تشكّل المادة الرمادية الجزء الأكبر من تركيب الجهاز العصبي المركزي (Central Nervous System) بقسميه الرئيسيين: الدماغ (Brain) والحبل الشوكي (Spinal Cord)، وتقوم بمهام عديدة وحساسة تُمكن الإنسان من القيام بوظائفه اليومية بكفاءة. [1]

فما هي المادة الرمادية وأين توجد بالتحديد؟ وكيف يؤثر عملها على حياة الإنسان اليومية؟ ستجد هذه الإجابات وأكثر في المقال الآتي.

المادة الرمادية

المادة الرمادية هي جزء مهم جدًا في الدماغ والحبل الشوكي، وتحتوي بشكل رئيسي على أجسام الخلايا العصبية، ولها الدور الأكبر في إعطاء الإنسان القدرة على ممارسة أنشطته اليومية؛ إذ تلعب دورًا مهمًا في الحركة، والذاكرة، والعواطف.[4][5]

سُمّيت المادة الرمادية بهذا الاسم، لأنها تظهر بلون وردي مائل إلى الرماديّ عند فحصها خارج الجسم، بعد صبغها بصبغات خاصة.[3]

مكونات المادة الرمادية

تتكون المادة الرمادية من أجسام الخلايا العصبية، وكما نعلم فإنّ الخلايا العصبية بحاجة أن تتواصل مع بعضها لتنقل الإشارات العصبية، وحتى يتم ذلك، فإنّ كل خلية تتصل بالأخرى من خلال ما يُسمّى (محاور Axons).[4]
هذه المحاور تُشبه كثيرًا أسلاك الحاسوب، يجب أن تكون مُغطاة بمادة حتى تحميها وتتمكن من نقل الإشارات العصبية، هذه المادة تُسمّى الميالين (Myelin)، ولون الميالين أبيض، وبالتالي:[4]

  • المنطقة التي تحتوي بشكل أساسيّ على محاور الخلايا العصبية، تُسمى المادة البيضاء (White matter)، وهذه المادة يمكن أن تتجدد طالما أنّها متصلة بعصب سليم.
  • المنطقة التي تحتوي على أجسام الخلايا العصبية تُسمى المادة الرمادية، وإذا تلفت الأعصاب، فإنّ هذه المادة لن تتجدد، لذلك يُسبب نقص المادة الرمادية مشكلات وأمراض مختلفة.\

يبدأ تكون المادة الرمادية في مراحل مبكرة من نمو الجنين، وخلال فترة النمو يستمر حجها بالتطور حتى يبلغ الطفل سن الثامنة تقريبًا، بعدها يبدأ حجم المادة الرمادية بالتناقص في مختلف مناطق الدماغ، لكن بالمقابل تستمر كثافتها بالازدياد حتى عمر الـ20 سنة، مما يفسر تطور القدرات العقلية لدى الإنسان. [1][4]

أماكن وجود المادة الرمادية

بشكل عام، توجد المادة الرمادية في الجزء الخارجي من الدماغ والجزء الداخلي من الحبل الشوكي، وتتوزع داخلهما حسب التفصيل الآتي: [1][2]

  • تتوزع المادة الرمادية في الدماغ بالشكل الآتي:
    • المخيخ (Cerebellum)، ويحتوي على الكثافة الأكبر من المادة الرمادية.
    • الطبقة الخارجية من الدماغ المحيطة بالمخ (Cerebrum) والمسماة بقشرة الدماغ (Cortex)، إذ تُغطي المادة الرمادية مُعظمها.
    • المناطق الداخلية من الدماغ المسماة بالنوى (Nuclei).
  • تظهر المادة الرمادية على هيئة بُنية تُشبه القرن تمتد على طول الجزء الداخلي من الحبل الشوكي، وتتوزع بالشكل الآتي:
    • العمود الرمادي الأمامي (The Anterior Grey Column)، وهو مسؤول عن حميع الحركات الإرادية، فيستقبل الأوامر من المادة الرمادية الموجودة في الدماغ، لتسير على طول محاور الخلايا العصبية في المادة البيضاء الواصلة بين الدماغ والحبل الشوكي فيقوم الجسم بتنفيذ أوامر الحركة.
    • العمود الرمادي الخلفي (The Posterior Grey Column)، والذي يكون قريبًا من سطح العمود الفقري، والذي يلعب دورًا مهمًا في استقبال الإشارات الحسية من البيئة المُحيطة، مثل: الحرارة، والبرودة، والألم، ليرسلها عبر المادة البيضاء الواصلة بين المناطق الرمادية في الحبل الشوكي والدماغ.
    • العمود الرمادي الجانبي (The Lateral Grey Column)، والذي يوجد في منتصف المادة الرمادية للحبل الشوكي، ويمتد على جانبي قاعدة العمود الفقري، ويكون مسؤولًا عن الحركات اللاإرادية.

