ما زلت أسمع صوت أبي وهو يصرخ في وجهي بأنني وصمة عار لعائلتنا، وكان يوصفني بالقبح وجلب العار، والجميع يتمنى موتي. وفي ذلك الحين كان عمري ما زال في الثامنة وكان يصرخ فيّ باستمرار وباءت كل محاولات أمي بالفشل لتهدئة روعي. مرت 20 عاما منذ ذلك الزمن المرير، ولكني أتذكر كل يوم كما لو كان الأمر بالأمس، ويقشعر بدني عندما أتذكر الكلمات التي قيلت لي وأنا مجرد طفلة".
ما تقدم نموذج من تداعيات العنف اللفظي الممارس ضد الأطفال. ومما لا شك فيه أن ضرب الطفل يؤلمه، ويترك كدمات وندبات على جسمه، ولكن هناك شكلاً آخر من أشكال إساءة المعاملة التي لا يتحدث عنها الناس كثيراً، وهي العنف اللفظي الموجه للأطفال، والذي يسبب جروحا لا تُرى بالعين، ولذلك لا أحد يعرف ما يحدث للطفل. وتعرّف الرابطة الطبية الأميركية العنف اللفظي بأنه تهديد الطفل، والصراخ، والإساءة المتعمدة، والتجاهل، واللوم أو أي نوع من الكلام الذي يسبب ألما للطفل.
ووفقا لدراسة أجرتها الأستاذة ناتالي ساكس - اريكسون، في جامعة فلوريدا، على العنف اللفظي، وجدت ان الناس الذين تعرضوا لأي نوع من أنواع السباب خلال طفولتهم لديهم أعراض الاكتئاب و القلق أكثر من 1.6 ضعف من أولئك الذين لم يتعرضوا للسباب، ويتضاعف احتمال معاناتهم من اضطرابات القلق أوالمزاج أكثر في حياتهم.
وفي دراسة أخرى أجريت في جامعة نيو هامبشير، في أميركا شملت أكثر من 3000 أسرة اتضح أن %63 من الآباء أفادوا بحدوث واحدة أو أكثر من حالات العدوان اللفظي تجاه الأطفال في منازلهم.
أما في بريطانيا، فقد نشرت مجلة "لانسيت" الطبية مؤخرا، دراسة أشارت إلى أن %10 من الأطفال يعانون من واحد أو أكثر من مختلف أنواع الاعتداء، بما في ذلك العنف اللفظي أو الجسدي أو الاعتداء الجنسي.
وفي دراسة أجريت في جامعة الأحفاد بالسودان، على 75 أمّاً، وجد أن هنالك صلة بين حدوث العنف اللفظي والوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، مع زيادة واضحة بين الأسر الفقيرة.
للمزيد:
أنواع العنف اللفظي
أي من الأشكال الآتية يعد شكلا من أشكال العنف اللفظي:
- إطلاق أسماء على الطفل، أو استخدام لغة سوقية، بالإضافة إلى انتقاده باستمرار.
- الرفض أو التهديد بترك الطفل، أو تمني عدم وجود الطفل، وإعطاء الطفل الشعور بأن الأسرة لا تريده.
- التهديد بالضرر الجسدي: تهديد الطفل بضربه، مما يزيد مخاوفه.
- إلقاء اللوم البالغ على الطفل: فلوم الطفل الدائم، يمنحه الشعور بأنه شخص سيء يفعل الخطأ باستمرار.
- استخدام السخرية: فالتهكم على الطفل، يحط من اعتداده بنفسه.
آثار العنف اللفظي على الطفل
آثار العنف اللفظي على الأطفال بالغة جدا، وذلك لأن الطفل في محاولته التغلب على الشعور بأنه غير مرغوب فيه، يحاول أن يتكيف مع آثار الشتائم من أعز وأقرب الأقرباء له.
وفي بحث نشرته الدورية الأميركية للطب النفسي، كشف عن أن الإساءة اللفظية في الطفولة يمكن أن تجرح الأطفال بشدة.
وبعض من الآثار على الطفل ما يلي:
- تدني مستوى الاعتداد بالذات أو عدم الثقة النفس.
- اكتساب تدمير الذات مثل إيذاء نفسه عن طريق قطع الجلد بآلة حادة.
- السلوك المعادي، الذي قد يكون رد فعل بعض الأطفال من خلال إظهار سلوك عدواني، بضرب الأطفال الآخرين أو الشجار الدائم مع غيرهم من الأطفال.
