تقول إحدى المريضات "لقد تعجبت كثيراً عندما علمت أن هنالك أناس آخرون يعانون من نفس مشكلتي، لقد اعتقدت أنني الوحيدة في هذا العالم من تعاني هذه الأعراض التي لطالما اعتبرتها مخجلة"
لماذا الاهتمام بدراسة اضطراب التشوه الوهمي للجسد؟
الغالبية العظمى من الناس يقلقون حيال ما يبدو عليه مظهرهم، و هنالك الملايين من الناس ممن يعانون سراً من وسواس يتمحور حول شعورهم بوجود عيوب في مظهرهم الخارجي، و مع تزايد هوس المجتمع بالمظهر الخارجي؛ فإنه ليس من الغريب ازدياد أعداد الأشخاص المصابين باضطراب التشوه الوهمي للجسد، كما إن قلقه الزائد قد يدفع الشخص في بعض الأحيان إلى الانتحار، و لا عجب أن يلجأ بعض المرضى إلى العمليات الجراحية التجميلية –غير الضرورية- الشائعة في وقتنا هذا. (للمزيد: سمات الشخصية القلقة أو الوسواسية).
و تنشأ هذه المشكلة عندما لا يتوافق شكل الجسم مع ما يعدُّ مثالياً حسب تقدير المجتمع (الأنصاري، 2002)، و هذا ما يدفعنا إلى التأكيد على أنه في كثير من الأحيان يكون المفهوم السلبي للذات راجعاً إلى تشوه في إدراك صورة الجسد ( فايد، 2004)، و التي تتأثر إلى جانب ذلك بالعوامل الاجتماعية والثقافية (Phillips, 2004).
- يُعدُّ اضطراب التشوه الوهمي للجسد اضطراباً شائعاً، و هو موجود بتساوٍ عند كل من الذكور و الإناث، و متوسط سن بداية الاضطراب هو 17 عاماً (Slaughter & Ann, 1999).
ما هو اضطراب التشوه الوهمي للجسد؟
تقول إحدى المريضات "في يوم من الأيام رأيت وجهي في مرآة مقابلة للضوء، و تفحصت شكلي بألم شديد، و سألت نفسي هل أبدو بهذا الشكل البشع أمام الناس؟ كيف سأقوى على مخالطة الناس وأنا بهذا الشكل؟ لا أريد أن يراني أحد، وأتمنى أن تنتهي حياتي قريبا".
- يمكن تعريف اضطراب التشوه الوهمي للجسد بطريقة مبسطة بأنه اضطراب نفسي، يتميز بوجود انشغال زائد على الحدّ بتخيل عيب شكلي، أو قيامه بالتضخيم من الشعور بالعيب البسيط الموجود لديه، مما يسبب للشخص تعطّلاً في حياته الاجتماعية و العملية.
و عادة تعاني الفتيات المصابات باضطراب التشوه الوهمي للجسد من هموم متمحورة حول الاهتمام بالوزن، و حجم الأرداف، و الصدر، و القدمان، و الشعر الذي يظهر على أجسادهن، و هن أكثر تركيزا على إخفاء العيوب بشكل مستمر باللجوء لاستخدام المساحيق التجميلية، و تفقد المرآة بشكل مستمر، و خدش و تنظيف الجلد.
أما الذكور المصابون باضطراب التشوه الوهمي للجسد؛ فهم يميلون بشكل أكبر في الشعور بعيوب في شكل عضلات أجسادهم، و بخفة شعر رؤوسهم، و من الجدير بالذكر أن الغالبية من الرجال المصابون باضطراب التشوه الوهمي للجسد يفضلون أن يبقوا عازبين، و لا يلجؤون للزواج أو الارتباط بعلاقة، و هم أكثر ميلا للجوء للإدمان على الكحول أو المخدرات أو غيرها.(Foster, Shorter& Griffiths, 2015). (للمزيد: كارثة الإدمان، مخاطر شرب الكحول والإدمان عليه).
أشكال اضطراب التشوه الوهمي
1- من أكثر أشكال اضطراب التشوه الوهمي شيوعاً لدى الذكور حالة توهم سوء شكل العضلات (Muscle Dysmorphia)؛ توجد هذه الحالة في الغالب لدى الذكور، و هنالك القليل من الإناث اللاتي يعانين من هذه الحالة؛ و يعتقد الشخص المصاب بأن بنية جسمه هزيلة و ضعيفة، و بأن جسمه غير مُعضّل و ليس بالهيئة التي يرجو أن يكون عليها، و هم إلى جانب ذلك يخافون من أن يصابوا بالبدانة.(Phillips, 2009).
2- و من الأشكال الأخرى للاضطراب؛ اضطراب التشوه الوهمي للجسد بالوكالة (Body Dysmorphic Disorder by Proxy): يعاني هؤلاء المرضى من تخيل لعيوب موجودة عند أشخاص آخرين مقربين منهم، و التي لا يكون هنالك أصل لوجودها؛ كاعتقاد الأم بوجود عيب في مظهر أنف ابنتها، فترغمها على القيام بعملية تجميل لأنفها.
3- شعور الشخص بأن ملامح وجهه غير متناسقة أو متماثلة (Asymmetrical)؛ كشعور امرأة بأن النمش الذي على الخدّ الأيمن لا يماثل ذلك على الخدّ الأيسر، أو أن عينها اليمنى أكبر من عينها اليسرى. (للمزيد: فرط التصبغ الجلدي)
4- كره الشخص لمظهره كله؛ إذ يعاني بعض الأشخاص المصابين باضطراب التشوه الوهمي للجسد من تخيل بوجود قبح عام بجميع أجزاء جسمهم.
