مع تفشي فيروس كورونا الجديد في جميع دول العالم، أظهرت النساء مقاومة ملحوظة للفيروس سواء في الصين، أو إيطاليا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كن أقل عرضة للإصابة بمضاعفات خطيرة، وأكثر احتمالية للبقاء على قيد الحياة من الرجال. الأمر الذي جعل الأطباء يتساءلون: هل يمكن أن يرجع السبب في ذلك للهرمونات الجنسية التي تحملها النساء؟
بدأ الأطباء في شهر أبريل الماضي في نيويورك تجربة لعلاج مرضى كوفيد-19 الذكور بهرمون الإستروجين (بالإنجليزية: Estrogen)، وفي الأسبوع المقبل، سيبدأ الأطباء في لوس أنجلوس في علاج المرضى الذكور بهرمون آخر، هو البروجسترون (بالإنجليزية: Progesterone)، الذي له خصائص مضادة للالتهابات، بالإضافة إلى أنه يساهم في منع التفاعلات الضارة للجهاز المناعي.
تقول الدكتورة سارة غاندياري، طبيبة أمراض الرئة وطبيبة العناية المركزة في لوس أنجلوس: "هناك اختلاف مذهل بين عدد الرجال والنساء المصابين بفيروس كورونا في وحدة العناية المركزة، والرجال أسوأ حالًا بشكل واضح". وأضافت أيضا أن 75 بالمئة من مرضى وحدة العناية المركزة بالمستشفى، ومن هم على أجهزة التنفس الصناعي هم من الرجال.
وقد لوحظ أيضا أن النساء الحوامل، اللواتي عادة ما يعانين من نقص المناعة ولكن لديهن مستويات عالية من هرمون الاستروجين والبروجسترون، يصبن بأعراض خفيفة من مرض كوفيد-19. قالت الدكتورة غاندياري: "كل ما سبق يجعلنا نفكر في الهرمونات".
ما هي تفاصيل التجربة؟
بدأت تجربة إعطاء الاستروجين في جامعة Stony Brook في نيويورك في أبريل الماضي على 110 مريضًا أتوا إلى غرفة الطوارئ بالمستشفى وكانوا يعانون من أعراض مثل الحمى، والسعال، وضيق التنفس أو الالتهاب الرئوي، والذين تم تأكيد إصابتهم بفيروس كورونا. وقد أتيحت هذه التجربة للرجال البالغين وكذلك للنساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 55 عاما وما فوق، لأن لديهن مستويات منخفضة من هرمون الاستروجين. تم إعطاء نصف المشاركين رقعة استراديول لمدة أسبوع، بينما عمل النصف الآخر كمجموعة تحكم.
يتم أيضا عملة تجربة أخرى على نطاق أصغر في مستشفى Cedars-Sinai في لوس أنجلوس، حيث تضم 40 شخصًا فقط، جميعهم من الرجال، نصفهم سيعملون كمجموعة تحكم. ستقتصر المشاركة في التجربة على المرضى الداخليين في المستشفى الذين يعانون من أعراض خفيفة إلى متوسطة والذين تم تأكيد إصابتهم بكوفيد-19. سيحصل المرضى على حقنتين من هرمون البروجسترون يوميًا لمدة خمسة أيام.
سيتم متابعة المرضى لمعرفة ما إذا كان وضعهم يتحسن، ومدى تغير احتياجاتهم من الأكسجين، وما إذا كانوا يحتاجون إلى الدخول للعناية المركزة أو التهوية الميكانيكية، وسيتم مقارنتهم بالمرضى في مجموعة التحكم.
تقول الدكتورة غاندياري إن الباحثين في لوس أنجلوس يعلقون آمالهم على هرمون البروجسترون بدلاً من الاستروجين لأن الأبحاث أظهرت أن البروجيسترون يقلل من الخلايا المناعية المحفزة للالتهابات ويدعم الخلايا التي تكافح الالتهاب. الفرضية التي يعتمدون عليها هي أن البروجسترون سيمنع أو يقلل من رد الفعل الزائد للجهاز المناعي، والذي يسمى عاصفة السيتوكين، والذي بدوره سيقلل من احتمال الإصابة بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة.
يُعتقد أن كلا الهرمونين آمنان، خاصة عند استخدامهما لفترات وجيزة، ومع ذلك سيتم تحذير المشاركين من الآثار الجانبية المحتملة، مثل الهبات الساخنة.
ما هو رأي العلماء والأطباء بذلك؟
ومن ناحية أخرى، حذر بعض العلماء الذين يدرسون تأثير الاختلافات الجنسية على المناعة من أن الهرمونات قد تفشل في أن تكون الحل السحري التي يأمل البعض في ذلك، واستدلوا على ذلك بأنه حتى النساء المسنات المصابات بفيروس كورونا أكثر احتمالية للبقاء على قيد الحياة من نظرائهن الذكور، بالرغم من وجود انخفاض كبير في مستويات الهرمونات لدى النساء بعد انقطاع الطمث.
أصبحت الفجوة بين الجنسين في الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا واضحة في وقت مبكر من الوباء، حيث أشارت التقارير الواردة من الصين إلى أن الرجال يموتون بمعدلات أعلى، وقد أرجع بعض العلماء هذا التفاوت إلى ارتفاع معدلات التدخين لدى الرجال. لكن النتائج كانت متسقة في دول أخرى، حيث يموت الرجال في إيطاليا بمعدلات أعلى من النساء، ويموت الرجال أيضا في نيويورك بمعدل مضاعف تقريبًا من النساء.
يقول العلماء الذين يدرسون الاختلافات الجنسية أن هذا التفاوت يرجع إلى الاختلافات البيولوجية في المناعة، وكذلك العوامل السلوكية، حيث يقولون أن الرجال عادة ما يدخنون أكثر النساء، كما أن الرجال أيضا يغسلون أيديهم أقل، في حين يبدو أن النساء لديهن أجهزة مناعة أكثر قوة، لذلك يقول هؤلاء الخبراء إن الأسباب معقدة ومتعددة العوامل، والهرمونات ليست سوى جزء من الصورة.
تقول دكتورة صبرا كلاين، أحد العلماء الذين يدرسون تأثير الاختلافات الجنسية على العدوى الفيروسية: "إذا كانت هذه الهرمونات الجنسية هي العامل الوقائي الأساسي للنساء، فيتوجب على النساء المسنات المصابات بفيروس كورونا أن يعانين بنفس الدرجة التي يعاني منها نظرائهن من الرجال، لأن مستويات الهرمونات الجنسية للنساء تنخفض بعد انقطاع الطمث. ولكن ليس هذا هو الحال، حيث لا يزال كبار السن يتأثرون بشكل متفاوت."