وظيفة المادة الرمادية

تتحكم المادة الرمادية بالعديد من العمليات الأساسية في العقل والجسم، فتنظم حركة الجسم وتستقبل الإشارات الحسية من البيئة المحيطة، ونلخص وظيفة المادة الرمادية فيما يأتي: [5]

  • تنظيم الإدراك والعمليات الذهنية، مثل: التركيز، الذاكرة، واللغة، واتخاذ القرارات، وقد وُجد أن هناك تغيرات في المادة الرمادية عند الأشخاص الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (بالإنجليزية:ADHD or  Attention Deficit Hyperactivity Disorder).
  • تنظيم العواطف، تلعب المادة الرمادية دورًا رئيسيًا في قدرة الإنسان على تنظيم عواطفه، وقد وجد أن انخفاض المادة الرمادية مرتبط بمشكلة عدم أو انخفاض القدرة على تنظيم العواطف.

أسباب نقص المادة الرمادية

تقل كثافة المادة الرمادية في الدماغ بصورة طبيعية نتيجة موت الخلايا العصبية مع تقدم العمر، لكن توجد بعض الأمراض  والمشكلات الصحية التي تقلل أيضًا المادة الرمادية، وفيما يأتي تفصيل ذلك: [3][4]

  • الشيخوخة؛ بسبب شيخوخة القلب والأوعية الدموية، تقل التروية الدموية للأعصاب، كما أنّ التقدم في العمر يرافقه نقص في الأعصاب، ويُمكن أيضًا أن تتراكم فضلات ومواد كيميائية أخرى في الدماغ مع التقدم في السن، مما يحطم الخلايا العصبية، وهذا كله يُسبب ضعفًا تدريجيًا في القدرة على التفكير، والذاكرة، والتحليل، ولكن عادة لا يكون التأثير ملحوظًا كثيرًا ولا يُسبب ألزهايمر.
  • السكتة الدماغية (Stroke) أو نزيف الدماغ (Brain Hemorrhage)؛ اللذان يسببان موت الخلايا العصبية في المادة الرمادية، وبالتالي تقل المادة الرمادية.
  • مرض ألزهايمر (بالإنجليزية:Alzheimer's Disease)؛ ويحدث عندما تتراكم بعض المواد مثل: أميلويد بيتا (Amyloid Beta) وبروتين تاو (Tau) في المادة الرمادية مسببًا انخفاض قدرتها على العمل، ومع استمرار تراكم هذه المواد تتأثر العديد من الوظائف الحركية والإدراكية  وأهمها الذاكرة، فتظهر أعراض الألزهايمر.
  • مرض باركنسون (بالإنجليزية: Parkinson's Disease)؛ والذي يحدث نتيجة تلف الأعصاب في المنطقة الرمادية، مما يسبب انخفاض مستويات الدوبامين (Dopamine)، وهي مادة كيميائية مسؤولة عن التحكم في العضلات، لذلك تظهر الرعشة كأحد أعراض مرض باركنسون الرئيسية.
  • إصابات الدماغ أو الحبل الشوكي الشديدة؛ والتي تؤدي إلى نقص تزويد المادة الرمادية بالأكسجين فتبدأ خلاياها بالموت.
  • مرض التصلب اللويحي المتعدد (بالإنجليزية:Multiple Sclerosis)، الذي يرتبط بتراكم لويحات في المادة الرمادية والمادة البيضاء أيضًا.
  • مرض الفصام (بالإنجليزية: Schizophrenia) قد يرتبط أيضًا باختلال المادة الرمادية.
  • اضطراب الاكتئاب الشديد (بالإنجليزية:Major Depressive Disorder) قد يرتبط بانخفاض حجم المادة الرمادية.

