تحدث "متلازمة وجه القمر" بسبب اضطراب هرموني، وذلك عند ارتفاع مستوى هرمون الكورتيزول، الذي يمكن أن يحدث نتيجة تعاطي بعض الأدوية أو بشكل تلقائي. ويصاحب زيادة هذا الهرمون حدوث عدد من التغيرات، لعل أبرزها تورم وجه المصاب، بسبب تراكم الدهون في جانبي الوجه، وهو الأمر الذي يجعل الوجه مستديراً ومنتفخاً، وربما كان التورم شديداً لدرجة أن الأذنين من الممكن ألا تظهرا عند النظر للوجه من الأمام.

وتظهر على البشرة علامات تمدد وردية أو بنفسجية، كما تظهر حدبة دهنية بين الكتفين، وربما أصيب الشخص بارتفاع ضغط الدم أو هشاشة العظام، وفي أحيان أخرى يصاب بداء السكري من النوع الثاني.

وعد الأطباء تورم الوجه أحد أبرز العلامات على الإصابة بهذا المرض، وإن كان هناك بعض الحالات التي تسبب تورم الوجه مثل الحساسية. واحتمال الإصابة بهذه المتلازمة يرتفع في حالة كان التورم يزداد تدريجياً على المدى الطويل.

ويزيد تراكم الدهون كذلك في نهاية الرقبة، وكذلك في الجذع والبطن، في حين لا يظهر الورم على الأطراف. ويعتمد علاج "متلازمة وجه القمر" على السبب وراء الإصابة بها، حيث يحتاج بعض المصابين إلى عملية جراحية تخلصهم من الورم، وربما تحتاج حالات أخرى لعلاج دوائي وإشعاعي.

ويقسم الأطباء هذا المرض إلى نوعين: الأول داخلي المنشأ، حيث يكون السبب فيها زيادة إفراز هرمون الكورتيزول داخل الجسم. ويختص هذا الهرمون بتنظيم الأيض ومستوى السكر في الدم، وكذلك مواجهة الإجهادات النفسية والبدنية. والمسؤول عن تنظيم الكورتيزول هي الغدة النخامية، وذلك من خلال إفراز هرمون المنشط للكظر. ويتسبب في حدوث النوع الثاني (خارجي المنشأ) تناول كميات كبيرة من الأدوية التي تعالج بعض الأمراض؛ مثل: الالتهابات المزمنة وأمراض المناعة الذاتية والحساسية، لأن هذه الأدوية تحدث أضراراً تماثل تأثير الكورتيزول الذي ينتجه الجسم.

 

أعراض المتلازمة

أشار الأطباء إلى العديد من أعراض هذا المرض أبرزها:

تغيرات جلدية

تظهر على المصاب بـ"متلازمة وجه القمر" أعراض عامة، وأخرى تختص بالرجال أو النساء كل على حدة، كما أن الأعراض ربما تختلف باختلاف مستويات الكورتيزول الزائدة.

وتشمل الأعراض تغيرات جلدية،؛ مثل: زيادة الوزن والأنسجة الدهنية التي تتركز بشكل خاص على الوسط، ومنطقة الظهر العليا، وكذلك في الوجه، والتي أتى منها تسمية وجه القمر، وبين الأكتاف، وهو ما يسمى بحدبة الجاموسة.

وتظهر علامات تمدد في هيئة سطور على جلد البطن والأفخاذ والصدر والذراعين، وتكون ذات لون وردي أو بنفسجي.

ويصبح جلد المصاب ضعيفاً وحساساً، وعرضة للإصابة بالكدمات بشكل سهل. كما تصبح الجروح ولسعات الحشرات والعدوى بطيئة في عملية الشفاء.

وتتضمن الأعراض إصابة المريض بالإرهاق الحاد، وضعف العضلات، والاكتئاب، والقلق، والهياج، كما أنه يفقد القدرة على التحكم بالانفعالات.