5- شعور الشخص المصاب بحصول تغيُّر غير منطقي بجزء من أجزاء جسمه؛ كشعور شخص بأن كمية شعره تتناقص يوميا، أو شعوره بأن عينيه غير ثابتتين في مكانهما، أو أن وجهه يتساقط لأن عضلات وجهه لم تعد تعمل بشكل صحيح.
6- قيام الشخص المصاب بتشبيه نفسه بشكل حيوان؛ كأن يقول أبدو كالغوريلا، أو كالدجاجة، أو أن يشبه نفسه بإحدى الشخصيات القبيحة سواء الحقيقية أم الخيالية.
7- يشكو بعض المرضى من أنهم مختلفون عن باقي البشر؛ كوصف مريضة نفسها بأن ملامحها غير أنثوية، أو وصف رجل لملامح جسمه بالأنثوية، أو قيام بعض المرضى بالشكاوى غير المبررة من وجود التجاعيد و الخوف من علامات الكبر. (للمزيد: نصائح ذهبية للتخلص من التجاعيد).
8- الخوف من المستقبل؛ إذ يخاف المصاب من أن تصبح العيوب المدركة لديه أسوأ مع الزمن كأن يخاف من الصلع، أو زيادة التجاعيد.
9- الشعور بشحوب و هزال المظهر.
10- الخوف من وجود خلل عضوي في العضو الذي يشعر المصاب بأنه معيب؛ مثل شعور امرأة تعاني من انشغال بوجود عيب مدرك بأنفها بأنه سيكسر، إذ أن 15% من مرضى التشوه الوهمي للجسد يعتقدون بأن الجزء الذي يعتقدون بأنه معيب، هو جزء هزيل و ضعيف ويعاني من خلل عضوي.
11- الشعور بإحساسات تترافق و تنبّه بوجود العيب المتخيل؛ مثل أن يشعر الشخص المنشغل بوجود عيب في مظهر شعره، يحسّ بأن الهواء يتخلل شعره نظراً لأن شعره خفيف. (Phillips, 2009).
و من الجدير بالذكر أنه يجب تفريق الاضطراب عن الانشغال الطبيعي بالتشوهات في المظهر التي تحدث في المراهقة مثل حب الشباب (Veale & Neziroglu, 2010) (للمزيد: حب الشباب)؛ فقد يتم تشخيص أحد الأفراد باضطراب التشوه الوهمي للجسد، و لكن الأعراض الظاهرة عليه حتى و لو أنها مشابهة لاضطراب التشوه الوهمي للجسد، و لكنها تعد مرحلة طبيعية يمر بها الفرد خلال حياته كالتغيرات التي تحدث في مرحلة المراهقة.
كما أن هنالك العديد من الاضطرابات التي تتشابه أعراضها و اعراض اضطراب التشوه الوهمي للجسد، و أكثرها تشويشاً اضطراب التشويه الذاتي المتعمد للجسد "Body modification Self Mutilation Disorder"؛ إذ تتضمن سلوكيات الأشخاص المصابين به:
أ- القيام بوضع الحلقات العديدة في أماكن مختلفة من أجزاء الجسم، كالآذان و اللسان و الوجه.
ب- القيام برسم التاتو على أجسادهم و يغيرون من ملامحهم لتصبح أشبه بملامح أحد الحيوانات، و منهم من يقوم بوضع المخالب بدل الأسنان.
ج- التغيير من شكل آذانهم و ظهورهم بوخز مواد غريبة في أجسادهم.
و هم لا يقومون بذلك لأنهم يعتقدون بوجود عيوب في مظهرهم -كما يعتقد الأشخاص المصابون بالتشوه الوهمي للجسد- بل يكون بشكل متعمد. (Veale & Neziroglu, 2010).
هل تعلم؟؟
1- في أثيوبيا تقوم المرأة بحلق شعرها لتزداد جمالاً! و كلما كبر الصحن الموضوع في فمها ازدادت جاذيبة و إغراء.
2- في بعض القبائل الإفريقية؛ تعتبر المرأة جميلة إن زاد سواد بشرتها إذ يدل عندهم على نقاء أصلها.
3- تعد بعض المناطق السودانية؛ المرأة التي لا يوجد في وجهها شقوق من القبيحات و بالتالي لا تصلح للزواج.
4- في جنوب آسيا؛ يُعد تلبيس الأسنان حتى السليمة معياراً للجمال، لأن الأسنان البيضاء دليل على الفجور!
5- هل من المعقول أن الناس الذي واكبوا رواج صيت مارلين مونرو قبل خمسين عاماً كان يعلمون أنها ستتحول إلى نموذج من البشاعة في عصرنا هذا؟!
- فوضى مقاييس الجمال هذه عملت بشكل كبير على تطور اضطراب التشوه الوهمي للجسد لدى الكثير من الناس، كما أن مقاييس الحسن وضعت بشكل فوضوي و حبست المرأة في إطارها؛ إذ تحدد المعايير أو المحددات الاجتماعية و الثقافية إلى حدٍّ كبير ما هو الشيء المعيب في شكل الجسد، كما أن المجتمعات العربية تُعلي من شأن المظهر وتجعله معياراً للنجاح بالحياة.
و لطالما اعتقد الناس أن اضطراب التشوه الوهمي للجسد يصيب النساء فقط، و ذلك راجع إلى قضية التنميط الاجتماعي المتعلق بالرجل -بأنه من المعيب أن ينشغل بمظهره الخارجي-، و لكن هذا الاضطراب يصيب الرجال و النساء على حد سواء و ترجح الكفة لصالح الإناث (Pope, Phillips & Olivardia, 2000).