يُعدّ الاعتلال الدماغي الكبدي من الحالات الخطيرة لكنّها قابلة للعكس خصوصًا عند اكتشاف المشكلة مبكرًا وتقديم العلاج للمريض قبل تفاقم الحالة لديه. وهناك خيارات متعدّدة يُمكن أن يتضمّنها علاج الاعتلال الدماغي الكبدي، ويعتمد اختيارها على العديد من العوامل، بما فيها شدة الحالة. [1][2]

وفي المقال التالي سنقوم بمناقشة كل ما يخص علاج اعتلال الدماغ الكبدي، بما في ذلك الهدف من العلاج، والطرق المتاحة لذلك، والعوامل التي يجب الأخذ بها عند تحديد أفضل علاج للاعتلال الدماغي الكبدي.

ما هي أهداف علاج الاعتلال الدماغي الكبدي؟

يحدث الاعتلال الدماغي الكبدي نتيجة تراكم السموم في الدم، مثل: مركبات الأمونيا، لدى المرضى الذين يعانون من مرض أو مشكلة صحية تؤثر على الكبد، حيث أنّ وصول هذه السموم إلى الدماغ سيتسبّب بتدهوّر وظائف الدماغ وظهور بعض الأعراض الجسدية والنفسية، والتي تختلف باختلاف شدّة الحالة. [1][2]

من المهم جدًا علاج الاعتلال الدماغي الكبدي فور تطوّره لدى المريض، حيث تتفاقم هذه الحالة مع مرور الوقت ومن المُمكن أن تؤدي إلى معاناة المريض من النوبات الاختلاجية أو حتى دخوله بغيبوبة. [1][2]

وبشكل عام، يوجد 5 أهداف رئيسية للعلاج المقدم لمرضى الاعتلال الدماغي الكبدي، وهي: [3][4]

  • الحفاظ على استقرار حالة المريض، حيث يتم مراقبة العلامات الحيوية للمريض وتقديم العديد من العلاجات الداعمة بهدف تخفيف الأعراض لدى المريض ومنع تفاقمها.
  • علاج العوامل المسببّة للحالة، إن أمكن ذلك، حيث إنّ بقاء هذه العوامل سيؤدي إلى استمرار نوبة اعتلال الدماغ الكبدي أو تكرار حدوثها بالرغم من تقديم العلاجات للمريض.
  • خفض مستوى الأمونيا في الدم، ويتم ذلك من خلال إعطاء المريض عدد من الأدوية والعلاجات التي تعمل تقليل إنتاج الأمونيا في الجسم أو تسريع عملية إزالتها.
  • إدارة ارتفاع الضغط داخل الجمجمة، إذا كان موجودًا، ويشمل ذلك رفع رأس المريض، وإدارة الأعراض الناجمة عن ارتفاع الضغط داخل الجمجمة، مثل: الألم، والانفعالات، ونقص صوديوم الدم، والحمى، والقشعريرة، بالإضافة إلى وصف الأدوية التي تساعد على خفض ضغط الدم في حال الحاجة إليها.
  • إدارة مضاعفات فشل الكبد التي يمكن أن تساهم في اعتلال الدماغ، وخاصةً نقص صوديوم الدم.

 

ما هو أفضل علاج للاعتلال الدماغي الكبدي؟

تتعدّد خيارات علاج اعتلال الدماغ الكبدي، ويعتمد اختيار العلاجات المناسبة للمريض على عدّة عوامل، بما فيها: [2]

  • شدّة الاعتلال الدماغي الكبدي.
  • طبيعية الأعراض التي يعاني منها المريض.
  • شدّة تلف الكبد الأساسي الذي يُسبّب اعتلال الدماغ الكبدي.
  • عمر المريض.
  • الصحة العامة للمريض.

