الالتهاب هو استجابة حيوية لجهاز المناعة والتي تحدث عند تعرض أنسجة الجسم للصدمات، للمواد السامة، للحرارة، أو الإشعاع، أو عند إصابتها بأحد الكائنات الممرضة كالبكتيريا، الفطريات، أو الفيروسات.
يعد الالتهاب آلية دفاع مهمة للحفاظ على صحة الجسم، والذي يعمل على التخلص من مسببات الضرر وبدء عملية ترميم الأنسجة للحصول على الشفاء التام واستعادة توازن الأنسجة من جديد.
ما هو الالتهاب
كما ذكرنا سابقاً، الالتهاب هو رد فعل الجسم لمؤثر ما، تتضمن هذه الاستجابة العديد من العمليات الخلوية والجزيئية، حيث تقوم الخلايا المتضررة بإفراز بعض المواد الكيميائية كالهيستامين، والبراديكاينين، والبروستاجلاندينات والتي بدورها تعمل على زيادة نفاذية الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى تسرب السوائل من الأوعية الدموية باتجاه الأنسجة وبالتالي يؤدي إلى عزل هذا المسبب عن أجزاء الجسم الأخرى.
كما تقوم هذه المواد الكيميائية بجذب خلايا الدم البيضاء (إحدى أنواع الخلايا الرئيسية المكونة للدم) إلى المنطقة المصابة وتنشيط عملها، حيث تقوم خلايا الدم البيضاء المُنشطة بإفراز العديد من البروتينات صغيرة الحجم (5-20 كيلودالتون) والتي تدعى بالسيتوكينات.
كما يتم التخلص من الأجسام الغريبة والخلايا المتضررة أو الميتة المتواجدة في المنطقة المصابة عن طريق أحد أنواع خلايا الدم البيضاء، والتي تدعى الخلايا البلعمية والتي تقوم بدورها هذا من خلال عملية تسمى بالبلعمة.
انواع الالتهاب
يتم تصنيف الالتهابات بناء على مدة الإصابة إلى نوعين وهما:
- الالتهاب الحاد
وهو الذي يستمر لمدة قصيرة لا تتجاوز البضعة أيام. حيث يبدأ الالتهاب بشكل سريع وتصبح الأعراض شديدة خلال فترة قصيرة من الزمن.
- الالتهاب المزمن
وهو الذي يستمر لعدة أسابيع، أشهر أو أكثر ويتميز ببطء ظهور الأعراض على المريض. يختلف مدى الالتهاب المزمن و آثاره بناءً على سبب الإصابة به وقدرة الجسم على إصلاح الأضرار الناجمة عنه والتغلب عليها.
يحدث هذا النوع من الالتهابات عند الإصابة بالالتهاب الحاد بشكل متكرر وغير منتظم وذلك لعدة أسباب ك:
- عدم معالجة مسبب الالتهاب الحاد.
- الإصابة بأحد أمراض المناعة الذاتية.
- التعرض للمواد المهيجة (كالمواد الكيميائية أو الهواء الملوث) لفترات زمن طويلة.
اقرأ أيضاً: تعرف على التهاب القولون التقرحي
اعراض الالتهاب
هنالك العديد من الأعراض التي تظهر على المريض عند إصابته بالالتهاب حيث تختلف هذه الأعراض بناء على نوع الالتهاب المصاب به. فعند الإصابة بالالتهاب الحاد تظهر عادة الأعراض التالية:
- انتفاخ و احمرار في المنطقة المصابة.
- ألم في المنطقة المصابة.
- دفء المنطقة المصابة.
- فقدان وظيفة النسيج أو العضو المصاب.
والجدير بالذكر أن هذه الأعراض تظهر معاً فقط عند حدوث الالتهاب في طبقات الجلد أما عند حدوث الالتهاب في الأعضاء الداخلية فقد تظهر بعض هذه الأعراض وليس جميعها، فمثلاً عند الإصابة ببعض أنواع التهابات الرئة قد لا يشعر المريض بألم في المنطقة المصابة وذلك بسبب عدم وجود النهايات العصبية الحسية في تلك المنطقة المصابة.
