يصاب كل عام ما يقارب المليون شخص حول العالم بالإسهال الحاد الذي ينتج عنه الالف الوفيات نتيجة أحد أنواع البكتيريا المسماة بـ بكتيريا الإي كولاي. هذه البكتيريا مسؤولة عن تفشي حالات الإسهال وانتقال المرض من حالات فردية إلى حالة صحية مجتمعية. لذلك تكمن أهمية المعرفة بهذا النوع من البكتيريا وطرق الوقاية منها لمكافحة انتشارها.
فبكتيريا القولون أو بكتيريا الإي كولاي (بالإنجليزية: Escherichia coli)، هي إحدى أنواع البكتيريا الموجودة في الجهاز الهضمي للإنسان. معظم أنواع بكتيريا الإي كولاي غير ضارة، ولكن يوجد بعض السلالات التي تسبب المرض للإنسان، مثل سلالة الإي كولاي المنتجة لسم الشيغا، وتعتبر من السلالات التي تسبب المرض الحاد للإنسان. تنتقل الى المريض من خلال الطعام الملوث مثل تناول اللحوم النية أو غير المطبوخة جيداً. كما يمكن أن تنتقل من خلال الحليب الخام غير المبستر والمعقم، ومن خلال الخضراوات الملوثة غير المطبوخة.
سميت هذه السلالة من بكتيريا الإي كولاي بهذا الإسم لانها تنتج نوع من المواد السامة يشبه سم الشيغا الذي تفرزه بكتيريا الشيجيلا المسببة للدسنتاريا (وهو حالة حادة وخطرة من التهاب الأمعاء تتميز بحدوث إسهال شديد مصحوب بالدم، وألم شديد في الأمعاء، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة). كما أنها مسؤولة عن حدوث التهاب القولون النزفي، ومتلازمة انحلال الدم اليوريمي (بالإنجليزية: Hemolytic‐uremic syndrome).
تعيش هذه البكتيريا في درجة حرارة ما بين 7-50 درجة مئوية، وتكون درجة حرارة الجسم 37 درجة مئوية هي الأنسب لها للتكاثر والنمو. ويمكن أن تنمو في الأوساط الحامضة لذلك تستطيع أن تتجاوز حموضة المعدة وتنتقل إلى الأمعاء. يمكن تدمير سلالة الإي كولاي المنتجة لسم الشيغا من خلال طبخ الطعام بشكل جيد لضمان ارتفاع درجة الحرارة في الطعام إلى أكثر من 70 درجة مئوية.
تستحوذ هذه السلالة من الإي كولاي على الإهتمام الأكبر من الرعاية الصحية وذلك لإمكانية تأثيرها على صحة المجتمع مقارنة بالأنواع الأخرى من الإي كولاي التي تصيب غالباً حالات فردية.
أعراض الإصابة
وصول هذه البكتيريا إلى الجسم تحتاج فترة حضانة من 3 إلى 8 أيام حتى تظهر الأعراض، فيشعر المريض ب:
- ألم في البطن.
- إسهال، يمكن أن يتطور في بعض الحالات إلى إسهال مصحوب بالدم.
- ارتفاع درجة الحرارة.
- الاستفراغ.
في معظم الحالات تنتهي الأعراض خلال 10 أيام، ولكن في بعض الحالات وتحديداً في الأطفال يمكن أن تتطور العدوى إلى حالة مهددة لحياة الطفل. ويكون ذلك على شكل متلازمة انحلال الدم اليوريمي التي يعاني فيها المريض من حدوث قصور كلوي حاد، وتكسر في الدم، مع انخفاض في الصفائح الدموية.
يعاني ما يقارب الـ 10% من الحالات من حدوث متلازمة انحلال الدم اليوريمي، 5% منهم يمكن أن تصل سوء الحالة إلى الوفاة. وجزء من المرضى يمكن أن ينتهي بهم الحال بقصور كلوي مزمن. وبذلك تكمن خطورة هذه البكتيريا في المضاعفات التي يسببها.
مصادر البكتيريا وطرق انتقالها
يعتبر الحافظ أو المخزن الأساسي لبكتيريا الإي كولاي المسبب للإسهال الدموي هو الماشية. حيث يظهر أن الخراف، والماعز، إضافة إلى الأحصنة، والأرانب، والكلاب، والدجاج جميعها يمكن أن تحمل العدوى. وبذلك يمكن أن تصل هذه البكتيريا إلى الإنسان إما عن طريق تناول الأطعمة الملوثة بروث هذه الحيوانات أو استهلاك اللحوم والحليب دون طبخها بشكل جيد، ويجب غلي الحليب وبسترته لضمان القضاء على وجود هذه البكتيريا، خصوصاً وأنه يتم تدميرها فوق حرارة 70 مئوية.