ولهذا، سيقوم الطبيب أولًا بإجراء فحص سريري للمريض لتحديد وضعه الصحي وشدة الحالة لديه، ومن ثم سيقوم بوصف الأدوية والعلاجات الأخرى المناسبة له. [2]

ماذا يتضمّن علاج الاعتلال الدماغي الكبدي؟

يتضمّن علاج الاعتلال الدماغي الكبدي العديد من الخيارات العلاجية، وهي كالآتي:

الأدوية

يُمكن أن يصف الطبيب عدّة أنواع من الأدوية للمرضى المصابين باعتلال الدماغ الكبدي، وتشمل هذه الأدوية ما يلي:

  • أدوية لعلاج المُسبب الرئيسي للحالة

من المُمكن أن يحدث الاعتلال الدماغي الكبدي نتيجة للعديد من الأسباب، مثل: الإمساك، والعدوى، والنزيف، واضطرابات الكهارل، وغيرها من الأسباب. ولا بدّ من اكتشاف السبّب الرئيسي لهذه الحالة وعلاجه، حيث أنّ التدّخل في الوقت المناسب لتصحيح هذه العوامل المسبّبة هو أمر ضروريٌ للغاية لعلاج الاعتلال الدماغي الكبدي وإدارته بشكل فعّال. [1][4]

وتشمل أنواع أدوية علاج اعتلال الدماغ الكبدي التي تهدف إلى علاج السبّب الكامن وراء المشكلة ما يلي: [2][4]

  • أدوية علاج الإمساك، بما في ذلك الحقنة الشرجية أو الملينات الفموية.
  • أدوية علاج العدوى.
  • الأدوية التي تساعد في السيطرة على النزيف لدى الفرد.
  • أدوية تقلل من مستويات الأمونيا

ترتفع مستويات الأمونيا في أغلب حالات اعتلال الدماغ الكبدي، وليس في جميع الحالات. ومع ذلك، وبصرف النظر عمّا إذا كانت مستويات الأمونيا مرتفعة أم لا، بمجرد إثبات تشخيص اعتلال الدماغ الكبدي، يجب اتّخاذ خطوات لخفض مستويات الأمونيا. [1]

ويُمكن أن تشمل الأدوية المستخدمة لتقليل مستويات الأمونيا لدى مرضى الاعتلال الدماغي الكبدي ما يلي:

  • اللاكتولوز

إنّ اللاكتولوز (بالإنجليزية: Lactulose) هو أحد ثنائيات السكاريد غير القابلة للامتصاص، والذي يعمل على تقليل مستويات الأمونيا في الجسم من خلال آليات عمل متعدّدة، وهي: [1][4]

  • يؤدي تحليل اللاكتولوز بواسطة البكتيريا في الأمعاء إلى جعل بيئة الأمعاء حمضية، وهذا بدوره يسّهل تحويل الأمونيا إلى مركب الأمونيوم، ممّا يُقلل من امتصاص الأمونيا ووصولها إلى مجرى الدم.
  • يُعزّز اللاكتولوز من انتشار الأمونيا من الدم إلى الأمعاء، حيث يتم تحويلها إلى مركب الأمونيوم.
  • يُمارس اللاكتولوز تأثيرًا تناضحيًا في القولون، ممّا يُعزّز من حركة الأمعاء وإخراج الأمونيا إلى خارج الجسم عبر البراز.

يُمكن أن يتم إعطاء اللاكتولوز كمحلول فموي، وفي الحالات التي لا يكون فيها الإعطاء عن طريق الفم ممكنًا، يمكن أيضًا إعطاؤه كحقنة شرجية. وبشكل عام، يُظهر حوالي  70 - 80% من المرضى الذين يعانون من اعتلال الدماغ الكبدي تحسنًا مع علاج اللاكتولوز. [1]

  • المضادات الحيوية غير القابلة للامتصاص

تساهم البكتيريا المعوية الموجبة لليورياز في إنتاج الأمونيا المعوية، ولهذا يُمكن أن يُساعد استخدام المضادات الحيوية الفموية غير القابلة للامتصاص على تثبيط نموّ أو قتل هذه الأنواع من البكتيريا وتقليل مستويات الأمونيا في الجسم. ومن أنواع المضادات الحيوية التي يُمكن استخدامها لهذا الهدف هما دواء الريفاكسيمين (بالإنجليزية: Rifaximin) والنيومايسين (بالإنجليزية: Neomycin). [1][4]

