من أكثر العلاقات الإنسانية اضطراباً هي العلاقات العاطفية وخاصة التي خضعت لمرور زمني، فهناك أشياء لا يمكن معرفتها عن الذات إلا من خلال خوض تجربة عاطفية تتضح فيها أموراً لا يدركها الإنسان عن نفسه، وتطفو أموراً أخرى على السطح لم تكن يوماً بالحسبان.

قد يبذل كل طرف من أطراف العلاقة جهده لتسيير العلاقة والنهوض بها من بعد الوقوع بمطبات كثيرة، إلا أنه قد تصل الأمور في بعض الأحيان إلى طريق مسدود، يستدعي كلا الطرفين إلى اللجوء إلى المعالجة الزوجية أو الاستشارة الزوجية تحت يدي أحد المختصين، أملاً منهما أن ينظر في علاقتهما وأن يمد لهما يد العون والمساعدة لحل المشكلة وتجنب المزيد من الاضطرابات.

سنتعرف على مفهوم العلاج الزوجي، والحالات التي يمكن أن تستفيد منه، ومسار العلاج والتقنيات المستخدمة، وبعض أشكال العلاج الزوجي.

ما هو العلاج الزوجي؟

يعد العلاج الزوجي (بالإنجليزية:Couple Therapy) نوعاً من أنواع المعالجة النفسية، حيث يقوم المعالج بمساعدة الشخصين اللذين تربطهما علاقة عاطفية على اكتساب نظرة أعمق إلى علاقتهما لحل النزاع، والوصول إلى الرضا، وتحسين العلاقة من خلال مجموعة متنوعة من التقنيات العلاجية. يشمل العلاج الزوجي الاستشارة الزوجية (بالإنجليزية: Couple Counseling).

في معظم الأحيان، يكون المعالج لديه خبرة سريرية في التعامل مع الأزواج، وحاصلاً على ترخيص أو شهادة مزاولة في العلاج الزوجي والعلاج الأسري.

يختلف أسلوب كل معالج زوجي تبعاً لاختلاف الخلفية والتوجه النظري الذي يستند إليه في حل المشكلة، إلا أن جميع المعالجين يسعون إلى التدقيق في بعض الخطوط العريضة، وتشمل:

  • المشكلة الرئيسية، والتي قد تكون متعلقة بأمور مثل: الصعوبات الجنسية، وإدمان الإنترنت، أو الغيرة.
  • تركيز المعالج على علاج العلاقة بحد ذاتها، بدلاً من علاج كل فرد على حدى؛ فمن خلال العلاقة، يستطيع الفرد الوصول إلى خبايا نفسه التي ساهمت في المشكلة.
  • التدخل العلاجي المبكر الذي من شأنه التركيز على الحلول.
  • تحديد أهداف العلاج بوضوح.

لا بد من التنويه إلى أن العلاج الزوجي مفهوم عام يشمل الأطراف الذين يرتبطون بعلاقة عاطفية بغض النظر عن مسمى العلاقة، سواء كانت علاقة حب، أو خطوبة، أو زواج.

ويشمل العلاج الزوجي أنواعاً أخرى من العلاقات، مثل:

  • العلاقات بين الأعراق المختلفة.
  • علاقة الشباب في سن المراهقة أو العلاقات الجامعية.
  • العلاقات ذات الفجوة العمرية الكبيرة (وجود فرق في العمر بين الطرفين). 

ما هي الحالات التي يمكنها الاستفادة من العلاج الزوجي؟

لا يقتصر الهدف من العلاج الزوجي على حل المشاكل للنهوض والاستمرار في العلاقة، وإنما قد يكون الحل أحياناً هو الانفصال؛ حيث يلجأ الطرفين إلى المعالج لتحقيق هذا الغرض ليتم بسلام بدون التأثير على باقي أفراد الأسرة.

تتراوح المشاكل التي يمكن للعلاج الزوجي التعامل معها بين البسيطة مثل مشاكل التواصل وصولاً إلى مشاكل الإدمان والأمراض النفسية التي من الممكن أن تكون المسبب للمشكلة.