قصر القامة والسمنة

يعاني المصاب بـ"متلازمة وجه القمر" صعوبات معرفية، ويكون نمو الأطفال ضعيفاً، كما يصاب الأطفال أيضاً بقصر القامة. وعموماً فإن قصر القامة مع السمنة لدى الطفل يعد من الأسباب التي تدعو إلى قياس مستوى هرمون الكورتيزول.

ويصاب كذلك بضغط الدم والصداع، وبداء السكري، وبفقدان العظام بالشكل الذي يؤدي إلى الإصابة بالكسور مع مرور الوقت، أوحتى الإصابة بهشاشة العظام في سن مبكرة.

ويمكن أن تعاني المرأة المصابة بهذه المتلازمة من زيادة سمك وكمية شعر الوجه والجسم بصفة عامة، كما تكون الدورة الشهرية لديها غير منتظمة، ويمكن أن يعاني الرجل المصاب من انخفاض في الخصوبة.

أسباب المرض

يعد السبب الرئيسي وراء الإصابة بـ"متلازمة وجه القمر" حسب رأي الأطباء هو المستويات العالية من هرمون الكورتيزول، الذي تنتجه الغدتان الكظريتان. ويلعب هذا الهرمون العديد من الأدوار داخل جسم الشخص، فهو يساعد مثلاً في تنظيم ضغط الدم، ويحافظ على وظيفة القلب والأوعية الدموية الطبيعية، ويساعد كذلك الكورتيزول على الاستجابة للإجهاد، وينظم طريقة تحويل البروتينات والكربوهيدرات والدهون في النظام الغذائي إلى طاقة قابلة للاستخدام.

ويمكن أن تعود الإصابة بـ"متلازمة وجه القمر" إلى سبب خارج الجسم، ومن ذلك تناول أدوية الستيرويدات القشرية الفموية بجرعات كبيرة ولمدة طويلة، لأن هذه الأدوية تقوم بدور الكورتيزول الذي ينتجه الجسم.

ويشير هؤلاء الأطباء إلى أن الأدوية السابقة مهمة لعلاج الأمراض الالتهابية، كالتهاب المفاصل الروماتويدي والذئبة والربو، وكذلك في حالة زراعة أحد الأعضاء، حتى لا يرفض الجسم العضو المزروع.

وتحدث الآثار الجانبية لهذه العقاقير في الأغلب، بسبب الجرعات العالية منها، والتي تكون أعلى من كمية الكورتيزول التي يحتاج إليها الجسم، وبالتالي تؤدي إلى آثار جانبية، بسبب كمية الهرمون الزائدة.

ويتسبب بذلك أيضاً حقن الستيرويدات القشرية المتكررة، التي تعطى بهدف التغلب على ألم المفاصل والتهاب الجراب وألم الظهر. وفي العادة فإن أدوية الستيرويد التي تستنشق كما في علاج الربو، أو الكريمات كما في علاج الإكزيما، تكون أقل احتمالاً في الإصابة بـ"متلازمة وجه القمر"، ولكن يمكن أن تتسبب في الإصابة بهذه المتلازمة عند تناول جرعات كبيرة منها.

ورم الغدة النخامية

يمكن أن تكون الإصابة ببعض الأورام هي السبب وراء الإصابة بـ"متلازمة وجه القمر"، ومنها ورم الغدة النخامية؛ حيث يفرز الورم الحميد في الغدة النخامية الموجود في قاعدة الدماغ كميات كبيرة من الهرمون الموجه لقشر الكظر.

ويحفز هذا الورم بدوره الغدد الكظرية على إنتاج المزيد من الكورتيزول، ويحدث هذا الشكل من المتلازمة بصورة أكبر لدى النساء، ويعد هو الشكل الأكثر انتشاراً للمتلازمة داخلية المنشأ.

