تؤثر الحروب والصراعات وما يصاحبها من كوارث ونكبات على حالة الفرد النفسية ويكون هذا الأثر النفسي مضاعف على الأطفال، فقد يسيطر على الطفل الذعر والخوف الشديد جراء ما يشهد من قتل وتهجير وقصف للمنازل، وربما الأسوأ بفقدان الأهل والأصدقاء. وقد يصعب تجنب هذه الآثار النفسية على الطفل، إلا أن تعلم كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب بطريقة صحيحة يمكن أن يساهم في التخفيف من ذعر الطفل، والحد من التبعات النفسية للحروب، ومساعدته على تجاوز هذه المحنة بسلام. [1]
يناقش هذا المقال إرشادات هامة حول كيفية التعامل مع الأطفال خلال الحرب وأثناء التعرض للقصف أو الاجتياح والطرق المناسبة للتخفيف من ذعر الطفل وقلقه، كما يوضح الأساليب الصحيحة للتغلب على الأضرار التي تخلفها الحروب على نفسية الطفل بعد انتهاء الحرب.
محتويات المقال
الحرب وأثرها على الأطفال
يشكل ما يتعرض له الطفل في الحروب عبئًا يفوق قدرته على التحمل فتظهر عليه ملامح المعاناة النفسية، وقد ينعكس ذلك على انفعالاته وتصرفاته في محاولة للتنفيس عن الضغط النفسي الذي يتعرض له، فالأطفال هم أكثر الفئات تأثرًا بالحروب لعدم اكتمال النضج النفسي والمعرفي لديهم. [2]
قد تؤدي الحرب إلى دخول الطفل في حالة من الصدمة، ومن أبرز العلامات التي قد تشير إلى إصابة الطفل بصدمة نفسية أثناء الحرب ما يلي: [2]
- الخوف الشديد والذعر.
- الإصابة بحالة من الذهول والدهشة.
- الارتجاف.
- التلعثم وعدم القدرة على التحدث.
- الفزع بسهولة.
- عدم القدرة على التركيز والانتباه.
- التشبث في الوالدين أو الكبار.
- التهيج والعصبية.
- الحزن والبكاء.
- عدم القدرة على النوم.
قد تستمر هذه الأعراض بضعة أيام أو أسابيع، وفي بعض الحالات قد يتطور الأمر إلى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، وهو اضطراب نفسي يعاني فيه الطفل من تكرار تذكر الأحداث المؤلمة وعدم القدرة على التخلص من هذه الذكريات، والمعاناة من كوابيس تؤرقه وتزعج نومه، كما يحاول الطفل تجنب أي شيء يذكره بالحرب وما مر به. [3]
كيف تحافظ على الصحة النفسية للأطفال وقت الحروب؟
يستدعي التعامل مع الأطفال في الحروب ووقت وقوع الكوارث طريقة خاصة للتخفيف من روعهم ووقع هذه الأحداث المؤلمة على أنفسهم، فعواقب الحروب لا تقتصر على الأضرار البدنية بل إن تبعاتها النفسية قد تدوم طويلًا؛ لذلك فإن مهمة احتواء الأطفال في هذه الفترة يقع على عاتق والديهم ومن يرعاهم حتى يتمكنوا من النجاة بأقل ضرر ممكن. [4]
نوضح فيما يلي إرشادات حول التعامل الصحيح مع نفسية الطفل أثناء الحرب: [4]
- محاولة شرح الأحداث للطفل بأسلوب مبسط يناسب عمره مع مراعاة عدم الكذب عليه.
- احتواء الطفل وطمأنته بشكل مستمر قدر المستطاع وإخباره بمدى حبك له، وألا بأس بما يشعر به من حزن وقلق فهذا أمر طبيعي.
- إعطاء مجال للطفل للتحدث عما يجول في خاطره وعدم مقاطعته أثناء الحديث، والإجابة عن تساؤلاته بصدق وببساطة للتهدئة من روعه.
- قضاء الوقت مع الأطفال والقيام بأنشطة ممتعة واللعب معهم لتشتيت تفكيرهم عن الحرب والخوف.
- الحد من اطّلاع الطفل على الأخبار باستمرار وحجبه عن رؤية الفيديوهات المروعة للقتلى والجرحى، أو قراءة الأخبار السلبية التي تبث الرعب والفزع في نفسه.
