تظل مقولة الإمام الشافعي "ما حك جلدك مثل ظفرك" في الأذهان خير دليل علي أن يقوم المرء بكل أموره بنفسه، غير أننا سنمنح الركبة استثناءاً وسنجنبها الاحتكاك لما في ذلك من آلام تفوق حد الاحتمال في كثير من الحالات.

احتكاك الركبة من أكثر الآلام التي تهاجم الناس، ومع أن الألم ليس مستمراً على الدوام، إلا أنه يزداد مع الوقت، مع ما يجلبه من معاناة أخرى تصل لتصلب المفصل كله.

إن السبب الأول والرئيسي في احتكاك الركبة، هو تآكل الغضروف الموجود في المفصل بين عظمة الفخذ، وعظمة الساق. ومن الوارد جدا عند حدوث احتكاك الركبة، ينتج تشوهات في عظام المفصل. ومع أن احتكاك الركبة هو الخطر الأول بالنسبة لمفصل الركبة، إلا أن هناك أيضاً، التهاب المفاصل الروماتويدي.

 

أضرار احتكاك الركبة

الغضروف هو النسيج المسئول عن عدم احتكاك العظام ببعضها البعض، والغضروف في منطقة مفصل الركبة من النوع الزلالي محدود الحركة. ولذلك يقوم غضروف الركبة بحماية ثلاثة عظام وهي عظمة الفخذ، وعظمة الساق (القصبة)، وعظمة الرضفة. وبمرور الوقت يمر الغضروف بعدة مراحل 

يبدأ الغضروف في الضعف، وهذه المرحلة طبيعية مع كبر السن خاصة كلما اقتربنا من سن الشيخوخة. يصل الغضروف لمرحلة متقدمة من الضعف تجعله يتراجع.

المرحلة التالية تعتبر مرحلة مناعية بنائية حيث يحاول الغضروف إعادة بناء نفسه من جديد ولكنه لا يستطيع وذلك بسبب كبر حجم الخلايا التالفة مقارنة مع الخلايا التي يبنيها من جديد. إذا غضضنا الطرف عن شكل وبنية الخلايا الجديدة التي غالبا ما تكون ليست مثل خلاياه في مرحلة الطفولة والشباب، ثم مرحلة أخيرة وخطيرة وهي تلف الغضروف.

الغضاريف أنسجة لا تحتوي علي نهايات عصبية، ولذلك فإن الألم الناتج يكون سببه التلف الكامل للغضروف والبدء في تآكل العظام. وكما كانت للغضاريف عدة مراحل في طريقها للوصول للتلف الكامل فإن العظام لا تتآكل فجأة.

تبدأ العظام بعد تلف الغضاريف بمفصل الركبة، في النمو على شكل بروز كنوع من أنواع التعويض عما نتج من تلف الغضروف، وفي محاولة أخري لكي تخفف الحمل على منطقة تلاقي العظام ببعضها. غير أن كل هذه المحاولات تبوء بالفشل بل تؤدي في النهاية لمزيد من احتكاك العظام وتآكلها مع ما يعانيه الفرد من ألم متزايد يصعب عليه احتماله. وفي المجمل فإن هذه البروزات والنتؤات طبيعية مع الوصول لسن الشيخوخة.

مرحلة أخري تصل إليها عظام الركبة وهي مرحلة التصلب، وذلك لما ينشأ عن زيادة الاحتكاك في منطقة المفصل، والتغيرات التي تحدث في الشكل الطبيعي للعظام بعد احتكاكها ببعض. في المراحل المتأخرة يصل الأمر إلى إصابة العظام بالدمامل والتقرحات.

إن احتكاك الركبة لا يقتصر ضرره فقط علي عظام الركبة، لكن يمتد ليشمل باقي الأنسجة الموجودة في هذا المفصل، الأوتار والأربطة تتأثر بدرجة تتوقف على حجم الاحتكاك الناتج من تآكل الغضروف.

أعراض احتكاك الركبة

ألم الركبة

لا تظهر أعراض احتكاك الركبة دائماً، تحتاج الأعراض في كثير من الأحيان لفترات طويلة حتى تبدأ في الظهور، وتزداد قوة إذا لم يبدأ التعامل العلاجي السليم معها مبكراً.