وترجع الإصابة بـ"متلازمة وجه القمر" لدى بعض الأشخاص إلى إفراز زائد للكورتيزول، إلا أنه لا يرتبط بالتحفيز الذي ينتج من الهرمون الموجه لقشر الكظر، وإنما يرتبط باضطرابات الغدد الكظرية، ومن أكثر الاضطرابات شيوعاً الورم غير السرطاني لقشرة لكظرية.

ويمكن أن ترجع الإصابة بهذه المتلازمة إلى الأورام السرطانية للقشرة الكظرية، بالرغم من أنها نادرة، وفي بعض الأحيان فإن التضخم العقدي للغدد الكظرية، وهو حميد، ربما كان سبباً في الإصابة بالمتلازمة.

تشخيص المرض

وتشمل إجراءات تشخيص "متلازمة وجه القمر" حسب رأي الأطباء قياس هرمون الكورتيزول على مدى 24 ساعة، فإذا كانت نسبة الهرمون مرتفعة، كان ذلك دليلاً على الإصابة بهذه المتلازمة.

ويتم في الإجراء الثاني، وهو اختبار التثبيط، إعطاء المريض جرعة من أحد مركبات الكورتيزون الصناعية، ثم قياس مستوى الكورتيزول، ويتوقف في الأحوال الطبيعية الجسم عن إنتاج الكورتيزول، كرد فعل طبيعي لحماية الجسم من زيادة الكورتيزون، وبالتالي فإن مستوى الهرمون في الجسم يكون منخفضاً، ويختلف الأمر في حالة المرض، حيث إن الورم يستمر في إفراز الكورتيزول، وبالتالي فإن مستوى الهرمون يظل مرتفعاً بالرغم من عملية التثبيط.

العلاج

يعتمد الأطباء في علاج "متلازمة وجه القمر" على علاج السبب الذي يؤدي إلى الإصابة بها، فإذا كان ذلك ناتجاً من تـنـاول أدوية الـســتيرويدات القشرية بشكل طويل المدى، فإن السيطرة على أعراض المرض تبدأ بالحد من جرعة العقار خلال فترة زمنية.

ويتم علاج الأمراض التي احتاجت إلى تناول هذه العقاقير، كالربو والتهاب المفاصل، من خلال عقاقير لا ستيرويدية قشرية. وينبغي عدم توقف المريض عن تناول جرعة الستيرويدات القشرية أو تقليل الجرعة دون استشارة الطبيب؛ لأن التوقف المفاجئ ربما تسبب في نقص مستويات الكورتيزول، في حين أن تخفيض الجرعات يسمح للجسم بإعادة إنتاج الكورتيزول بشكل طبيعي.

الورم والجراحة

يلجأ الطبيب إلى الجراحة عندما يكون سبب الإصابة بالمتلازمة وجود ورم، ويقوم عادة جراحو الأعصاب باستئصال أورام الغدة النخامية، من خلال الأنف.

ويمكن للجراح أن يستأصل الورم في الغدد الكظرية، أو في الرئتين أو البنكرياس، من خلال عملية قياسية، أو عن طريق الأساليب الجراحية ذات التدخل الضئيل، من خلال شقوق جراحية صغيرة.

ويحتاج المريض عقب العملية إلى تناول أدوية مكملة للكورتيزول، وذلك بهدف مد الجسم بما يحتاج إليه من هذا الهرمون، وتستغرق هذه العملية في العادة نحو عام، وبعض الحالات يمكن أن تتجاوز هذه الفترة.

ويمكن أن يكون العلاج الإشعاعي هو الأسلوب الناجع، في حالة عدم تناسب التدخل الجراحي مع بعض الحالات، فيتم إعطاء الإشعاع بجرعات صغيرة على مدى 6 أسابيع.

وتشير دراسة أمريكية حديثة إلى أن الشفاء من "متلازمة وجه القمر" يحتاج إلى فترة من الزمن، والتي ربما طالت؛ لذا فإن على المريض الصبر، لأن الأعراض لن تختفي فجأة.