بينت دراسة فرنسية حديثة أن المصاب بفرط ضغط الدم الرئوي يشكو عدداً من الأعراض، التي تبدأ بضيق في التنفس، يشعر به مع بذل أي مجهود، وذلك في بداية الإصابة. ومع تفاقم الحالة، فإن ضيق التنفس يحدث حتى في أثناء الراحة.
ويعاني كذلك من الإرهاق والدوخة، التي تصل في بعض الحالات إلى الإغماء، ويشكو من ألم أو ضغط في الصدر، وتتلون الشفاه والجلد بلون أزرق.
وتشمل الأعراض أيضاً وذمة في الكاحلين والساقين، التي تتطور إلى الإصابة بالاستسقاء، وربما يعاني المصاب من خفقان القلب.
ويلاحظ أن أعراض ارتفاع ضغط الدم الرئوي في مراحل الإصابة الأولى ربما لا تكون واضحة، حتى أن المصاب يتأخر في مراجعة الطبيب، لأن الأعراض لا تتطور بشكل سريع.
تصنيف منظمة الصحة العالمية للمرض
صنفت منظمة الصحة العالمية، ارتفاع ضغط الدم الرئوي إلى خمس مجموعات، وذلك بحسب السبب وراء الإصابة به.
ويطلق على المجموعة الأولى فرط ضغط الدم الشرياني الرئوي، الذي لا يعرف سبب للإصابة به في بعض الحالات، ولذلك يطلق عليه مجهول السبب. ويمكن أن ترجع المشكلة إلى وجود طفرة جينية، التي تؤدي إلى إصابة عائلية، ولذلك تسمى هذه الحالة بارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي الوراثي.
ويتسبب تناول بعض الأدوية في الإصابة بهذا المرض، كأدوية الحمية التي يصفها الطبيب، أو التعرض لمواد سامة.
ويؤدي وجود أحد الأمراض إلى الإصابة بهذه الحالة، كالداء القلبي الخلقي، أواضطرابات الأنسجة الضامة كالذئبة وتصلب الجلد، وفي بعض الأحيان أمراض الكبد المزمنة كتليف الكبد.
القلب والتليف
تعرف المجموعة الثانية بارتفاع ضغط الدم الرئوي الناجم عن مرض الجانب الأيسر من القلب، الذي يشمل مرضاً في صمامات القلب اليسرى، كالصمام الأورطي أو التاجي، أو فشل البطين الأيسر. ويؤدي إلى المجموعة الثالثة، وهي ارتفاع ضغط الدم بسبب أمراض الرئة، وجود أحد أمراض الرئة، كالانسداد الرئوي المزمن.
وتشمل هذه الأمراض التليف الرئوي، حيث يصاب النسيج الذي يوجد بين الحويصلات الهوائية بالتندب، كما أن انقطاع النفس أثناء النوم يتسبب بهذه الحالة.
ويمكن أن ترجع الإصابة بارتفاع ضغط الدم الرئوي إلى معاناة البعض عند وجودهم على ارتفاعات عالية لفترة طويلة.
وتتسبب جلطات الدم المزمنة في الرئتين، الصمات الرئوية، بالإصابة بهذا المرض، والتي صنفتها منظمة الصحة العالمية في المجموعة الرابعة تحت مسمى ارتفاع ضغط الدم الرئوي بسبب جلطات دم مزمنة.
وتبقى المجموعة الخامسة، والتي يكون فرط الدم الرئوي فيها مرتبطاً بحالات متنوعة، كاضطرابات الدم، والاضطرابات التي تؤثر في العديد من الأعضاء كالساركويد، وكذلك اضطرابات الأيض، والأورام التي تسبب ضغطاً على الشرايين الرئوية.
متلازمة أيزنمينجر
يمكن أن تكون الإصابة بفرط ضغط الدم الرئوي نتيجة الإصابة بمتلازمة أيزنمينجر، والتي تصنف ضمن أمراض القلب الخلقية.
ويعتبر السبب البارز فيها وجود ثقب كبير في القلب بين البطينين، ولذلك تسمى في بعض الأحيان بعيب الحاجز البطيني.
