أصبح تطوير لقاح مضاد لعدوى فيروس كورونا الجديد المعروف بعدوى كوفيد-19 (بالإنجليزية: COVID-19) ضرورة ملحة لكي يعود العالم إلى الحياة الطبيعية السابقة، لذا ليس من المستغرب أن ترتفع التوقعات حول العالم فيما يخص تجارب اللقاحات والأدوية الخاصة لمحاربة عدوى كوفيد-19 أو كوورنا (بالإنجليزية: Corona)
يتم تطوير أكثر من 100 لقاح حول العامل، قد ينجح أحدها في دحر جائحة كوفيد-19، ولكن يذكرنا بعض المشككين بأن التفاؤل كان موجود قبل 40 عام بشأن إيجاد لقاح لفيروس الإيدز ولم يظهر لقاح حتى الآن، ولكن حتى لو كان المشككين على حق إلا أنه يجب تذكر بأن تطوير لقاح لعدوى كوفيد-19 أسهل من تطوير لقاح لمرض الإيدز (بالإنجليزية: AIDS)، ولكن تقدير وقت الحصول على هذا اللقاح وتوفره لا تزال غير معروفة.
للحصول على لقاح ناجح لعدوى كوفيد-19 يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذا اللقاح يجب أن يلبي معايير معينة مثل سلامة وأمان استخدام اللقاح، التأكد من أن اللقاح يولد الاستجابة المناعية المطلوبة، معرفة إذا كان اللقاح سيوفر حماية طويلة الأمد من العدوى بفيروس كوفيد-19 مرة أخرى.
اقرأ أيضاً: نجاح لقاح فيروس كورونا الجديد يعتمد على إيصاله للناس
طرق تطوير لقاحات عدوى فيروس كورونا الجديد
دخلت العديد من اللقاحات التي يتم تطويرها لمحاربة عدوى كوفيد-19 مرحلة التجارب السريرية على البشر في وقت مبكر، وقد انطوت طرق تطوير اللقاحات على ما يلي:
- حقن فيروس كوفيد-19 مضعف أو ميت في الجسم
هدفت بعض مجموعات اللقاحات إلى إثارة استجابة مناعية لدى الأشخاص الذين تتم تجربة اللقاحات عليهم من خلال حقنهم بفيروس كوفيد-19 ضعيف، أو ميت، أو من خلال حقنهم بجزيئات من فيروس كوفيد-19، وقد تم اتباع هذه التقنية سابقًا في إنتاج لقاحات الحصبة (بالإنجليزية: Measles)، والأنفلونزا، والتهاب الكبد الوبائي ب (بالإنجليزية: Hepatitis B)، والجدري (بالإنجليزية: Chicken Pox).
تطلب استخدام نهج التلقيح بالفيروس المضعف، أو الميت، أو أجزاء الفيروس في تطوير اللقاحات التقليدية كان يتطلب الكثير من العمل، إذ يتطلب عزل الفيروسات الحية، وزرعها، وتعديلها في المختبر ويمكن أن تتطلب هذه العملية الأولية من 3-6 أشهر.
- استخدام الحمض النووي الريبي الرسول (mRNA)
بالنظر إلى الأزمة الحالية التي يمر بها العالم فقد اختار بعض مطوري اللقاحات اتباع نهج أسرع ولكنه غير مألوف، وهو استخدام جزيء جيني كقاعدة لتطوير اللقاح يسمى الحمض النووي الريبي الرسول (بالإنجليزية:Ribonucleic Acid Messenger or mRNA).
يطور العلماء الحمض النووي الريبي الرسول في المختبر ويتم حقنه في الجسم البشري بدلاً من حقن فيروس كوفيد-19 في الجسم مباشرة، وحسب التصميم يجب أن يدفع اللقاح الخلايا البشرية إلى بناء بروتينات مشابهة للبروتينات الموجودة على سطح الفيروس فيروس كوفيد-19 مما قد يحفز إنتاج استجابة مناعية وقائية ضد الفيروس.
- استخدام الحمض النووي الريبي الرسول (mRNA) والحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (DNA)
استخدمت مجموعات لقاحات أخرى المواد الوراثية التي لها علاقة بالفيروس بما في ذلك استخدام الحمض النووي الريبي الرسول (mRNA) والحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (DNA) لبناء لقاحات تتدخل في الخطوات السابقة لخطوة بناء البروتين المشابه لبروتين الفيروس.
هناك عقبة واحدة تواجه اللقاحات التي تستخدم الحمض النووي الريبي الرسول (mRNA)، وهي أنه لا يمكن التأكد من أن هذه اللقاحات ستعمل فعلاً، كما أنه لم يتم حتى الآن الحصول على أي لقاح مصنوع من المادة الوراثية للجراثيم، كما أن هذه اللقاحات لم تتطابق قوتها مع قوة اللقاحات الوقائية الموجودة حالياً.
