الطعام جزء مهم جدا من حياة البشر، فبدون تناول الطعام لن يظل البشر أحياء، لأنه يمدنا بالطاقة اللازمة للقيام بالنشاطات المختلفة، ويمدنا بالمغذيات الضرورية لبناء الجسم؛ والحفاظ عليه في صحة سليمة، لكن ليس هذا دور الطعام فحسب، فعلى حسب قول علماء علم المورثات الغذائية- وهو علم يهتم بدراسة تأثير الطعام على الجينات- فإن الطعام له القدرة على التأثير على الجينات؛ كما له القدرة على تغييرها. لكن هل هذه هي الحقيقة فعلاً؟
ما علينا سوى النظر إلى خلية النحل للتأكد من ذلك، فالنحل العامل يعيش لمدة أسابيع فقط؛ أما الملكة فتعيش لعدة سنوات محافظةً على خصوبتها. فبالرغم من أنهما يمتلكان نفس الأعضاء الداخلية؛ إلا أن أعمارهم مختلفة. فما السبب وراء ذلك؟
أرجع العلماء السبب إلى اختلاف نوع الغذاء لكل منها، فالملكة تتغذى على غذاء الملكات؛ بينما تتغذي العاملات على حبوب اللقاح والرحيق، حيث وجد العلماء أن غذاء الملكات يحتوى على مغذيات إضافية؛ لها القدرة على التأثير على الجينات؛ مما يعطي الملكة الهيكل التشريحي والوظيفي المختلف عن بقية النحل.
الغذاء الذي نتناوله يحتوي على نوعين من المغذيات، مغذيات كبيرة مثل الكربوهيدرات والدهون والبروتين، ومغذيات صغيرة مثل الفيتامينات والمعادن، هذه المركبات ونواتج تكسيرها تؤثر على الجينات الموجودة في الجينوم الخاص بالكائن الحي، فعلى سبيل المثال فيتامين سي يقوم بحماية الجينات من العوامل المؤكسدة؛ كما يصلح الأضرار الحادثة في الجينات.
للمزيد: فوائد فيتامين سي عديدة: تعرف عليها
لذا فإن أنواع الطعام المختلفة تؤثر على الجينات بطرق مختلفة، حيث أنها تحمل معلومات تفعل العوامل المتحكمة في الجينات؛ وهذا قد يؤثر على الصحة العامة؛ وفرص الإصابة بالأمراض، كما وجد العلماء أن النظام الغذائي للأجداد قد يؤثر على الأحفاد بعد ذلك، عن طريق تأثير هذا الطعام على جيناتهم؛ وانتقال الجينات بعد ذلك للأحفاد.
كيفية تأثير الطعام على الجينات غير معروف حتى الآن، فعلى سبيل المثال تغير نوع الغذاء للأم المرضعة يؤثر على تطور ابنها، لكن كيفية حدوث هذا غير معروف، كما أن الطعام لا يؤثر فقط على الجينات؛ بل يؤثر أيضاً على الكائنات الحية الدقيقة الموجودة داخلنا، حيث وجد العلماء أن تكسير الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة بواسطة بكتيريا المعدة؛ يؤثر على مستوى هرمون السيروتونين في الدم، وهو الهرمون المسئول عن تنظيم المزاج والقلق والاكتئاب.
للمزيد: الوسواس القهري، الاكتئاب، القلق و السيروتونين
بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن إضافة بعض المواد إلى الأطعمة التي نتناولها؛ يؤثر أيضاً على الجينات الخاصة بنا، فعلى سبيل المثال حمض الفوليك مهم جداً بالنسبة للإنسان حيث أنه يمنع بعض العيوب الخلقية، لكن إذا زادت نسبته في الدم- بسبب إضافته للطعام- بدون وجود فيتامين ب 12؛ فإنه قد يؤدي إلى الإصابة بسرطان القولون.
مازال علم الموروثات الغذائية في بداياته، ومازالت أكثر الدراسات المقدمة تم اجراؤها على نماذج حيوية، لكن هذا العلم قدم دليل واضح على تأثير الطعام على الجينات الخاصة بنا، لذا فإن معرفة كيفية حدوث هذا التأثير؛ قد يساعدنا على حماية أنفسنا من بعض الأمراض، كما سيساعدنا على الحفاظ على صحة أطفالنا فيما بعد. لذا فنحن في انتظار المزيد من الدراسات والأبحاث حول علاقة الطعام بالجينات، لتكشف لنا بعض الأسرار الغامضة.