ويختلط الدم الأحمر- وهو المحمل بالأكسجين- بالدم الأزرق، غير حامل للأكسجين، وذلك لأن الدم يدور بشكل غير طبيعي في القلب بسبب وجود هذا الثقب.
ويعود الدم مرة أخرى للرئتين، على الرغم من أنه من المفترض أن يذهب إلى بقية الجسم، وبالتالي يتسبب هذا الأمر بزيادة ضغط الشرايين الرئوية، والإصابة بفرط ضغط الدم الرئوي.
تشخيص المرض
يجد الطبيب صعوبة في تشخيص فرط ضغط الدم الرئوي في بداية الإصابة بالمرض، وحتى في الحالات المتأخرة، لأن الأعراض تشبه كثير أعراض أمراض القلب والرئة الأخري.
ويحتاج الطبيب إلى معرفة للتاريخ الطبي والعائلي للمصاب، وكذا مناقشة الأعراض التي يشكو منها، مع توقع فحص بدني عليه.
ويطلب منه إجراء عدد من الاختبارات والفحوص، التي تشمل مخطط صدى القلب، والذي يساعد على فحص حجم البطين الأيمن ووظيفته وسمك جداره، ويبين مدى صحة عمل غرف القلب وصماماته، ويستخدم كذلك لقياس ضغط الشرايين الرئوية.
ويمكن من خلال صور الأشعة السينية التي يجريها المريض معرفة مدى تضخم البطين الأيمن أو الشرايين الرئوية. وتفيد هذه الصور في تحديد حالات أخرى تؤدي إلى الإصابة بفرط ضغط الدم الرئوي.
قسطرة قلبية
يظهر جهاز تخطيط كهربائية القلب الأنماط الكهربائية له، ويمكن أن يكشف عن الإيقاعات غير الطبيعية، كما يشاهد الطبيب علامات تضخم البطين الأيمن أو إجهاده.
ويحتاج الطبيب في بعض الحالات إلى إجراء قسطرة قلبية يمنى، حيث يؤكد هذا الإجراء وجود الإصابة، كما يحدد شدة الحالة.
ويتمكن من خلال هذه القسطرة، قياس ضغط الشرايين الرئوية والبطين الأيمن، ومعرفة أثر العقاقير المتنوعة في فرط ضغط الدم الرئوي.
ويتحقق من خلال اختبارات الدم من وجود بعض المواد في دم المريض، والتي ربما وضحت الإصابة بهذا المرض أو المضاعفات التي تنتج عنه، كما أن هذه الاختبارات تحدد الحالات التي تسبب هذا المرض.
العلاج
يعتمد علاج فرط ضغط الدم الرئوي على مسارين: الأدوية والتدخل الجراحي، وعموماً فإن الهدف من هذين المسارين التقليل من حدة الأعراض وإيقاف تدهور الحالة، لأن المرض لا يزال يفتقد للعلاج الناجع.
ويحتاج الطبيب إلى بعض الوقت حتى يحدد العلاج المناسب للحالة، وفي الأغلب فإن العلاجات ليست بسيطة، كما أنها تحتاج إلى متابعة، وربما غيّر الطبيب العلاج لو كان غير فعال.
وتشمل الأدوية التي تعالج ارتفاع ضغط الدم الرئوي الأدوية الموسعة للأوعية، غير أن مفعولها لا يستمر سوى بضع دقائق، ولذلك فإن الدواء يحقن بشكل مستمر باستخدام قسطرة الوريد، حيث يضخ إليها الدواء من مضخة صغيرة تكون موضوعة في عبوة على الحزام والكتف.
ويمكن أن يكون لهذا النوع من العقارات آثار جانبية، حيث يشكو المريض من ألم في الفك والشعور بالغثيان والإسهال وتقلصات بالساق.
ويتوفر عقار آخر يتم استنشاقه يومياً بمعدل 6 إلى 9 مرات، وذلك باستخدام رذاذه، وبالتالي فإنه يذهب للرئتين مباشرة، وربما عانى المريض من آثار جانبية له كالصداع والغثيان، وفي بعض الحالات آلام في الصدر.
