مرض ألزهايمر هو السبب الأكثر شيوعًا للإصابة بالخرف، ويُؤدي تدريجيًا إلى تدهور الذاكرة، والتفكير، والقدرة على التعلم، ومهارات التنظيم. ولكن تأثيره لا يقتصر على ذلك فقط! فقد كشفت دراسة أجرتها جامعة واشنطن في سانت لويس (WashU Medicine) أنه يربك الساعة البيولوجية في الجسم، مما يُسبب اضطرابات مزمنة في النوم، فكيف يحدث ذلك؟ وما تأثيره على مرضى ألزهايمر؟
اضطرابات النوم وألزهايمر: حلقة مفرغة لا مفر منها
من المعروف أن مرضى ألزهايمر يعانون اضطرابات نوم مزمنة، تبدأ غالبًا بصعوبة في الخلود إلى النوم ليلًا أو الاستيقاظ المتكرر خلال ساعات الليل، وقد تمتد إلى الإفراط في النوم نهارًا أو الإصابة بحالات انقطاع النفس أثناء النوم (Sleep Apnea) التي تزيد من إجهاد الدماغ.
كما من الشائع أن يُصاب المريض بمتلازمة الغروب، وهي حالة تُلاحظ بشكل متكرر في المراحل المتقدمة من المرض، حيث تزداد الاضطرابات السلوكية والعاطفية في ساعات المساء، وتشمل أعراضها الارتباك، والعدوانية والقلق.
ولكن الجديد في هذه الدراسة أن هذه الاضطرابات ليست مجرد أعراض جانبية لمرض ألزهايمر، بل هي عامل رئيسي يسرّع تدهور الدماغ والذاكرة؛ لأن اضطرابات النوم تزيد تراكم البروتينات السامة في الدماغ، وتراكم هذه البروتينات يُفاقم اضطرابات النوم؛ ليدخل الجسم في حلقة مفرغة من الفوضى التي تسرع ظهور أعراض الخرف!
اضطراب الساعة البيولوجية: علامة مبكرة لمرض ألزهايمر!
كشف الباحثون أن اختلال الساعة البيولوجية — تلك التي تضبط نومنا واستيقاظنا وإيقاع أجسامنا اليومي — لا يظهر في المراحل المتقدمة من ألزهايمر فحسب، بل قد يبدأ منذ المراحل الأولى وقبل سنوات حتى من فقدان الذاكرة، ليكون أحد المحرّكات الخفية لتطوّر المرض.
فالساعة البيولوجية ليست مجرد منبّه داخلي للنوم واليقظة، بل نظام دقيق ينظّم درجة حرارة الجسم، وإفراز الهرمونات، ونشاط الخلايا العصبية على مدار اليوم.
وعندما يختل هذا النظام، تفقد الخلايا العصبية قدرتها على العمل بانسجام، فتتعطل عمليات الإصلاح والتجديد التي تحدث أثناء النوم العميق، وتضعف قدرة الجسم على التخلص من البروتينات السامة التي ترتبط بمرض ألزهايمر، مثل أميلويد بيتا (Amyloid-beta) وتاو (Tau).
ومع تراكم هذه البروتينات في الدماغ، يزداد التلف والضرر في المناطق المسؤولة عن التفكير والذاكرة، مثل الحُصين (Hippocampus)، وهذا يُسرّع تطوّر المرض وتفاقم الأعراض.
دراسة تؤكد: ألزهايمر يُعيد ضبط الساعة البيولوجية والجينات!
أكدت الدراسة أن ألزهايمر لا يكتفي بسرقة الذاكرة، بل يعبث أيضًا بالساعة البيولوجية للدماغ، فقد وجد الباحثون أنه يؤثر على مئات الجينات داخل خلايا الدماغ، مثل الخلايا الدبقية، وهي الخلايا المسؤولة عن دعم وحماية الأعصاب، وتنظيف الدماغ من السموم.
ومع تراكم البروتينات السامة لدى مرضى ألزهايمر، خصوصًا أميلويد بيتا (Amyloid-beta)، يختل نظام هذه الخلايا، وتفقد قدرتها على أداء مهامها الطبيعية.
تجربة: كيف تُربك بروتينات ألزهايمر الساعة البيولوجية؟
وللتأكد من هذه النتائج، أجرى الفريق تجربة مخبرية على فئران معدّلة جينيًا لمحاكاة تطور المرض وتراكم بروتين الأميلويد بيتا داخل الدماغ، ثم قاموا بمراقبة نشاط الجينات داخل الدماغ لمدة 24 ساعة؛ لمعرفة كيف تتغير الساعة البيولوجية للجسم مع مرور الوقت.
وهنا كانت المفاجأة، فقد تأثرت مئات الجينات الموجودة في الخلايا الداعمة للدماغ، خصوصًا الآتي:
- الخلايا الدبقية الصغيرة (Microglia)، وهي خلايا مناعية تعمل كخط الدفاع الأول للدماغ.
- الخلايا النجمية (Astrocytes) المسؤولة عن إصلاح الأنسجة بعد الإصابة وامتصاص النواقل العصبية الزائدة.
كما ظهرت أنماط جينية جديدة ترتبط بزيادة الالتهاب والتوتر العصبي، وبمعنى آخر، أصبح الدماغ يعمل بتوقيت أو نظام مختلف عن بقية أجزاء الجسم، وهو ما يُسرّع تدهور الذاكرة وتلف الخلايا العصبية.
هل يُمكن إعادة ضبط الساعة البيولوجية للدماغ؟
رغم أن ألزهايمر يربك نظام الدماغ الداخلي ويعطل إيقاعه الزمني، إلا أن الأبحاث الجديدة تُظهر أن إعادة ضبط الساعة البيولوجية قد تكون ممكنة — بل وقد تمثّل خطوة واعدة لحماية الذاكرة وتأخير ظهور الخرف.
فقد وجد العلماء أن تنظيم النوم والإيقاع اليومي يمكن أن يُعيد بعض التوازن إلى الخلايا العصبية والداعمة في الدماغ، لتستعيد قدرتها على التخلص من البروتينات السامة والحد من الالتهابات المزمنة.
ويدرس الباحثون حاليًا التعرّض المنتظم للضوء الطبيعي نهارًا والعلاج الضوئي (Light Therapy) للمساعدة في إعادة ضبط دورة النوم والاستيقاظ. ويُفكرون بتطوير علاجات دوائية تستهدف الجينات المسؤولة عن تنظيم الساعة البيولوجية للجسم.
نصيحة الطبي
احرص على النوم والاستيقاظ في مواعيد ثابتة يوميًا، وتعرّض لأشعة الشمس في ساعات الصباح، وخصّص وقتًا لممارسة التمارين البدنية بانتظام؛ فهذه العادات البسيطة تساهم في تنظيم الساعة البيولوجية والحفاظ على توازن الدماغ حتى في المراحل المبكرة من المرض.
ورغم أن العلاج الشافي لمرض ألزهايمر لا يزال قيد البحث، فإن الالتزام بروتين يومي منتظم والنوم الكافي قد يشكّلان خط الدفاع الأول ضد تدهور الذاكرة وحماية خلايا الدماغ من التلف المبكر.