إن أهم أعراض احتكاك الركبة، الشعور بالألم، والذي يعتمد على الحالة التي وصل إليها المريض. تتدرج الآلام بين مستويات ضعيفة إلى مستوى مزمن ودائم من الألم. علي العموم، يزداد الألم توحشاً، كلما كان رد فعل المريض التجاهل أو يكون رداً سيئاً، مثل الإفراط في صعود السلالم أو عند الجلوس مقرفصاً.

التورم

عند تلف الغضروف والبدء في احتكاك الركبة، وكما ذكرنا أن الغضروف في مفصل الركبة من النوع الزلالي، فإن تسرب هذا السائل الزلالي ينتج عنها حدوث تورم بمنطقة الركبة.

بالإضافة إلى آلام الركبة، غالبًا ما يبلغ الأشخاص المصابون بالتهاب مفاصل الركبة عن واحد أو أكثر من الأعراض التالية:

التصلب

عند حدوث احتكاك الركبة، كذلك حدوث تورم كنتيجة لهذا الاحتكاك، فإن النتيجة الطبيعية حدوث تصلب بمفصل الركبة، وفي الغالب يشعر المريض بهذا التصلب في الصباح الباكر، أو الجلوس لفترات طويلة ثم معاودة الحركة.

الاحمرار 

في بعض الحالات يشاهد المريض احمرار الجلد في منطقة مفصل الركبة، كذلك عند جس هذه المنطقة باليد يشعر بارتفاع درجة الحرارة. ويُنصح الأشخاص غير المتأكدين من سبب هذا الاحمرار أو هذه الحرارة الزائدة من الذهاب للطبيب لمعرفة سببها.

الحركة المحدودة

إن مفصل الركبة مثله مثل مفصل الكوع، من المفاصل الزلالية محدودة الحركة بالأساس. ولكن عندما تصير الحركة فيه محدودة جداً كعدم القدرة على ثني الركبة أو عدم فردها كلها، فهذا أمر مختلف ومؤشر لحدوث تآكل الركبة.

سماع صوت احتكاك الركبة

عند ثني الركبة أو محاولة تمديدها، يسمع المريض صوت طقطقة (بالإنجليزية: Crepitus) المفصل، هذا الصوت ينتج لما يحدث من احتكاك بين عظمة الفخذ وعظمة القصبة، وفي الحالات المتقدمة يكون مصحوباً بألم كبير. بينما حدوث صوت الفرقعة فقط دون أي أعراض أخرى يُعتبر أمراً عادياً.

حدوث التواء

يؤدي احتكاك الركبة في بعض الأحيان لحدوث التواء أو قفل للمفصل، ويعتبر هذا الأمر مؤشراً لحدوث مشكلة في الأربطة مصاحبة للاحتكاك.

عدم الحركة

تظهر أعراض التيبس أو التصلب لمريض احتكاك الركبة مع حالة السكون، ودائماً ما تهاجم الآلام الأشخاص عند النهوض من النوم، أو محاولة القيام بعد فترة جلوس طويلة.

إن أعراض احتكاك الركبة عامة، تبدأ بالتدريج، حتى تصل لأقصى وأقسى درجاته مع تقدم الحالة. وفي بعض الأحيان القليلة الحدوث يظهر الألم فجأة، وربما يكون سببه حدوث اصطدام أو سقوط أو أي حالة أخرى، مثل وجود هشاشة بعظام المريض أو نشاط جسدي عنيف. ويستطيع المريض تخفيف الآلام والسيطرة عليها كلما كان اكتشافه للأعراض والعلامات مبكراً. للمزيد: بعض أنواع الرياضة تساعد في حماية عظام الرجل

اعاني من الام شديدة بالجهة اليمنى اسفل الكتف تمتد الى الظهر

أسباب الإصابة باحتكاك الركبة

لا يمكن الجزم بالأسباب الفعلية لمرض احتكاك الركبة، على الرغم من مهاجمتها لما يزيد عن 45% من الأشخاص في مراحل حياتية مختلفة. لكن هناك عوامل كثيرة لها دور فعال في زيادة فرص الإصابة ومنها:

العُمر

مع التقدم في السن يضعف الغضروف بمفصل الركبة، ويصبح أكثر سهولة في التلف. وهنا تبدأ عظام الركبة الثلاث في التآكل. تشير الأبحاث إلى أن 19% من الأشخاص في عمر 45 سنة أو تزيد يعانون من احتكاك الركبة، وكذلك 37% من أولئك الذين تجاوزوا سن الستين، يعانون من احتكاك واضح في الركبة حتى مع عدم ظهور الأعراض في فترات حياتهم السابقة، وتؤكد لهم ذلك الأشعة السينية.