ابني عمرو سنتين بيتواصل بصري مع الناس وبلعب وبضحك، وبحكي معهم بس ما بكون جمل. بقلد الحركات والكلام ويستجيب لبعض الطلبات بس أحيانا أنادي عليه ما يرد وعند حركة كثيرة هل لدى ابني اسباب مرضية ام وراثية؟
- سوء المعاملة المستمر قد يؤثر في نمو الطفل جسمانيا، واجتماعيا، وأكاديميا أو عاطفيا. وقد يبدأ الطفل بإظهار علامات الاضطراب العاطفي مثل مص الإبهام، أو التبول اللاارادي أو عدم التفوق الدراسي.
-على المدى الطويل، أظهرت الدراسات أن الطفل قد يكون عرضة للاكتئاب والقلق عند الكبر، وبعض الأطفال قد يلجأون للعنف كوسيلة للتفاهم.
لماذا يحدث العنف اللفظي؟
الامتعاض من الأطفال سهل جدا، ويحدث في كل أسرة.
أحيانا، الوالدان أو أي شخص آخر في الأسرة قد يفقد رباطة جأشه ويمكن أن يقول شيئا قد يؤذي الطفل بشدة.
وفي بعض الأحيان، الآباء والمعلمون والأقارب، ربما يقولون أشياء قاسية ومؤذية للطفل من دون إدراك ذلك، وهنا يحدث العنف اللفظي للطفل.
ورغم أن الآباء دائما يرغبون الأفضل لأطفالهم، ولكنهم في بعض الأحيان قد لا يدركون اثناء الانفعال، أو من تأثير الضغط أو لقلة مهاراتهم التربوية، إنهم يؤذون الطفل نفسيا وعاطفيا.
وتشير البحوث إلى أن معظم الآباء الذين يؤذون أطفالهم لفظيا قد تعرضوا لسوء المعاملة في الصغر.
للمزيد:
كيفية تحديد ومنع الإساءة اللفظية؟
من الصعب جدا تحديد العنف اللفظي إن وجد، لأنه لا توجد له علامات ظاهرة مثل علامات أو كدمات أو أي من الأشكال الأخرى التي يحدثها العنف البدني مثلا.
وهناك عوامل خطر محددة يمكن أن تبين أن الطفل قد يكون أكثر عرضة لسوء المعاملة العاطفية، مثل وجود تاريخ للعنف اللفظي في الأسرة، أو الحصول على نتائج ضعيفة في المدرسة، أو أن يكون الطفل معزولاً اجتماعيا، أو أن يظهر على الطفل سلوك معاد للمجتمع.
ماذا يمكننا أن نفعل؟
جميع الأطفال في حاجة إلى الشعور بالحب والقبول، وهم بحاجة أيضا إلى الرعاية والعناية، والاستقرار.
كآباء للأطفال من واجبكم تقديم ذلك لهم، والرأفة مهمة جدا. فكل طفل فريد من نوعه ولديه طريقته أو طريقتها، لذلك يجب عليك أن تراقب طفلك جيدا لتعرف السمات الإيجابية وتعلم التمتع بكل لحظة من طفولة طفلك.
وليس مهما أن يحقق طفلك ما تريده، ولكن المهم هو أن كل ما يقوم به ويفعله الطفل يكون بقناعته ورضاه ويحقق له السعادة.
اقتراحات للوالدين
- لا تخاف أبداً من الاعتذار لطفلك، وإذا فقدت سيطرتك وتفوهت بكلمات قاسية لطفلك، اعتذر.
- لا تطلق أسماء أو توجه اساءات إلى طفلك، أو تصرخ فيه. فطفلك يستحق الاحترام وتذكر ما يقال عن أن فاقد الشىء لا يعطيه، فإذا أردت ان يحترمك طفلك فعليك أن تحترمه.
- ركز على السلوك الذي يحتاج إلى تصحيح وليس على الطفل. وإذا فعل طفلك أي شىء خاطئ، تحدث معه وبين له أن ما فعله خطأ، ولا تصرخ في وجهه أو تعاقبه.
- تذكر دائما أن تنظر إلى الجانب الإيجابي من الأشياء، فإذا قام طفلك بعمل إيجابي تذكر الثناء عليه.
للمزيد:
العنف الجنسي ضد الأطفال وتداعياته النفسية
اقرا ايضاً :
يكون الاهتمام بالاطفال ونموهم السليم وصحتهم الجسدية على راس اولويات الوالدين لكن ذلك لا يكفي اذا كان الهدف هو توفير ... اقرأ أكثر