أما عند إصابة المريض بالالتهاب المزمن فقد تظهر العديد من الأعراض المختلفة عليه ك:
- ظهور أعراض تشبه أعراض الإصابة بالإنفلونزا كالحمى، والقشعريرة، والتعب أو الإرهاق، وفقدان الشهية، وتصلب العضلات، وآلام المفاصل.
- تقرحات في الفم.
- ألم في منطقة الصدر.
- ألم في منطقة البطن.
- طفح جلدي.
- الأرق.
- الاكتئاب، والقلق واضطرابات المزاج.
- الإصابة بالعدوى بشكل متكرر.
اقرأ أيضاً: هل يساعد خل التفاح في علاج التهاب المفاصل؟
الالتهاب والامراض المزمنة
بالرغم من أهمية الالتهاب كجزء لا يتجزأ عن الجهاز المناعي وآليات الدفاع عن الجسم الأخرى، إلا أنه ومنذ فترة طويلة من الزمن تم اعتباره أحد العوامل الرئيسية المسببة للعديد من الأمراض. حيث أفادت عدة دراسات أن ما يقارب ال 15% من السرطانات التي تصيب الإنسان مرتبطة بالالتهابات المزمنة.
وقد لوحظ أن هذه العملية الحيوية قد تسبب تلف العديد من الأنسجة المكونة لمختلف أعضاء الجسم كالقلب، والبنكرياس، والكبد، والكلى، والرئتين، والدماغ، والجهاز الهضمي، والجهاز التناسلي مما قد يمهد الطريق لإصابة هذه الأعضاء بالأمراض.
ومن هذه الأمراض:
امراض القلب والأوعية الدموية
أظهرت العديد من الدراسات السريرية أن هنالك علاقة قوية وثابتة بين البروتين سي التفاعلي عالي الحساسية (أحد البروتينات التي يتم إفرازها استجابةً للالتهاب) والتنبو بحدوث أمراض القلب والأوعية الدموية. كما يعد تصلب الشرايين حالة تمهيدية لحدوث الالتهاب والذي يؤدي إلى حدوث العديد من أمراض القلب والأوعية الدموية كالنوبات القلبية والسكتة الدماغية.
السكري
قد تتسرب الخلايا المناعية إلى أنسجة البنكرياس وتقوم بإفراز العديد من الجزئيات التي تحفز حدوث الالتهاب في هذه الأنسجة. كما لوحظ ارتفاع مستوى العديد من البروتينات التي يتم افرازها استجابة للالتهاب في الدم لدى المرضى المصابين بالسكري النوع الثاني، كبروتين سي التفاعلي، والفبرونوجين، وبروتين مثبط منشط البلازمينوجين وغيرها من البروتينات. إضافة إلى ارتفاع مستوى حمض السياليك والسيتوكينات في الدم لدى هؤلاء المرضى.
كما أن ارتفاع مستوى البروتين سي التفاعلي والسيتوكينات في الدم قد ينبئ بحدوث الإصابة بالسكري النوع الثاني.
التهاب المفاصل الريماتويدي
هنالك الكثير من الاعتقادات أن مرض التهاب المفاصل الريماتويدي يسببه الإصابة بأحد الكائنات الممرضة أو التعرض لعوامل البيئة المختلفة كدخان السجائر، والذي بدوره يؤدي إلى تحفيز حدوث استجابة التهابية موضعية في منطقة المفاصل، وتسرب خلايا المناعة إلى هذه المنطقة وإفراز السيتوكينات.