يستخدم دواء الريفاكسيمين لعلاج الاعتلال الدماغي الكبدي لدى المرضى الذين لا يستجيبون للعلاج باللاكتولوز أو أولئك الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتولوز، وعادةً ما يتم وصفه بجرعة 550 ملغ عن طريق الفم مرتين يوميًا أو 400 ملغ عن طريق الفم 3 مرات يوميًا. [1]

أما بالنسبة لدواء النيومايسين، فمن المُمكن أن يتم استخدامه بشكل روتيني وذلك بسبّب فعاليته المحدودة والمخاطر المرتبطة به، حيث يرتبط استخدام هذا الدواء ببعض الآثار الجانبية، بما في ذلك السمية الأذنية والكلوية المحتملة. [1]

  • الأدوية التي تعدّل من استقلاب الأمونيا

يهدف هذا النوع من أدوية علاج الاعتلال الدماغي الكبدي إلى تعديل استقلاب الأمونيا في الجسم، ومن هذه الأدوية: [1][4]

  • الأدوية التي تساعد في إدارة ارتفاع الضغط داخل الجمجمة

يُمكن أن يرتبط الاعتلال الدماغي الكبدي في بعض الحالات بارتفاع الضغط داخل الجمجمة نتيجة تراكم السوائل داخل أنسجة الدماغ. وهنا يُمكن أن يشمل علاج اعتلال الدماغ الكبدي على الأدوية التي تُساعد تخفيف الأعراض الناجمة عن ارتفاع الضغط داخل الجمجمة، مثل: [3][4]

  • الميدازولام (بالإنجليزية: Midazolam).
  • الفينتانيل (بالإنجليزية: Fentanyl).
  • البروبوفول (بالإنجليزية: Propofol).
  • الليدوكائين (بالإنجليزية: Lidocaine).

كما في حال استمرار ارتفاع الضغط داخل الجمجمة، يُمكن أن يستخدم الطبيب بعض الأدوية الخافضة لضغط الدم، مثل: [3]

  • الفينيل إفرين (بالإنجليزية: Phenylephrine).
  • النورإيبينفرين (بالإنجليزية: Norepinephrine).
  • اللابيتالول (بالإنجليزية: Labetalol).
  • النيكارديبين (بالإنجليزية: Nicardipine).

كما يُمكن أن يتم استخدام المانيتول (بالإنجليزية: Mannitol) للحالات الشديدة من ارتفاع الضغط داخل الجمجمة، حيث أنّه يعمل على زيادة الضغط الأسموزي للشعيرات الدموية في الدماغ، ممّا يؤدي إلى يسحب الماء من أنسجة الدماغ باتجاه الشعيرات الدموية وبالتالي خفض الضغط داخل الجمجمة. [3][4]

ومن أنواع أدوية علاج الاعتلال الدماغي الكبدي التي تهدف إلى إدارة ارتفاع الضغط داخل الجمجمة أيضًا ما يلي: [4]

  • الديكساميثازون (بالإنجليزية: Dexamethasone)، والذي يتم استخدامه لدى حالات اعتلال الدماغ الكبدي لدى مرضى الفشل الكلوي الحاد، حيث بفضل خصائصه المضادة للالتهابات يُمكن أن يعمل على تحسين ديناميكا الدم الدماغية ومنع أو علاج ارتفاع ضغط الدم داخل الجمجمة.
  • الثيوبنتال الصوديوم (بالإنجليزية: Thiopental Sodium)، والذي يتم استخدامه لدى الحالات غير المستجيبة للعلاجات الأخرى.
  • الإندوميثاسين (بالإنجليزية: Indomethacin)، إلّا أنّ استخدامه محدود بسبب ارتباطه بحدوث السمية الكلوية، واضطراب الصفائح الدموية، وخطر النزيف المعوي.