من الأمثلة على الحالات التي يمكن أن تستفيد من العلاج الزوجي:

تقييم العلاقات قبل خوض تجربة الزواج

ويتضمن هذا الجانب تقييم توقعات كل طرف عن العلاقة الزوجية، وكذلك الصراعات التي تؤثر سلباً على العلاقة، والتي قد ينجم عنها زواجاً غير ناجحاً. قد لا يعي البعض إلى أهمية هذ الأمر وخاصة إذا كان الطرفان يعتقدان بأن أمورهم الخلافية بسيطة ويمكن تجاوزها بعد الزواج.

قد يتجنب طرفي العلاقة اللجوء إلى الاستشارة الزوجية خوفاً من فقدان الاستمرار في العلاقة، وأحياناً تؤدي المخاوف إلى الهروب من البحث عن حلول خشية مواجهة الحقائق.

العلاقات التي مر عليها فترة زمنية طويلة

قد يشعر الزوجين بعد مرور وقت طويل على الزواج مثل زواج دام ل 25 عاماً إلى الحاجة إلى استعادة الإثارة والرومانسية إلى علاقتهم. إن مرور العلاقة بفترة زمنية طويلة يساهم في بعض الأحيان في فقد الشغف والحماس تجاه الطرف الآخر وتجاه العلاقة الزوجية نفسها.

تساهم المعالجة والاستشارة الزوجية بطرح تقنيات ووسائل لتحسين هذا الجانب وتجنب المزيد من الاضطراب.

العلاقات الزوجية التي تمر بفترة من التحول أو التوتر

من شأن العلاج الزوجي تقديم الدعم في حال التحولات الجذرية التي تمر بها الأسرة والتي تشكل الضغط والمزيد من التوتر النفسي. من الأمثلة على هذه التغيرات ولادة طفل حديثاً، أو المرور بمشاكل مادية مثل فقدان الوظيفة، أو تغيير مكان الإقامة والبيئة المحيطة.

الخرس الزوجي

هو مصطلح يستخدمه البعض للتعبير عن مشكلة الصمت بين الزوجين، ويعرف أيضاً بالخرس الأسري.

لا يعتبر الصمت بحد ذاته مشكلة إذا كان طبيعياً في إطار العلاقة، إلا أن هذا الأمر يتحول إلى مشكلة إذا كان يلجأ إليه أحد الأطراف تجنباً لحدوث مشكلة، ظناً أن تجنب الصراعات يبقي العلاقة في أمان.

العقم عند أحد الزوجين أو كليهما

يمر معظم الناس بسلسلة من المشاعر المضطربة بعد تشخيص إصابتهم بالعقم. مشاعر يسودها الغضب والحزن وكذلك مشاعر الفقد. تنتج هذه المشاعر من خيبة الأمل التي يتعرض لها الزوجين خاصة إذا كان هذا الأمر قد خالف توقعاتهم المسبقة حول الإنجاب، والشكل الذي ستكون عليه العائلة.

قد يزداد الأمر سوءاً إذا كان أحد أطراف العلاقة يعاني من العقم، حيث تختلط مشاعر الحزن لديه بالشعور بالذنب، ولوم النفس، والخوف من فقدان الشريك. كما قد يلجأ الزوجين إلى العزلة لتجنب الحوارات الاجتماعية التي تطرح الأسئلة حول هذا الجانب.

يوفر العلاج الزوجي في حالة العقم أرضية آمنة لكلا الزوجين لإدراك المشكلة بصورة محايدة، وللتعبير عن كافة العواطف التي رافقت هذه الأزمة. قد لا يساهم العلاج الزوجي بعلاج العقم بحد ذاته ولكنه يمكن الأزواج من تطوير أساليبهم للبحث عن الحلول للمشكلة وكذلك البحث عن خيارات وبدائل.