اقرأ أيضاً: نصائح غذائية لمرضى التهاب المفاصل الروماتويدي
أمراض الدماغ
قد يؤدي حدوث الالتهاب في أنسجة الدماغ إلى زيادة إهتياجية الخلايا العصبية، والحاق الضرر بالخلايا العصبية، وزيادة نفاذية الحاجز الدموي الدماغي للعديد من الجزئيات والمركبات. فقد لوحظ أن الالتهاب قد يحدث أيضاً في أنسجة الدماغ لدى المرضى المصابين بأمراض الجهاز العصبي المركزي ومنها مرض الزهايمر ومرض الباركنسون.
ينتج هذا الالتهاب بسبب تنشيط خلايا المناعة والخلايا الدبقية الصغيرة المقيمة في الدماغ، والتي تقوم بإفراز العديد من البروتينات التي تمهد وتحفز حدوث الالتهاب.
أمراض الجهاز التنفسي
قد يؤدي الالتهاب الحاد المفرط إلى حدوث التليف الرئوي، وكثيراً ما لوحظ مرافقة وجود الالتهاب المزمن في أنسجة الرئة بشكل متكرر لدى المرضى الذين يعانون من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة، والتليف الكيسي وداء الانسداد الرئوي المزمن.
حيث أثبت الدراسات ما يقرب من 90 ٪ من حالات داء الانسداد الرئوي المزمن مرتبطة بالتهاب الشعب الهوائية الصغيرة أو النسيج الحشوي للرئة الذي ينجم عن تدخين السجائر. حيث على المدى الطويل يمكن أن يسبب التدخين زيادة تسرب البلاعم، والعدلات، والخلايا اللمفاوية التائية المنشطة إلى الشعب الهوائية، وتحفيز إنتاج البروتياز، والجذور الحرة وإفراز السيتوكينات في الرئة.
اقرأ أيضاً: التهاب القصبات الهوائية: أسبابه وعلاجه
كم يستمر التصلب اللويحي؟ فقد تم تشخيصي بالمرض مؤخرًا، وهل يمكن الشفاء منه بشكل تام؟
الوقاية وتثقيف المريض عن الالتهابات
هنالك العديد من الطرق والأساليب الفعالة التي قد تقلل من فرصة الإصابة بالالتهابات المزمنة ومنها:
- تجنب تناول السكريات البسيطة (الأحادية)، والكربوهيدرات المكررة، والدهون غير المشبعة والزيوت المهدرجة.
- الحرص على تناول الحبوب الكاملة، الأطعمة الطبيعية والإكثار من تناول الخضراوات والفواكه والأسماك الدهنية.
- التقليل من تناول المضادات الحيوية ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية ومضادات الحموضة، حيث قد تسبب هذه الأدوية الضرر لميكروبيوم الأمعاء (البكتيريا الطبيعية التي تعيش في الأمعاء) وإحداث التهاب في جدران الأمعاء يعرف بإسم متلازمة الأمعاء المتسربة، والذي بدوره يؤدي إلى إفراز العديد من المواد السامة التي تحفز حدوث الالتهاب المزمن في جميع أرجاء الجسم.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام للحفاظ على الوزن الأمثل، حيث من المعروف أن الأنسجة الدهنية المتواجدة في جسم المرضى الذين يعانون من السمنة المفرطة أو زيادة الوزن تسبب الالتهابات الجهازية، كما أن القيام بالتمارين الرياضية يساعد على التقليل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وتقوية القلب، والعضلات، والعظام.
- النوم لفترة أطول، حيث يساعد النوم خلال فترات الليل لفترة لا تقل عن 7-8 ساعات على تحفيز هرمونات النمو وهرمون التستوستيرون في جسم الإنسان من أجل إعادة بنائه.
- التقليل من إجهاد الجسم، حيث يرتبط الإجهاد النفسي المزمن بزيادة خطر الإكتئاب، وأمراض القلب، وفقدان الجسم قدرته على تنظيم الاستجابة الالتهابية. تعتبر رياضة اليوغا والتأمل إحدى الوسائل التي تساعد على التخفيف من الالتهاب الناجم عن الإجهاد و تأثيراته الضارة على الجسم.