مضادات التخثر
توجد في جدران الأوعية الدموية مادة تعرف بالإندوثيلين، تؤدي إلى تضييق الأوعية، ولذلك يتوفر دواء يعكس تأثير هذه المادة، ويعرف بمناهضات مستقبلة الإندوثيلين.
ويحذر استخدام هذا الدواء على الحوامل، كما أنه من الممكن أن يسبب ضرراً للكبد، ولذلك يحتاج من يتناوله إلى إجراء فحوص على الكبد مرة كل شهر. ويصف الطبيب في بعض الحالات مضادات التخثر، والتي تمنع تكون الجلطات في الشرايين الرئوية الصغيرة، غير أنها تزيد خطر حدوث النزيف.
وتساعد مدرات البول -والتي تعرف بحبوب الماء- على التخلص من الماء الزائد، وبالتالي يقل تعرض القلب للإجهاد، كما تستخدم في الحد من تراكم السوائل بالرئتين.
ويمكن أن يقترح الطبيب في بعض الحالات العلاج بالأكسجين؛ حيث يحصل المصاب على جرعة من الأكسجين النقي، وهي تساعد على علاج ارتفاع ضغط الدم الرئوي، وبالذات لمن يعيشون في أماكن مرتفعة، وكذلك المصابون بانقطاع النفس أثناء النوم، ويحتاج بعض المصابين إلى هذا النوع من العلاج بشكل مستمر.
التدخل الجراحي
يلجأ الطبيب إلى التدخل الجراحي لعلاج فرط ضغط الدم الرئوي في حالة فشل الأدوية في التحكم في الأعراض، ويقوم بإجراء جراحة لإيجاد تواصل بين الأذينين الأيمن والأيسر، وتسمى ثقب الحاجز الأذيني، وذلك بهدف تخفيف الضغط على الجانب الأيمن من القلب، وإن كان هذا على حساب انخفاض مستويات الأكسجين في الدم. وربما تسببت هذه الجراحة ببعض المضاعفات الخطرة، التي تشمل اضطرابات ضربات القلب.
ويمكن في بعض الحالات أن يطرح خيار زراعة الأعضاء، وبخاصة إذا كان المصاب شاباً، حيث تتم زراعة القلب أو الرئة، وذلك لدى المصابين بارتفاع ضغط الدم الرئوي مجهول السبب.
ويعتبر أبرز مخاطر عمليات الزرع، رفض الجسم للأعضاء المزروعة، إضافة إلى خطر الإصابة بالعدوى، كما أنه يجب الالتزام بتناول الأدوية المثبطة للمناعة مدى الحياة.
تغيير نمط الحياة
تشير دراسة أمريكية حديثة إلى أن تغيير نمط حياة المصاب بفرط ضغط الدم الرئوي يساعد على تحسين حالته، والتخفيف من حدة الأعراض، ويتضمن هذا الأمر الحصول على راحة كافية.
ويمكن أن تفيد التمارين المعتدلة كالمشي، وبالذات في وجود الأكسجين. وعموماً يجب مراجعة الطبيب قبل ممارسة أي نشاط، ويوصي بصفة عامة بعدم رفع الأوزان الثقيلة. ويجب الامتناع عن التدخين، وبالنسبة للمرأة فإن الحمل ربما يهدد حياتها وحياة الجنين، كما أن حبوب منع الحمل ترفع من خطر الإصابة بجلطات الدم.
وينبغي على المصاب تجنب السفر إلى الأماكن المرتفعة، وفي حالة السكن بها يفضل أن ينتقل إلى أماكن أقل ارتفاعاً.
وينبغي تجنب الأنشطة التي تسبب انخفاضاً في ضغط الدم بشكل شديد، كالجلوس في حوض استحمام ساخن؛ لأنها يمكن أن تؤدي إلى الإغماء، وفي بعض الأحيان الوفاة، وكذلك يجب تجنب أي نشاط يسبب إجهاداً كحمل شيء ثقيل.