الخلافات المادية

قد تكون الأمور المادية أحد أسباب الخلاف بين الزوجين، ومن الأمور المادية التي قد يختلف عليها الزوجين:

  • اختلاف طريقة التفكير حول المال فقد يمتلك أحد الأزواج عقلية المستثمر بينما يرى الطرف الآخر أن هذه العقلية محفوفة بالمخاطر.
  • إخفاء المصاريف عن بعضهم البعض.
  • إخفاء الديون المتراكمة عن بعضهم البعض.
  • فرق الدخل بين الزوجين، خاصة إذا اضطر أحد الزوجين إلى الجلوس مع الأطفال في المنزل بدوام كامل لرعاية الأطفال مع تجاهل الطرف الآخر إلى أن هذه المهمة تكون مدفوعة إذا قام بها شخص آخر غير الأبوين.
  • تقديم مساعدة العائلة الممتدة الخاصة بأحد الأزواج على أسرته النواة.

قد تكون الخلافات المذكورة أعلاه من أكثر الأمور حساسية، ولكن يساهم العلاج الزوجي في مساعدة الزوجين على إيجاد حلول لها، عن طريق تسليط الضوء على الحواجز التي تعيق الحوار المفتوح والمصارحة بين الزوجين، والوقوف على أسباب تجاهل جهود كل طرف للآخر.

المشاكل الجنسية

تشكل مشاكل تواصل الأزواج جسدياً أحد الأمور التي تتطلب اللجوء إلى المعالجة الزوجية في حال عجز الزوجين عن إيجاد حلول.

قد يكون هناك تراجعاً طبيعياً في العلاقة الجنسية خلال السنوات القليلة الأولى من الزواج، خاصة في فترة إنجاب الأطفال، ولكن التوقف عن هذه العلاقة غالباً ما يشير إلى مشكلة زوجية تحتاج إلى علاج.

لا بد من التنويه إلى أنه لا يوجد نمط صحيح أو خاطئ يتعلق بالممارسة الجنسية من حيث عدد المرات. إن تحديد المشكلة في هذا الجانب يعتمد على شعور الطرفين أو أحدهم بوجود مشكلة.

من أهم الأسباب التي تؤدي إلى التوقف عن الممارسة الجنسية:

تساهم المعالجة الزوجية بتحديد سبب عدم التواصل الجسدي بين الأزواج، وبناء عليها يتم وضع الأهداف والخطط العلاجية.

الخيانة الزوجية

يهدف العلاج الزوجي في موضوع الخيانة الزوجية إلى الوقوف على الأسباب التي أدت إلى الخيانة الزوجية، والتعامل معها، ومن الأسباب التي يمكن أن تجعل أحد الأزواج يخون الآخر:

  • فقدان الألفة والحميمية في العلاقة، والشعور بعدم الإشباع.
  • تدني احترام النفس.
  • فعل الخيانة المتعمد بهدف إنهاء العلاقة الرئيسية (العلاقة الزوجية).
  • الاضطرابات النفسية مثل، الاكتئاب، والشعور العالي بالأنا، وجنون العظمة.
  • إدمان الجنس.
  • الرغبة الشديدة بعلاقة أخرى مع الشعور بالحاجة للاحتفظ بالعلاقة الزوجية لاعتبارات كثيرة.

لا بد من التنويه إلى أن الخيانة في معظم الأحيان فعل ليس له علاقة بالشريك. ولا يعني بأن الطرف الآخر يعاني من مشكلة أو ذنب، وإنما يقف خلف الخيانة العديد من الأسباب المتعلقة بمن مارس فعل الخيانة.

يهدف العلاج الزوجي أيضاً إلى التدقيق في الحالة الشعورية للطرف الذي تعرض للخيانة سواء كانت مشاعر دمار، ووحدة، وحزن، وارتباك.