السمنة

إذا كانت هناك نسبة محددة لإصابة كل شخص، فإن نسبة إصابة الأشخاص الذين يعانون من السمنة بمرض احتكاك الركبة تصل إلى الضعف مقارنة بالأشخاص أصحاب القوام الرشيق.

إيذاء المفصل

يؤدي كسر العظام بمنطقة الركبة أو الإصابة الكبير بها أو حتى في بعض الأحيان العمليات الجراحية بها، لتلف المفصل والذي ينتج عنه حدوث احتكاك الركبة.

العامل الوراثي

مثل كثير من الصفات والأمراض التي تتسلمها الأجيال التالية من الأجيال السابقة، احتكاك الركبة في حالات تصل ما بين 40% إلى 65% تكون حالة مرضية وراثية، على الرغم من عدم معرفة تأثير العوامل الوراثية بدقة.

بعض الأمراض الأخرى

تعتبر التهابات المفاصل سبباً مباشراً في الإصابة بمرض احتكاك الركبة، كذلك مرض النقرس واضطرابات التمثيل الغذائي أو الضعف في الأربطة بمنطقة الركبة.

الإجهاد البدني

هناك الكثير من الأشخاص الذين تتطلب حياتهم أو مهنتهم قضاء وقت طويل وقوفاً على أرجلهم، أو رفع اوزان كبيرة. كذلك الرياضيون في الرياضات مثل كرة السلة، أو التنس، أو العدائّين.

إهمال ممارسة الرياضة

في حين أن الإفراط في الضغط على الركبة من قٍبل بعض الرياضيين سبباً مباشراً في إصابة الركبة، بسبب الضغط المستمر علي مفصل الركبة، إلا أن الضغط القليل، يدفع الغضروف لإعادة بناء نفسه وتعافيه. كما أن الحركة المنتظمة وغير المجهدة تجعل السوائل الزلالية تتحرك في المفاصل كلها وبخاصة في مفصل الركبة مما يسهل حركة المفاصل.

العضلات الضعيفة

كلما كانت عضلات الفخذ وعضلات الساق قوية، كلما كان الضغط الواقع علي الأوتار والأربطة قليلاً، وكذلك الحال مع غضروف الركبة مما يحافظ على الغضروف قوياً ويمنع تآكله ومن ثم احتكاك الركبة.

الإناث

يؤكد العلماء أن الإصابة في الأنثي بمرض احتكاك الركبة يزيد بنسبة 40% عن الرجال.

كل العوامل التي تم ذكرها تزيد من إمكانية الإصابة بمرض احتكاك الركبة، غير أنها ليست عوامل مؤكدة بنسبة 100%، ففي كثير من الأحوال يكفي عامل واحد منها لكي يُصاب شخص، بينما هناك أشخاص لديهم أكثر من عامل ولم يعانوا طوال حياتهم من احتكاك الركبة. لكن في النهاية يبقى عامل السن، والسمنة هم من أكثر العوامل الخطيرة التي تسبب احتكاك الركبة.

اقرا ايضاً :

محفزات و معيقات التحام الكسور

تشخيص احتكاك الركبة

من المنتظر في القريب أن يستطيع الأطباء تشخيص مرض احتكاك الركبة عن طريق اختبار معملي لعينات من الدم أو من سوائل غضروف الركبة. 

لكن حتى هذه اللحظة فهناك خمس طرق أساسية تُستخدم لتشخيص الحالة وهي:

الحوار مع المريض

في هذا الحوار، سيكون هدف الطبيب سماع التاريخ العائلي مع احتكاك الركبة، كذلك معرفة ما إذا كان الشعور بالألم مصاحباً لأعراض أخرى أم لا، وهل حدث تصلب في الركبة مع بداية الشعور بالألم.

الفحص

في هذه المرحلة سيلاحظ الطبيب ما التغيرات التي طرأت على ركبة المريض، والعلامات التي ذكرت من تورم أو احمرار، كذلك من المتوقع أن يطلب الطبيب من المريض القيام ببعض الحركات الشائعة، كالجلوس والقيام، ووضع القرفصاء، أو المشي أمامه ومراقبة حركته.