طرق تشخيص الأمراض المتعلقة بالمادة الرمادية

لا يتم في العادة مراقبة حالة المادة الرمادية مع تقدم السن، لكن في حال الاشتباه بالإصابة بأمراض متعلقة بالمادة الرمادية مثل: مرض الباركنسون، أو مرض الألزهايمر، يتم تصوير الدماغ، ومن طرق التصوير الطبية: [5]

  • التصوير بالرنين المغناطيسي (Magnetic Resonance Imaging) واختصارًا MRIs.
  • التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (Functional MRIs).
  • قياس التشكل على أساس فوكسل (Voxel-based Morphometry).
  • التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (Positron emission tomography or PET).

نصائح للحفاظ على المادة الرمادية

إنّ أفضل طريقة للمحافظة على صحة المادة الرمادية هي اتباع نمط حياة صحيّ، يقلل فرصة الإصابة بالمشكلات التي تؤثر على صحة الأعصاب، وأهم هذه النصائح: [4]

  • ممارسة التمارين الرياضية، للمحافظة على تزويد الخلايا العصبية بالدم والأكسجين وتبطىْ موتها.
  • تنشيط العقل باستمرار عن طريق تعلم مهارات جديدة، أو حل الألغاز، أو القراءة، فذلك وإن كان لا يؤدي إلى نمو خلايا عصبية جديدة، لكنه يُنشىء روابط جديدة بين الخلايا العصبية.
  • اتباع حمية البحر المتوسط الغذائية (Mediterranean style diet) التي تركز على تناول الأسماك، والخضراوات والفواكه، والمكسرات، وزيت الزيتون، والتقليل من الملح والدهون الحيوانية، فقد وُجد أن متبعي هذا النظام لديهم نسبة أقل من التدهور المعرفي أو الخرف.
  • الامتناع عن التدخين، لأنّ التدخين يُسبب تراجع القدرات الإدراكية والعقلية.
  • السيطرة على ضغط الدم، وسكر الدم، والوزن، وإبقاء جميعها ضمن المعدلات الطبيعية.
  • الحصول على قدر كافٍ من النوم، إذ إن قلة النوم تزيد مشكلات الذاكرة والتفكير.
  • استشارة الطبيب عند ظهور أي من أعراض الاكتئاب، أو التوتر، أو القلق، فالصحة النفسية تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية.
  • الحفاظ على وجود علاقات اجتماعية صحية ونشطة، فذلك يجعل الصحة الدماغية أفضل.
  • حماية الرأس لتجنب الإصابات المختلفة، نظرًا لأن إصابات الدماغ القوية قد تقتل الخلايا العصبية، فينصح بارتداء حزام الأمان، ومعدات السلامة عند ركوب الدراجات أو ممارسة إحدى الرياضات التي تتطلب ذلك.
  • استشارة الطبيب حول المكملات الغذائية التي قد تدعم صحة المادة الرمادية وتزيد من كفاءة عملها، مثل: جنكوبيلوبا (Ginkgo Biloba).

الفرق بين المادة الرمادية والمادة البيضاء

هذه أهم الفروقات بين المادة الرمادية والمادة البيضاء: [2][3]

الفروقات

المادة الرمادية

المادة البيضاء

أين تقع؟

توجد بشكل رئيسي في الجزء الخارجي من الدماغ، والجزء الداخلي من الحبل الشوكي.

توجد بشكل رئيسي في الجزء الداخلي من الدماغ، والجزء الخارجي من الحبل الشوكي.

مم تتكون؟

تتكون بشكل رئيسي من أجسام الخلايا العصبية أو نوى الخلايا العصبية.

تتكون بشكل رئيسي من محاور الخلايا العصبية المغطاة بالميالين.

ما وظيفتها؟

تحليل المعلومات، والتحكم في الحركة والعواطف والذاكرة.

تربط أجزاء الدماغ ببعضها، لتساعد في التركيز والتعلم والحركة.

نصيحة الطبي

تُشكل المادة الرمادية الجزء الأكبر من تركيب الدماغ والحبل الشوكي، وتؤدي دورًا أساسيا في العديد من العمليات العقلية، والحركة، والعواطف، والذاكرة، ولكن يمكن أن تسبب بعض الأمراض والمشاكل الصحية نقصًا في المادة الرمادية، فإذا أحسست أنت أو أحدًا ممن حولك بأي عرض يتعلق بوظائف الذاكرة، أو العواطف، أو الحركة، استشر طبيبك على الفور.

يُمكنك الآن التواصل مع طبيب من خلال موقع الطبي عبر الرسائل النصية أو المكالمات الصوتية لمزيد من المعلومات أو الاستفسارات.