أو يمكن أن تنتقل نتيجة تلوث الأغذية النظيفة ببقايا اللحوم الموجودة على السطح مسبقاً. لذلك ينصح بفصل الأسطحة المخصصة للحوم وتعقيمها بشكل جيد. أيضاً تنتقل للإنسان من خلال تناول الخضراوات الملوثة بالبكتيريا مثل سطات الخس، والملفوف وغيرها. التي يحتاج غسلُها إلى عناية للتأكد من التخلص من وجود أي ملوثات عالقة بها.
للمزيد: أهمية غسل الخضار والفواكه
كما تنتقل البكتيريا من شخص إلى آخر عن طريق تلوث الأيدي بعد استخدام الحمام، حيث يمكن أن يكون الشخص حامل فقط للعدوى ولا تظهر عليه أي أعراض ويقوم بنقل العدوى للآخرين من خلال عدم المحافظة على النظافة الشخصية وغسل اليدين جيداً بعد استخدام الحمام. ويمكن أن يفرز الشخص العدوى في البراز لمدة أسبوع، وتكون الفترة أطول قليلاً بالنسبة للأطفال.
زيارة المزارع وأماكن تواجد الماشية يعتبر تعرض مباشر للعدوى في حال كانت موجودة في الماشية، ويجب الانتباه لمراعاة أسس الحفاظ على النظافة عند التواجد في تلك الأماكن.
المصادر العديدة لانتقال بكتيريا القولون الأي كولاي المسببة للإسهال الدموي تجعل إمكانية انتشارها، وتفشيها في المجتمع أمراً يسيراً.
منع انتشار العدوى
بداية عند وجود أعراض الإصابة ببكتيريا القولون المسببة للإسهال الدموي، وهي ألم حاد في البطن مع إسهال مصحوب بدم يجب التوجه إلى المشفى للحصول على الرعاية الصحية اللازمة، وعدم الاعتماد على أخذ مضاد حيوي لأن ذلك يمكن أن يزيد خطر حدوث مضاعفات ويجب أن يتم العلاج تحت إشراف الطبيب.
أما الوقاية من انتشار أو الإصابة ببكتيريا القولون فذلك يحتاج إلى منظومة متكاملة من العناية طوال سلسلة الطعام. أي منذ مرحلة الإنتاج الزراعي إلى معالجتها، وتصنيعها وحتى وصولها إلى الاستهلاك الفردي. وذلك يحتاج إلى الوعي أهمية اتباع قواعد النظافة من قبل العاملين في المزارع والمصانع، والأشخاص الذين يعملون في تحضير الطعام للحفاظ على الانتشار الميكروبي عند الحد الأدنى وعدم الوصول إلى مرحلة الانتشار والحاجة إلى العلاج.
حيث توفر منظمة الصحة العالمية "خمسة مفاتيح لزراعة الفواكه والخضروات الأكثر أمانًا" للعمال، والمزارعين، مع الممارسات الرئيسية لمنع التلوث الميكروبي للمنتجات الطازجة أثناء الزراعة، والنمو للمزروعات، والحصاد، والتخزين . وهذه المفاتيح هي:
- ممارسة النظافة الشخصية بشكل جيد.
- حماية الحقول من التلوث ببراز الحيوانات.
- استخدام النفايات البرازية المعالجة، حيث تستخدم كسماد للتربة للحرص على عدم نقل التلوث ونشره.
- فحص وتقييم مياه الري بشكل دوري.
- الحفاظ على معدات التخزين والحصاد نظيفة وجافة بعيداً عن أماكن تواجد الحيوانات وبرازها.
الوقاية من العدوى داخل المنزل
وضعت منظمة الصحة العالمية مجموعة من القواعد لتناول وحفظ الطعام بشكل صحي وآمن. فهذه القواعد تمنع انتقال الممرضات المسببة للعدوى، وتحمي من إنتقال البكتيريا عن طريق الطعام بما فيها بكتيريا الإي كولاي المنتجة لسم الشيغا. وهذه القواعد هي:
- الحفاظ على النظافة، والحرص على غسل الخضار التي تؤكل نية دون طبخ بشكل جيد جداً.
- فصل المواد الخام عن الأغذية المطبوخة، وذلك لأن الأغذية المطبوخة معقمة بشكل جيد ووضع بالقرب منها أغذية خام يمكن أن ينقل إليها عدوى في حال كانت ملوثة.
- طبخ الطعام جيداً، خصوصاً اللحوم، والتأكد من نضجها بشكل كامل حتى المنتصف وليس السطح فقط.
- الحفاظ على الطعام في درجات حرارة آمنة.
- استخدام المياه الصالحة للشرب وتجنب الشرب من البرك ومجاري المياه.
- غسل الأيدي بشكل منتظم بعد استخدام الحمام، وقبل تناول الطعام. والحرص على عمل ذلك بشكل مضاعف عند العناية بطفل صغير، أو شخص كبير في السن.
للمزيد: الطريقة الصحيحة لغسل اليدين
والطريقة الوحيدة الفعالة للقضاء على بكتيريا الإي كولاي المنتجة لسم الشيغا هي تدميرها من خلال تعريضها للحرارة عن طريق الطبخ، والبسترة.