الأشعة السينية

تساعد الأشعة السينية في تسجيل وجود مسافة فاصلة بين عظام الفخذ والساق، على أثر تلف الغضروف الفاصل بينهما. كذلك من الوارد ملاحظة وجود بروزات عظمية نشأت بعد فقدان الغضروف.

لكن في الحقيقة فإن الأشعة السينية قد تُظهر هذه العلامات، لكن المريض لم يعان طوال حياته من أي أعراض، وخاصة الأفراد المتجاوزين سن الخمسين، وفي حالات أخرى يعاني أصحابها من آلام كبيرة بالرغم من أن الأشعة السينية لا تُظهر الكثير مما يؤكد وجود احتكاك الركبة. ولذا فلا يمكن الأخذ فقط بنتائج الأشعة السينية وحدها، والمُضي قدماً في باقي أساليب التشخيص.

الرنين المغناطيسي

يقدم التصوير بالرنين المغناطيسي (بالإنجليزية: MRI) صورة واضحة للأنسجة الداخلية مثل الغضاريف والأوتار والعظام وكذلك العضلات. في أغلب الحالات يلجأ الطبيب للرنين المغناطيسي إذا كان هناك احتمالية أخرى غير احتكاك الركبة.

غير أن التصوير بالرنين المغناطيسي يعد مُكلفاً مادياً، فهو يحتاج لوقت أطول من المريض قد يصل لنصف ساعة ثابتاً دون حركة، وهو الأمر الذي يتعذر على بعض المرضى وخاصة كبار السن.

 

علاج احتكاك الركبة

ترتكز خطة العلاج لمرض احتكاك الركبة على تخفيف حدة الألم أولاً، ثم محاولة عودة الحركة مرة أخرى. وفي سبيل ذلك تتنوع الطرق والأساليب على حسب الحالة ومنها: 

التخلص من السمنة

يؤدي فقدان الوزن في كثير من الحالات إلى تخفيف الضغط الواقع على الركبة وبالتالي تخفيف الآلام الناتجة عن احتكاك الركبة.

ممارسة الرياضة

ممارسة الرياضة عامة أمر صحي للجسم، وفي حالة الرغبة في تجنب آلام الركبة أو علاجها، يفضل ممارسة الرياضة لتقوية عضلات الفخذ والساق لتخفيف الحمل على مفصل الركبة.

 مسكنات الألم ومضادات الالتهاب

هناك العديد من الوصفات الطبية التي لا تحتاج في كثير من الأحيان زيارة الطبيب مثل، اسيتامينوفين، ايبوبروفين، نابروكسين الصوديوم. مع مراعاة عدم الإفراط في استخدامها لفترات طويلة لما لها من آثار جانبية.

حقن الركبة بمركبات دوائية منها الكورتيكوستيرويدات أو حمض الهيالورونيك، ويعمل الأخير كمادة مُليّنة في مفصل الركبة.

العلاجات الموضعية

والتي من ضمنها الكريمات والجيل، أو الوخز بالإبر، كذلك المكملات الغذائية، كعلاجات بديلة عن الأدوية. وتعتبر الدعامات التي توضع لتخفيف الحمل على الركبة باختلاف أنواعها علاجاً موضعياً لمرض احتكاك الركبة.

 العلاج الطبيعي 

يلعب العلاج الطبيعي دوراً كبيراً في المساعدة بالتمارين المختلفة على تقوية العضلات المحيطة بالركبة، كذلك ارتفاع مستوى المرونة في المفصل.

الجراحة

تكون العمليات الجراحية خياراً أخيراً عندما تفشل العلاجات الأخرى في السيطرة علي الألم أو إعادة مفصل الركبة للعمل مرة أخرى.

وفي أغلب الأحيان تعتمد جراحات مفصل الركبة على المناظير، والتي يستخدمها الأطباء لإصلاح تلف الغضروف، وتنظيف السوائل الزلالية أو حتي في حالات قطع وإعادة التحام العظام بهدف تعديل وضعها مرة أخرى.

للمزيد: تطور جراحة المناظير

ويبقى خيار استبدال المفصل اختياراً، نتائجه جيدة برغم ما به من مخاطر.