غالبًا ما يوصي الأطباء بتقليل الكربوهيدرات والسكريات باعتبارها الوقود الأساسي للخلايا السرطانية. لكنّ دراسة حديثة قلبت هذا المفهوم رأسًا على عقب؛ إذ اكتشف الباحثون أن بعض أنواع السرطان -ومنها سرطان الثدي ثلاثي السلبية- لا تعتمد على السكر فقط، بل تتغذى بشراهة على الدهون لتنمو وتنتشر.
فهل يمكن لحمية قليلة الدهون أن تجوّع الخلايا السرطانية؟ وماذا عن حمية الكيتو الغنية بالدهون؟ هل هي آمنة لمريضات سرطان الثدي؟ إليكِ الإجابة!
اكتشاف صادم: بعض خلايا سرطان الثدي مدمنة على الدهون!
حذّرت دراسة حديثة أجراها معهد هانتسمان للسرطان – جامعة يوتا من أن بعض أنواع سرطان الثدي — وعلى رأسها السرطان ثلاثي السلبية — قد تنمو بوتيرة أسرع كلما ارتفع مستوى الدهون في الدم، حتى لو لم تكن المريضة تعاني من السمنة أو ارتفاع السكر.
فقد كشف الباحثون أن هذه الخلايا تمتلك قدرة استثنائية على امتصاص الدهون واستخدامها كوقود رئيسي لإنتاج الطاقة، مما يسهّل انقسامها بسرعة أكبر ويساهم في انتشار الورم داخل الجسم. وبحسب نتائج الدراسات فإن ارتفاع الدهون في الدم يكفي لتسريع نمو الورم حتى عند غياب العوامل الأخرى، مثل مقاومة الإنسولين أو ارتفاع السكر في الدم.
اقرأ أيضًا: أطعمة تسبب السرطان احذرها.
لماذا تعتمد بعض أنواع سرطان الثدي على الدهون؟
لطالما ركّزنا على دور السكر في تغذية الخلايا السرطانية؛ باعتباره مصدر الطاقة الرئيسي للخلايا، إلا أنّ الدراسة كشفت عن جانب خفي لم يكن بالحسبان؛ حيث تبين أنّ بعض الأورام تعتمد على الدهون أكثر من اعتمادها على السكر، وارتفاع الدهون في الدم أو الإصابة بالسمنة يوفّران بيئة مثالية تُشجّع الورم على النمو والانتشار بوتيرة أسرع وأكثر عدوانية.
وكشفت نتائج الدراسة أن خلايا سرطان الثدي الثلاثي السلبي تتمتع بقدرة استثنائية على امتصاص الدهون بكفاءة عالية؛ بسبب وجود بروتينات متخصصة على سطحها تسهّل دخول الدهون إلى داخل الخلية. وما إن تدخل، حتى تُحوّلها الخلايا السرطانية إلى طاقة تُستخدم مباشرة في عمليات الانقسام المتكرر التي تسرّع نمو الورم.
ولا يتوقف الأمر عند إنتاج الطاقة فقط؛ إذ تستغل الخلايا السرطانية الدهون أيضًا في بناء طبقات جديدة من غشاء الخلية، مما يسمح لها بإنتاج خلايا جديدة بسرعة تفوق المعدل الطبيعي بكثير. ومع وجود إشارات مستمرة تحفّزها على التكاثر، يصبح الورم أكثر قدرة على النمو والانتشار والهروب من جهاز المناعة.
تجربة: هل ينجح تقليل الدهون في تجويع الخلايا السرطانية؟
أجرت جامعة يوتا سلسلة من التجارب الدقيقة للكشف عن العلاقة بين مستوى الدهون في الدم وسرعة نمو الأورام. في التجربة الأولى، خضعت الفئران لحمية عالية الدهون، وكانت النتيجة حاسمة: كلما ارتفعت كمية الدهون المتناولة، زاد حجم الأورام ونمت بسرعة أكبر.
أما التجربة الثانية فكانت أكثر دقة؛ إذ استخدم الباحثون فئرانًا معدلة وراثيًا لرفع الدهون في الدم فقط، من دون أي زيادة في السكر أو الإنسولين، ومع ذلك تكررت النتيجة ذاتها: الأورام نمت بوتيرة أسرع وأصبحت أكثر عدوانية.