- اتباع روتين يومي وتحديد مواعيد الأنشطة والواجبات التي ينبغي القيام بها، ولا بأس في جعل الطفل يشارك في الأعمال المنزلية بما يناسب قدراته.
جدير بالذكر أن تهيئة الطفل نفسيًا لحالات الطوارئ وكيفية التصرف فيها يعد من الأساليب الصحيحة في التعامل مع الأطفال في الحروب.
اقرأ أيضًا: ما هي الآثار النفسية للحروب والصراعات؟
طريقة التعامل مع الأطفال الرضع وقت الحروب
لا يدرك الأطفال الرضع ما يدور حولهم فهم يعتمدون اعتمادًا كليًا على أمهاتهم ويستمدون المشاعر الإيجابية أو السلبية منها؛ لذا فإن الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأطفال الرضع في الأوقات العصيبة هي احتوائهم ومعانقتهم والتحدث معهم بصوت خافت وهادئ لبث الطمأنينة في أنفسهم. [5]
اقرأ أيضًا: ما هي أعراض اضطراب ما بعد الصدمة؟
كيفية التعامل مع الأطفال أثناء القصف
تعد أول خطوة في التعامل مع الأطفال وقت قصف المنازل هي محاولة تأمين الأطفال قدر المستطاع وإبعادهم عن النوافذ مع تعليمهم مسبقًا كيفية التصرف عند وجود قصف قريب بالاستلقاء على البطن وسد الأذنين وفتح الفم قليلًا، كما يجب تدريبهم على كيفية الجري واللجوء إلى مكان أكثر أمانًا عند بدء القصف. [1]
يجب على الآباء مراعاة التعامل مع الأطفال في الحروب بالطريقة المناسبة لعمرهم والتمهيد لهم عما سيحدث مع الاحتفاظ بالهدوء قدر الإمكان رغم صعوبة ذلك ولكن حرصًا على عدم تفاقم الخوف لدى الأطفال. [1]
قد تساعد النصائح التالية في التعامل مع الأطفال أثناء المكوث في منطقة تتعرض للقصف: [1]
- جلوس جميع أفراد الأسرة في مكان واحد وعدم ترك الطفل وحيدًا في غرفة منفصلة.
- معانقة الأطفال بشدة والدعاء معًا.
- محاولة إظهار القوة والصمود حيث يستمد الطفل القوة من والديه أو الكبار من حوله.
- تشتيت ذهن الطفل والتخفيف من ذعره بغناء أغنيته المفضلة معًا.
- الحرص على التحدث المستمر مع الطفل وطمأنته وتجنب الصمت والاستماع لأصوات الانفجارات.
- تقبل أي مشاعر يظهرها الطفل ومحاولة احتوائه.
- التحدث مع الطفل بإيجابية ومحاولة تخيل الأشياء الجيدة والأماكن المحببة معًا للحد من قلقه وذعره.
- مساعدة الطفل على التنفس بانتظام بأخذ شهيق من الأنف والزفير من الفم لتخفيف التوتر.
- الامتناع عن جعل الطفل يشاهد الأخبار والمشاهد المروعة قدر الإمكان.
- تجنب الجدال أو افتعال الشجار مع بقية أفراد الأسرة.
اقرأ أيضًا: الصدمة النفسية عند الطفل وكيفية التعامل معها
كيفية التعامل مع الأطفال وقت الاجتياح والتهجير
قد يتعرض المدنيين إلى التهجير القسري في ظل اشتعال الحرب فيضطرون إلى ترك منازلهم واللجوء إلى أماكن أقل خطرًا، وفي مثل هذه الحالات يصاب الأطفال بالحزن على ترك منازلهم والذعر والقلق من المصير المجهول. [6]
يمكن أن تفيد الإرشادات التالية الوالدين في التعامل مع الأطفال في الحروب والاجتياحات: [6]
- إخبار الطفل مسبقًا بمجرد بدء الحرب عن احتمالية الاضطرار إلى ترك المنزل والذهاب إلى مكان أكثر آمانًا.
- تهيئة الطفل نفسيًا للاستعداد لمغادرة المنزل بحزم الحقائب أمامه.
- الحرص على الصدق عند الحديث مع الطفل وعدم إعطائه وعودًا مؤكدة بالعودة مرة أخرى.