اقرأ أيضاً: لقاح الإنفلونزا الموسمية
مراحل تجربة لقاح فيروس فيروس كورونا الجديد
تنطوي تجربة اللقاح على محاولة إثبات صحة مفهوم الطريقة المستخدمة في تطوير اللقاح، وتشمل المراحل المتعددة لتطوير اللقاح على ما يلي:
- استخدام نموذج حيواني وحقنه بفيروس كوفيد-19 لكي يتعرض للمرض.
- البدء بتجربة استراتيجيات علاجية مختلفة على الحيوان لمعرفة أي منها سينجح.
- إجراء تجارب لتحديد الجرعات لمحاولة معرفة الجرعة التي يمكن من خلالها حث الاستجابة المناعية في الحيوان، وإمكانيتها على توفير الوقاية من العدوى ايضاً.
- إجراء تجارب أكبر على مئات أو آلاف الأشخاص من البشر، وتنطوي هذه التجارب على استخدام جرعات مختلفة من اللقاح.
- إجراء تجربة مؤسسة الغذاء والدواء والتي دائماً ما تنطوي على إعطاء لقاح وهمي لمجموعة من المرضى، وإعطاء اللقاح الذي يراد تجربته لمرضى آخرين ومقارنة نتائج اللقاح لدى المجموعتين.
هل يمكن الحصول على لقاح لعدوى فيروس كورونا الجديد خلال 12-18 شهر؟
تشمل الخطوات التي يمكن أن تقلل من الوقت اللازم للحصول على لقاح لعدوى كوفيد-19 في الأزمة الحالية حول العالم وللحصول على لقاح في فترة تتراوح بين 12-18 شهر على ما يلي:
- تخطي دراسة النموذج الحيواني وتجربة اللقاح على البشر مباشرة.
- إجراءات دراسات صغيرة على الجرعات المختلفة للقاح للتوصل إلى جرعة محتملة قد تسبب استجابة مناعية مماثلة لاستجابة الجسم المناعية بعد التعرض للعدوى بفيروس كوفيد-19، ولكن تكون جرعة اللقاح افتراضية فقط.
- الافتراض بأن الاستجابة المناعية التي طورها الجسم تساعد على الوقاية من التعرض مرة أخرى للعدوى بفيروس كوفيد-19.
- عدم أخذ ترخيص من إدارة الغذاء والدواء للقاح فيما يخص اختبار أمن وسلامة لقاح فيروس كوفيد-19.
- القيام بتجربة اللقاح الوهمي لمقارنته مع اللقاح الجديد لعدوى كوفيد-19 على 1000-6000 شخص فقط، ولا تعد هذه الأعداد من البشر كافية لإثبات فعالية اللقاح.
- عدم معرفة الآثار الجانبية المحتملة للقاح لعدم دراسته بشكل كافي.
التحديات التي تواجه تطوير لقاح فيروس كورونا الجديد
إن تطوير لقاح يعطي للجسم مناعة ضد الفيروس، ويتسبب بالحد الأدنى من الآثار الجانبية لا يعد أمر سهل، كما ان فيروس كوفيد-19 على وجه الخصوص لديه تحديات فريدة خاصة به.
على الرغم من أن العلماء طوروا لقاحات لمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (بالإنجليزية: severe Acute Respiratory Syndrome) التي تعرف بالسارس، وللمتلازمة التنفسية الشرق أوسطية (بالإنجليزية: Middle East Respiratory Syndrome) التي تعرف بالميرس، إلا أن هذه اللقاحات لم تخرج من مرحلة التجارب السريرية أو تطرح للاستخدام العام، وكان السبب يعود بشكل جزئي في ذلك إلى نقص الموارد، ويمكن أن تشمل التحديات التي تواجه تطوير لقاح مضاد لعدوى فيروس كوفيد-19 على ما يلي:
- الاستعزاز المعتمد على الجسم المضاد
أحد الأمور التي يجب الحذر منها عند التعامل مع الفيروسات التاجية هي ظاهرة الاستعزاز المعتمد على الجسم المضاد ADE (بالإنجليزية: Antibody Dependent Dnhancement) التي تجعل الجسم عرضة للإصابة بالأمراض الشديدة بعد تلقي اللقاح.
لكل نوع من الفيروسات أنواع وسلالات فرعية، ويعني الاستعزاز المعتمد على الجسم المضاد بأن الشخص يطور استجابة مناعية لنوع فرعي من الفيروس (مثل فيروس كوفيد-19 الذي يعد نوع فرعي من عائلة الفيروسات التاجية المعروفة باسم كورونا (بالإنجليزية: Coronaviruses))، وفي هذه الحالة تنتج الاستجابة المناعية مضادات خاصة لبروتينات السطح الموجودة على سطح الفيروس والتي يستخدمها الفيروس لدخول الخلايا، ولكن عند التعرض للعدوى بنوع آخر من الفيروسات التاجية فإن الفيروس الجديد سيحفز استجابة الجهاز المناعي لمهاجمته، ولكن يتم خداع الجهاز المناعي بسبب تشابه مستضدات السطح لمجموعات الفيروسات من نفس العائلة، ويقوم الجهاز المناعي بمهاجمة بروتينات السطح الخاصة بالفيروس الجديد ولكن على اعتبار أنها بروتينات النوع القديم من الفيروس.