العلاجات الداعمة

بالإضافة إلى العلاجات الدوائية، يحتاج مرضى اعتلال الكبد الدماغي إلى بعض العلاجات الداعمة والتي تساعد في تخفيف الأعراض لديهم ومنع تفاقم المرض، وتشمل هذه العلاجات ما يلي:

  • الدعم الغذائي

يجب أن يتلقى المرضى المصابين باعتلال الدماغ الكبدي دعمًا غذائيًا يوفر لهم كميات مناسبة من الطاقة، وذلك بمعدل 35 - 40 كيلو كالوري/كغم/يوم. كما لا ينبغي تقييد تناول البروتين لهؤلاء المرضى، وإنّما يجب أن يتضمّن النظام الغذائي الخاص بهم على تناول البروتين بمعدل 1.2 إلى 1.5 غرام/كغم/يوم. [1][5]

أما بالنسبة للمرضى الذين يعانون من تفاقم الأعراض مع تناول البروتين الحيواني، فيُمكن الاستعانة بالمصادر النباتية للبروتين. كما يُمكن إضافة الأحماض الأمينية المتفرعة السلسلة إلى نظام غذائي منخفض البروتين لدى الأفراد الذين لا يتحملون البروتين. [1]

كما من التعليمات الخاصّة بغذاء مرضى الاعتلال الدماغي الكبدي: [1][5]

  •  تناول الوجبات الخفيفة بين الوجبات وقبل النوم، وذلك لتقليل تكوين الجلوكوز وتحلل بروتينات العضلات، ممّا يؤدي إلى زيادة إنتاج الأمونيا.
  • زيادة تناول الألياف، والتي لها تأثير حيوي، وتحسن من حركة الأمعاء.
  • تناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك.
  • الترطيب وتصحيح مستويات الكهارل

تشمل الرعاية الداعمة التي يُمكن تقديمها لمرضى الاعتلال الدماغي الكبدي أيضًا تلقي كميات وفيرة من السوائل لضمان الحفاظ على ترطيب الجسم ومنع الجفاف، ويشمل ذلك إعطاء السوائل الفموية، وفي حال الحاجة لذلك، يُمكن أن يتم إعطاء السوائل عن طريق الوريد. [1]

أيضًا، من المهم علاج أي اضطراب في مستويات الكهارل، خصوصًا انخفاض مستويات الصوديوم في الدم، فذلك يُمكن أن يتسبّب بتفاقم حدوث الوذمة في الدماغ. [1][4] 

  • دعم التنفس

من المهم الحفاظ على بقاء مجرى الهواء مفتوحًا لدى مرضى الاعتلال الدماغي الكبدي، وذلك للأسباب التالية: [4]

  • منع ارتفاع ضغط ثاني أكسيد الكربون ونقص الأكسجين الذي يمكن أن يؤدي إلى احتقان الدماغ.
  • تقليل احتمالية الشفط والالتهاب الرئوي.
  • تقليل خطر حدوث اضطراب تبادل الغازات.
  • تقليل خطر حدوث العدوى.

وفي بعض الحالات يُمكن أن يكون المريض بحاجة إلى التنفس الاصطناعي بهدف الحفاظ على حياته ومنع تفاقم حالته الصحية. [4]

زراعة الكبد

يُمكن أن تكون عملية زراعة الكبد خيارًا لمرضى تليّف الكبد الذين يتطوّر لديهم الاعتلال الدماغ الكبدي، والتي يُمكن أن تعمل على استعادة وظائف الدماغ الطبيعية، ومن المُمكن أن يتم عكس ضعف الإدراك المرتبط  باعتلال الدماغ الكبدي في غضون 5 سنوات بعد إجراء عملية زراعة الكبد. [1][4]

لكن، لا يُعدّ إجراء زراعة الكبد من الخيارات المناسبة لعلاج جميع حالات اعتلال الدماغ الكبدي، ولا بدّ من إجراء تقييم شامل للحالة الصحية وشدّة تلف الكبد من أجل تحديد إمكانية خضوع المريض لهذه العملية أم لا. [5]

نصيحة الطبي

يُعدّ اعتلال الدماغ الكبدي من الحالات الحرجة والتي تتطلب العلاج الفوري والسريع لمنع تفاقم الحالة وظهور المضاعفات الشديدة. ويعتمد اختيار أفضل علاج لاعتلال الدماغ الكبدي على عدّة عوامل، بما فيها شدّة الحالة وعمر المريض.

بإمكانك الآن الاستفادة من خدمة الاستشارات الطبية عن بعد التي يوفرها موقع الطبي على مدار 24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع للإجابة على جميع استفساراتك بخصوص علاج الاعتلال الدماغي الكبدي.