوعين الى أربعة اسابيع, و لكنها في غياب التشخيص والعلاج قد تتكرر, أو يحدث ما يسمى (الفشل الكبدي الخاطف) –يشبه ما يحدث نتيجة التسمم بجرعة مفرطة من دواء باراسيتامول- وفيه تتدهور حالة المريض بسرعة, و تحدث له عدة مضاعفات مهددة للحياة مثل ضعف الحالة العقلية (نتيجة اعتلال الدماغ الكبدي وتورم المخ), نزيف شديد من أماكن متعددة, و فشل كلوي (المتلازمة الكبدية الكلوية).

التهاب كبدي مزمن -يشبه التهاب الكبد الفيروسي المزمن– و يؤدي اذا تأخر التشخيص والعلاج الى تليف الكبد, و لكن الملفت للانتباه أن نسبة حدوث سرطان الكبد في مرض ولسون أقل بكثير من النسبة التي تحدث مع باقي الأمراض المسببة لتليف الكبد.

2- المخ.

- يترسب النحاس الحر في منطقة تسمى (النواة العدسية) وهي مسئولة عن ضبط وتدقيق الاشارات الحركية الصادرة من المخ للعضلات, و بالتالي فان الخلل بها لا يسبب الشلل, و لكن يؤدي الى حدوث حركات زائدة لا ارادية بالجذع والأطراف, كما يؤدي أيضا ترسب النحاس الحر بالمخ الى اضطرابات نفسية كالفصام والاكتئاب.

3- العين.

- يترسب النحاس الحر بالعين في موضعين:

القرنية: يحدث بحوافها حلقة بنية تسمى (حلقة كايزر فلايشر) يمكن أن ترى بالعين المجردة ولكن في بعض الحالات لا يمكن اكتشافها الا بفحص العين -بواسطة طبيب العيون- باستخدام (المصباح المشقوق), ورغم أن تلك الحلقة لا تسبب اعاقة للإبصار الا أنها احدى الوسائل الهامة لدعم –أو نفي- التشخيص.

العدسة: يحدث بها اعتام يسمى (ساد دوار الشمس) لأنه يكون على هيئة قرص مركزي تخرج منه خيوط مثل أشعة الشمس.

4- المفاصل.

- يؤدي النحاس الحر الى زيادة (كالسيوم بيروفوسفات) الذي يترسب بالمفاصل مسببا تآكلها.

5- الأظافر.

- النحاس الحر يعطي هليلات الأظافر اللون الأزرق (هليل الاظفر هو الجزء الأبيض المقوس القريب من المنبت), و رغم أن ذلك لا يسبب ضررا للمريض الا أنها علامة سريرية هامة تساعد في تشخيص المرض.

6- الدم.

- يسبب النحاس الحر تكسر بكرات الدم الحمراء (أنيميا انحلالية).

تم استئصال المرارة منذ 8 سنوات وحدث خطأ جراحي وتم معالجته ولكن دائما أشعر بالإعياء والتعب الشديد وترتفع درجة الحراة مع وجود رعشة على فترات قريبة جدا ويوجد ارتفاع في إنزيمات الكبد والصفراء

7- الكلى.

- يسبب النحاس الحر تلف بأنابيب الكلى مما يسبب فقدان الجلوكوز والفوسفات والأحماض الأمينية بالبول (متلازمة فانكوني).

وسائل تشخيص المرض

• استبعاد أسباب التهاب الكبد الأكثر شهرة مثل العدوى الفيروسية, و البحث عن العلامات السريرية خصوصا (حلقة كايزر فلايشر).

• الاختبارات اللازمة للتشخيص (يجب التأكد من التشخيص بإجراء أكثر من اختبار لأن كل منها توجد له بعض النقائص):

1- قياس معدل سيريولوبلازمين بالدم: يصبح مرض ولسون محتملا اذا وجد سيريولوبلازمين بالدم أقل من 20 مجم/ديسيلتر.

- ملاحظة: يجب الانتباه الى أن سيريولوبلازمين يمكن أن يرتفع في حالة حدوث أي التهاب حاد بالجسم أو نتيجة تعاطي هرمون الاستروجين, مما قد يعطي نتيجة سلبية زائفة.

2- قياس النحاس بكل كمية البول المجمعة خلال 24 ساعة: يصبح مرض ولسون محتملا اذا وجد النحاس بالبول أكثر من 100 ميكروجرام/24 ساعة.

ملاحظة: يجب الانتباه الى أن عدم التأكد بجمع كل كمية البول خلال 24 ساعة سوف يعطي نتائج مشكوك بصحتها.

3- خزعة كبدية (مع استعمال صبغة الأوريسين التي تصبغ النحاس): يصبح مرض ولسون محتملا اذا وجدت زيادة في ترسب النحاس بالكبد.

ملاحظة: يجب الانتباه الى أن هناك سببان اخريان لزيادة النحاس بالكبد هما؛ التليف الصفراوي الأولي والتهاب الأقنية الصفراوية التصلبي الأولي, مما قد يعطي نتيجة ايجابية زائفة.

وسائل العلاج

العلاج الدوائي يمر بمرحلتين:

1- تقليص كمية النحاس بالجسم: يتم باستخدام بنسيلامين (Penicillamine) أو تراينتين (Trientine), وهذان الدواءان يتحدا مع النحاس ويسهلا اخراجه في البول, مع مراعاة اعطاء فيتامين B6 في حالة استخدام بنسيلامين لأن استخدامه يسبب نقص ذلك الفيتامين.

2- المحافظة على ثبات كمية النحاس بالجسم: يتم ذلك باستخدام الزنك الذي يقلل امتصاص النحاس الموجود بالطعام, مع تجنب تناول الأطعمة التي تحتوي على كمية كبيرة من النحاس مثل المكسرات، البازلاء، الشوكولاتة، فطر عش الغراب، المحار، والكبد.

• يتم اللجوء لزرع الكبد في حالات تليف الكبد المتأخر أو حالات الفشل الكبدي الخاطف, و زرع الكبد –في حالة نجاحه– يؤدي الى شفاء المريض (أي لن يعود المريض بحاجة لتناول أدوية ازاحة النحاس).

في نهاية المقالة, أعتقد أنك قد أصبحت قادرا على معرفة أخطاء مجرم الفيلم بشأن مرض ولسون وهي: مرض ولسون هو مرض وراثي وليس من الأمراض المهنية الناتجة عن التعرض للملوثات, كما أن التخلص من النحاس الزائد يتم بالأدوية وليس ب (صفد الدم) الذي يمكن أن يستخدم في التخلص من الحديد الزائد- راجع مقالة (القلب الحديدي؛ قلب ضعيف).

اقرأ أيضاً:

معلومات تهمك عن التهاب الكبد

أنواع لقاح التهاب الكبد ومدى فعاليته وأمانه

اقرا ايضاً :

الغرغرينا (موت أنسجة من أحد أجزاء الجسم)

علاج أورام الكبد لم يعد مستحيلاً