إرشادات لمساعدة الطفل على التعافي من الآثار النفسية للحروب
قد يعاني الأطفال من تبعات الحروب النفسية وما تخلفه من آلام وشعور بالخوف والذعر وذكريات مؤلمة تسيطر على مخيلة الطفل فتتغير نظرته للعالم، ويفقد الشعور بالأمان ويبقى في حالة من الفزع والرعب. [3]
يجب في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها الطفل الحرص على تقديم الدعم النفسي له وطمأنته والحفاظ على الهدوء لمنح الطفل الشعور بالأمان مرة أخرى واستعادة ثقته بنفسه ومن حوله. [5]
تتضمن الطرق التي تساهم في التغلب على الأضرار النفسية التي تخلفها الحروب لدى الأطفال ما يلي: [3][5]
- السماح للطفل بالبكاء وعدم محاولة منعه عن ذلك، فالبكاء هو وسيلة لتهدئة النفس والتخلص من المشاعر السلبية، وينبغي إعطاء الطفل فرصة للحزن والحداد على ما خسره في الحرب ومنحه وقتًا للتعافي.
- تشجيع الطفل على الفضفضة والتعبير عن مشاعره دون الضغط عليه، فقد يكون من الصعب على الطفل التحدث عما مر به من تجارب مؤلمة خلال الحرب.
- معانقة الطفل وطمأنته وإخباره بأن الأمر انتهى وأنه في مأمن الآن فلا داعي للذعر والخوف، وكذلك محاولة بث الأمل في نفسه والإجابة عن أسئلته.
- التحدث عن المستقبل والتخطيط له وإشراك الطفل في ذلك للتغلب على سيطرة فكرة المصير المجهول أو السيء الذي ينتابه.
- تجنب إعادة تعريض الطفل للأحداث التي مر بها مرارًا وتكرارًا سواء بمشاهدة الأخبار على التلفاز أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو بتكرار الحديث عنها وذكر تفاصيلها، فذلك يعيد الذكريات المؤلمة إليه ويحيي الألم في نفسه مرة أخرى.
- تشجيع الطفل على العودة للحياة الطبيعية تدريجيًا بممارسة الأنشطة المفضلة لديه واللعب مع رفاقه حتى يتسنى له تجاوز ما مر به وشغل تفكيره بأمور أخرى غير استعادة الذكريات المؤلمة.
- إنشاء روتين يومي حتى يشعر الطفل بالاستقرار إلى حد ما وأن الحياة بدأت تعود إلى طبيعتها.
- تشجيع الطفل إذا كان بصحة جيدة على ممارسة الأنشطة البدنية مع الأطفال الآخرين مثل الجري أو لعب كرة القدم، حيث يساعد ذلك في التغلب على التوتر وإفراغ الطاقة السلبية والترويح عن النفس.
- تعليم الطفل كيفية الاسترخاء والتنفس بعمق كلما انتابه شعور بالخوف أو عادت الأحداث المؤلمة إلى مخيلته.
- الحرص قدر الإمكان على تجنب إثقال كاهل الطفل بالكثير من المهام ومراعاة أن الأطفال يكونون أكثر إرهاقًا وتأثرًا بالحروب.
يجب على الآباء أو من يعتنون بالأطفال عرض الأطفال على طبيب نفسي بمجرد أن تسنح الفرصة لذلك خاصة إذا ظهرت عليهم علامات الإصابة بصدمة نفسية، أو تعرضوا خلال الحرب إلى مشاهدة الجرحى والقتلى، أو فقدوا أفرادًا من عائلتهم، وذلك لفحص الطفل وتقديم العلاج المناسب له وتجنب تطور الأمر للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة أو اضطرابات نفسية أخرى. [5]
اقرأ أيضًا: كيفية علاج الصدمة النفسية
نصيحة الطبي
يساهم معرفة كيفية التعامل مع الأطفال وقت الحروب بأساليب صحيحة في تخفيف الأذى النفسي التي تسببه الحروب والحد من عواقبها على صحة الطفل النفسية، فعلى الكبار التحلي بالصبر والصمود رغم الصعوبة البالغة في فعل ذلك ولكن حرصًا على سلامة الأطفال، فالطفل يستمد قوته وقدرته على التحمل ممن حوله. يوصى أيضًا عند انتهاء الحرب بعرض الطفل على طبيب نفسي في أقرب فرصة لتلقي العلاج اللازم وتجنب تطور الأمر إلى الإصابة باضطرابات نفسية.