الطلاق العاطفي

الطلاق العاطفي (بالإنجليزية: Emotional Divorce) ويطلق عليه أيضاً الطلاق الصامت، وهو آلية نفسية يستخدمها بعض الأزواج عندما يشعرون أن الزواج أصبح تهديداً لحياتهم ورفاههم. بمعنى آخر، هو فصل النفس عاطفياً عن العلاقة الزوجية.
قد يحدث الطلاق العاطفي عند البعض قبل الطلاق الفعلي. وقد يحدث عند البعض الآخر بعد وقوع حدث الطلاق. ولكن قد يستمر بعض الأزواج بحالة الطلاق العاطفي لسنوات طويلة لحين إدراك أنه لا يوجد حل سوى الطلاق الفعلي.
يساعد العلاج الزوجي الأزواج على فهم هذه الحالة ومساعدتهم على اتخاذ القرار المناسب. 

اقرأ أيضأً: المشاكل الزوجية

ماذا يفعل المختص بالعلاج الزوجي؟

يبدأ عادة المعالج ببعض الأسئلة المعيارية التي يسألها لجميع الأزواج والتي تتعلق بتاريخ العلاقة، وعن عائلة وأصول كل شريك، وكذلك الخلفية الثقافية لكل منهما.

ثم يعمل المعالج على التدقيق في التفاصيل الخاصة لكل علاقة ويشمل ذلك:

  1. تقييم وتحديد المشكلة التي ستكون محور العلاج، وتحديد أهداف العلاج، ووضع خطة علاجية.
  2. خلال رحلة العلاج، يساعد المعالج الزوجين على اكتساب نظرة عميقة إلى الحواجز والعوائق التي تمنع حل المشكلة، كما يساعد الشريكين على فهم دور كل منهما في الحد من التفاعل بشكل جيد لحل المشكلة، مما يساعدهم على إدراك العلاقة بشكل مختلف.
  3. مساعدة الأزواج على تغيير السلوكيات وطرق التفاعل مع بعضهم البعض من خلال تقنيات يمكنهم ممارستها في المنزل لتعزيز هذا الجانب. 

بعض تقنيات العلاج الزوجي

من الأمثلة على التقنيات التي يشجع العلاج الزوجي على اتباعها:

  • كسر الجمود في العلاقة: من خلال تشجيع الطرفين على توجيه الأسئلة لبعضهم البعض والتي تكون بعيدة عن موضوع العلاقة، وترتبط بالأمور التي يحبها الطرف الآخر وتزيد من معرفة ميوله ورغباته، مثل السؤال عن ذكريات الطفولة.
  • المشاركة والاستماع للموسيقى سوياً: لما لها من أثر في تقليل التوتر النفسي للطرفين، وتساعد كل طرف على فهم الآخر من خلال الموسيقى التي يفضلها.
  • مشاركة الكتب: إن تبادل الكتب بين طرفي العلاقة يساعد في تعزيز التواصل، وربما قد يساهم في إيصال وجهة نظر كل طرف حول ما يرغبه من الطرف الآخر.

العلاج الزوجي عبر الانترنت

يلجأ البعض إلى العلاج الزوجي عبر الإنترنت لأسباب كثيرة، منها:

  • قد يشعر الزوجين بالارتياح والقدرة على التعبير عن مشكلتهم بشكل أفضل من خلال الانترنت دون الشعور بالحرج.
  • وجود خيارات متنوعة لاختيار المعالج الزوجي الذي يعتقدون أنه مناسب لهم من حيث الخبرة، والكفاءة، والتكلفة دون القلق بشأن مكان هذا المعالج والبلد التي يقطنها.
  • العلاج الزوجي عبر الانترنت خياراً مناسباً لظروف الأزواج إذا كان أحدهم كثير السفر أو يعتني بأطفاله.

بالرغم من التسهيلات التي يمكن الحصول عليها من العلاج الزوجي بهذه الطريقة إلا أن هنالك مواقف لا يمكن أن تساعد فيها استشارات الزواج عبر الإنترنت. مثل، العلاقات التي ينتج عنها أذىً جسدياً. 

كيف احلل شخصيتي ودي اعرف شخصيتي حقيقه