لكن المفاجأة الحقيقية ظهرت عندما قام الفريق البحثي بخفض مستويات الدهون في الدم. فمع أنّ مستويات الإنسولين والجلوكوز ظلت مرتفعة، تراجع نمو الأورام بشكل واضح، وكأن الخلايا السرطانية فقدت قدرتها على التكاثر، وتشير هذه النتائج إلى أن الدهون تعمل كخط إمداد رئيسي يغذي الورم، وما إن يتم قطعه، حتى يتباطأ نمو الورم فورًا.
نظام الكيتو: هل يسرّع نمو سرطان الثدي؟
رغم فوائد حمية الكيتو في إنقاص الوزن الزائد وتنظيم سكر الدم، إلا أن النتائج السابقة تطرح تساؤلًا مهمًا حول سلامتها لمريضات سرطان الثدي؛ لأنها تعتمد على تناول 70–80% من السعرات على شكل دهون، مما قد يُوفر للورم ما يحتاجه تمامًا لينمو وينتشر بشكلٍ أسرع.
فعند الإصابة سرطان الثدي الثلاثي السلبي -المعروف بشراسته وسرعة انتشاره- تعتمد الخلايا السرطانية على الدهون كمصدر رئيسي للطاقة. لذلك قد يتحول أي نظام غذائي غني بالدهون من حمية فعّالة لخسارة الوزن إلى عامل يعزز تكاثر الخلايا السرطانية، خاصة لدى الفئات التالية:
- المصابات بالسمنة؛ لأن الجسم يحتوي أصلًا على مخزون كبير من الدهون المتاحة للورم.
- المريضات اللواتي يعانين من ارتفاع الكوليسترول أو الدهون الثلاثية؛ فالكيتو قد يرفعها أكثر.
- من يخضعن للعلاج الكيماوي أو الهرموني؛ إذ قد تشكل الحميات عالية الدهون عبئًا إضافيًا على الكبد ووظائفه خلال العلاج.
وهذا يعني أن اختيار نوع الحمية يجب أن يتم تحت إشراف طبي، لأن ما يناسب شخصًا سليمًا قد لا يكون آمنًا لمصابات سرطان الثدي.
اقرأ أيضًا: أضرار الكيتو على الصحة.
خطوات تساعد على إبطاء نمو الورم
أوصى الباحثون بإجراء التعديلات الآتية لإبطاء الورم لدى مصابات سرطان الثدي الثلاثي السلبية، خصوصًا من يعانين من السمنة أو ارتفاع الدهون في الدم:
- مراقبة مستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول الضار بانتظام.
- استشارة الطبيب حول استخدام أدوية خفض الدهون، مثل الستاتينات.
- تجنب الحميات عالية الدهون، خصوصًا الكيتو أو الباليو (حمية رجل الكهف).
- الالتزام بنظام غذائي صحي منخفض الدهون يُركز على تناول الخضروات والفواكه ومصادر البروتين الصحية، مثل صدور الدجاج منزوعة الجلد.
- ممارسة الرياضة بانتظام قدر المستطاع؛ لأنها تُحسّن استجابة الجسم للإنسولين وتساعد على خفض الدهون في الدم.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم لا يقل عن 7- 8 ساعات يوميًا.
نصيحة الطبي
تؤكد هذه الدراسة أن خفض الدهون قد يشكّل خطوة فعّالة في تجويع الخلايا السرطانية وإبطاء نمو بعض أورام الثدي. ولم يقتصر هذا التأثير على سرطان الثدي الثلاثي السلبي فحسب، بل يرجّح الباحثون أنه قد يساهم أيضًا في الحدّ من نمو وانتشار سرطان المبيض وسرطان القولون.
وقبل اتباع أي نظام غذائي، احرصي على استشارة طبيبك أو أخصائي التغذية؛ فاختيار الحمية المناسبة يعتمد على حالتك الصحية، ونوع السرطان، ومستويات الدهون في الدم. وتذكّري دائمًا: ما يناسب شخصًا آخر قد لا يكون مناسبًا لك.