تقوم الأجسام المضادة بالارتباط بالبروتينات الموجودة على سطح الفيروس ولكنها لا تقتله، مما يؤدي إلى جذب المزيد من الأجسام المضادة إلى موقع العدوى لمحاربة الفيروس مما يجعل العدوى شديدة أكثر، كما تدفع هذه العملية الجسم لإطلاق المزيد من السيتوكين (بالإنجليزية: Cytokine)، وهي المواد الكيميائية التي تنقل إشارة لتجذب المزيد من المناعة إلى مكان العدوى، مما يتسبب في التهاب المزيد من الأنسجة.
- زيادة اللقاح لقوة العدوى
في تجربة للقاح حمى الضنك (بالإنجليزية: Dengue fever) أظهرت التجارب تسبب اللقاح في إنتاج مستويات منخفضة من الأجسام المضادة التي ساعدت على توجيه الفيروس إلى الخلايا الضعيفة التي يمكن أن يصيبها بدلاً من أن تعمل هذه الاجسام المضادة على تدمير الفيروس، وقد أظهرت تجارب لقاح مرض السارس ولقاحات الفيروسات التاجية على الحيوانات نفس النتيجة، لذا فإن هناك خوف من أن يحدث نفس الشيء مع لقاح عدوى كوفيد-19.
- الحصول على نموذج حيواني مناسب
أحد العقبات التي تواجه تطوير لقاح مناسب لعدوى كوفيد-19 هي الحصول على حيوان يمكن أن يطور أعراض الإصابة بعدوى فيروس كوفيد-19 بعد حقنه بالفيروس، حتى يتمكن الباحثون من معرفة إذا ما كان اللقاح يساعد على تخفيف أو زيادة أعراض العدوى، وعادةً ما تحتاج هذه الدراسة إلى عدة أشهر.
- عدم استجابة الجهاز المناعي بقوة للقاح
يعد لقاح عدوى كوفيد-19 لقاح ناجح إذا ساعد على تقليل انتشار العدوى بين الناس، وعادةً ما تنتشر العدوى بالفيروس من خلال رذاذ سوائل الجهاز التنفسي التي تنطلق عند السعال، أو العطس في الهواء، وتنتج هذه السوائل في الغشاء المخاطي المبطن للجهاز التنفسي العلوي، ويمكن منع انتشار الفيروس عن طريق هذه السوائل من خلال إنتاج مناعة في موقع العدوى أي في الأنف أو الجهاز التنفسي العلوي.
يمكن أن تتعدى مسببات العدوى كالفيروسات الأنسجة المخاطية في الأنف والجهاز التنفسي العلوي بسهولة، ولحماية هذه الأنسجة الضعيفة فإن الجسم يحصنها بأسطول من الخلايا المناعية مختلفة عن الخلايا المناعية في باقي أنحاء الجسم، وتتولد الخلايا المناعية التي تحمي الأنسجة المخاطية عن طريق خلايا تسمى الخلايا اللمفاويات التي تبقى بالقرب من الأغشية المخاطية.
لا تستدعي جميع اللقاحات التي تحتوي على الفيروسات الميتة، أو المضعفة الاستجابة المناعية القوية من الجسم، فعلى سبيل المثال لا يتسبب لقاح الإنفلونزا الموسمية في حدوث استجابة مناعية في الأغشية المخاطية لدى الجميع، مما يمكن أن يفسر سبب الإصابة بنفس العدوى مرات متعددة.
اقرأ أيضاً: الخوف وتأثيره على المناعة والإصابة بفيروس الكورونا الجديد
مدة المناعة الناجمة عن لقاح فيروس كورونا الجديد
لا يمكن التنبؤ بالمدة التي قد تستمر فيها المناعة إذا استطاع لقاح كوفيد-19 إطلاق الاستجابة المناعية المطلوبة، فعلى سبيل المثال تصيب الفيروسات التاجية التي تسبب نزلات البرد الشائعة الناس في كل عام، على الرغم من أن هذه الفيروسات لا تتغير بشكل كبير من عام لآخر، فلماذا لا يبني الجسم مناعة ضد هذه الفيروسات؟.
هناك شيء غريب في الفيروسات التاجية نفسها، خاصة مستضداتها وبروتيناتها الفيروسية التي تمكن الجهاز المناعي من التعرف عليها ومهاجمتها، والتي تتسبب في تلاشي المناعة في الجسم أيضاً.
يمكن أن تتلاعب الفيروسات التاجية بطريقة ما بالجهاز المناعي، مما قد يفسر انخفاض المناعة ضد هذه الفيروسات مع مرور الوقت، ولضمان الحصول على مناعة طويلة الأمد من لقاح كوفيد-19 يجب على العلماء حل المشاكل التي يتسبب بها الفيروس في الجهاز المناعي وقد يستغرق تحديد هذه المشاكل في التجارب على الحيوانات لمدة شهرين.