ما هو سر الحياة الطويلة التي تتجاوز قرناً من الزمان؟ سؤال لطالما حيّر العلماء وألهم الباحثين. اليوم، يبدو أن العلم قد وجد جزءاً مهماً من الإجابة في قصة ماريا موريرا، المرأة الإسبانية المولودة في أميركا، والتي توفيت في أغسطس 2024 عن عمر يناهز 117 عاماً، بعد أن حملت لقب أكبر معمرة على وجه الأرض.
لم تكن حياة ماريا مجرد رقم، بل كانت كنزاً بيولوجياً دفع فريقاً من الباحثين لنشر دراسة حديثة في مجلة "Cell Reports Medicine"؛ في محاولة لفك لغز طول عمرها الاستثنائي.
قام الباحثون، منهم الدكتور إستيلر، بأخذ عينات من دم ماريا ولعابها وبولها، وقاموا بتحليل جينومها الكامل، ومقارنتها مع 75 امرأة أخرى من نفس المنطقة الجغرافية. وكانت النتائج مذهلة، حيث كشفت عن مزيج من جينات فريدة والتزام صارم بنمط حياة صحي.
جينات فريدة ونمط حياة مثالي
خلصت الدراسة إلى أن طول عمر ماريا قد يرجع إلى سببين رئيسيين بالتساوي: نصفه يعود إلى جيناتها الفريدة، والنصف الآخر يعود إلى أسلوب حياتها.
يقول الدكتور إستيلر: "لقد كانت شخصاً محظوظاً منذ البداية"، فقد امتلكت جينات نادرة حمتها من الأمراض الشائعة المرتبطة بالشيخوخة، لكنها في المقابل عززت هذا التفوق الجيني بأسلوب حياة مثالي:
- لم تدخن قط.
- لم تشرب الكحول أبداً.
- عاشت معظم حياتها في الريف، بعيداً عن تلوث المدن وضغوطاتها.
- مارست التمارين المعتدلة، وكان معظمها المشي لمدة ساعة يومياً.
- اتبعت نظاماً غذائياً متوسطياً صحياً، غنياً بزيت الزيتون.
الزبادي ودوره في صحة الأمعاء
لكن وسط هذا النظام الصحي المتوقع، برزت عادة غذائية لافتة في قصة ماريا، وهو تناولها للزبادي (اللبن الرائب) 3 مرات يومياً.
على مدار العشرين عاماً الأخيرة من حياتها، التزمت ماريا بهذه العادة بشكل مذهل، هذا يعني أكثر من 21 حصة أسبوعياً، وما يقرب من 1,095 حصة سنوياً.
وجد الباحثون أن ميكروبيوم أمعاء ماريا (مجموعة البكتيريا التي تعيش في جهازها الهضمي) كان يشبه إلى حد كبير ميكروبيوم شخص أصغر سناً بعقود، كما كانت أمعاؤها غنية ببكتيريا البيفيدوباكتيريوم (بالإنجليزية: Bifidobacterium)، وهي بكتيريا نافعة ترتبط بتقليل الالتهابات وتحسين الصحة العامة، ومن المثير للاهتمام أن مستويات هذه البكتيريا تميل إلى الانخفاض بشكل حاد مع تقدم العمر، لكنها كانت مرتفعة بشكل غير عادي لدى ماريا.
ويعتقد العلماء أن الزبادي الذي كانت تتناوله، والذي يحتوي على عدة أنواع من البكتيريا النافعة، هو الذي عزّز نمو بكتيريا البيفيدوباكتيريوم الجيدة للصحة، مما منحها جهازاً هضمياً شاباً وقوياً.
أسرار أخرى كشفها الحمض النووي
لم تكن قصة الزبادي هي كل شيء، فقد كشف تحليل جينوم ماريا عن أسرار أخرى:
- جينات نادرة: احتوى حمضها النووي على متغيرات جينية نادرة ومثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، متغيرات في جينات مثل DSCAML1 و MAP4K3 منحتها جهازاً مناعياً قوياً، وحماية ضد الأمراض. كما ارتبطت جينات، مثل LRP1 و LRP2 بصحة قلبية ممتازة، بينما يُعتقد أن جينات أخرى، مثل NSUN5 و TTBK1 ساعدت في الحفاظ على قدراتها المعرفية. والأهم من ذلك، أنها كانت تفتقر إلى المتغيرات الجينية "الضارة" الشائعة التي ترتبط بقُصر العمر.
- جهاز مناعي فريد: كانت منظومتها المناعية سمة بارزة. فبينما يعاني معظم الناس من تدهور في وظائف المناعة مع تقدمهم في السن، لم تظهر خلايا ماريا المناعية هذا التدهور، حيث كان لديها عدد كبير من الخلايا التائية السامة (الخلايا التي "تحارب" العدوى والسرطان)، ومستوى منخفض جداً من الالتهاب المزمن، والذي يُعتبر عاملاً رئيسياً في الشيخوخة الصحية.
- كفاءة عالية في استقلاب الدهون: كان جسدها يعالج الدهون بكفاءة استثنائية. كان لديها مستويات عالية من الكوليسترول الجيد (HDL)، ومستويات منخفضة من الدهون الثلاثية والكوليسترول الضار (VLDL)، وهو ما كان له دور في انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والخرف.
دروس من حياة أطول معمرة
تقدم قصة ماريا دروساً قيمة للحياة الواقعية، وتُظهر أن طول العمر لا يقتصر فقط على الجينات، على الرغم من أنها تلعب دوراً بالتأكيد، فقد يعتمد أيضاً على التفاعل بين البيولوجيا ونمط الحياة والبيئة.
وبينما لا يمكننا التحكم في حمضنا النووي، يمكننا أن نستلهم من بعض عاداتها الصحية. على سبيل المثال، استهلاكها اليومي للزبادي، الذي بدا أنه يدعم ميكروبيوم الأمعاء الصحي، يسلط الضوء على أهمية النظام الغذائي في الحفاظ على الصحة العامة.
استفسر الآن من أطباء الطبي حول أفضل الطرق للحفاظ على صحتك!