أبو القاسم الزهراوي المعروف في الغرب باسم Abulcasis، وهو طبيب عربي مسلم عاش في الأندلس. ويعتبر من أهم وأول الجراحين الذين ظهروا في العالم، ويطلق عليه أبو الجراحة الحديثة.
أشتهر بكتابه العظيم «التصريف لمن عجز عن التأليف»، الذي يعد موسوعة طبية. قدم الكثير من المخترعات والمساهمات الطبية التقنية، مما ترك بصمة عميقة بارجاء العالم، والتي لا تزال تستخدم للآن.
كان لاختراعات أبو القاسم الزهراوي ومساهماته الطبية سواء في التقنيات الطبية المستخدمة أو الأجهزة التي صنعها تأثيرها الكبير في الشرق والغرب، حتى أن بعض اختراعاته لا تزال مستخدمة إلى اليوم.
كان الزهراوي من الرواد الذين تكلموا عن الحمل المنتبذ، بالإضافة إلى اكتشاف الجينات الوراثية لمرض الهيموفيليا، ابتكار أبو القاسم الزهراوي خيطان حيوانية لخياطة الجروح الداخلية للإنسان من أمعاء القطط. (1)
متى ولد الزهراوي
كان الخليفة عبد الرحمن الثالث الخليفة الأموي في الأندلس قد أتم بناء مدينة الزهراء شمالي قرطبة، وذلك على اسم زوجته الزهراء عام 325 / 936، ونقل إليها عاصمته وبلاطه وحكومته، وفي ذلك العام خلف بن عباس على الأغلب في قرطبة ولكنه عاش في الزهراء وإليها نسب، ويرجع أنه لقي حتفه فيها في عام 404هـ/ 1013م أيام الفتنة الكبيرة حيث دمرت المدينة أيضاً.
وخدم في هذه المدينة الخلفاء المستنصر والمؤيد، وخدم معه في نفس الفترة أحمد وعمر ابن يونس بن أحمد الحراثي وابن موسى الأسيوتي ومحمد بن عبدون الحبلي العذري الذي ألف كتاباً في الكسير، وكذلك ابن جلجل الذي له عدة مؤلفات، ومن المحتمل أن يكون الزهراوي قد درس على يده أيضاً، وكان معاصراً لأبو عبد الله الندرومي وأبو بكر بن القاضي أبي الحسن الزهراوي في أشبيليه. (2) (3)
اقرأ أيضاً: تاريخ الطب عند العرب والمسلمين بين النظري والتطبيقي
مؤلفات أبو القاسم الزهراوي
يذكر د. كمال السامرائي من الأطباء الذين خدموا في بلاط الخليفة المستنصر، أبو بكر حامد بن سمحون وأبو عبدالله البكري، ويظهر أنه كان سابقاً لزمانه، فإن كل ما ترجم له ابن أبي أصيبعة أنه كان طبيباً فاضلاً خبيراً بالأدوية المفردة والمركبة حين العلاج، وله تصانيف مشهورة في صناعة الطب، وأفضلها كتابه الكبير المعروف بالزهراوي.
لخلف بن عباس الزهراوي من الكتب كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، وهو أكبر تصانيفه وأشهرها، وهو كتاب تام في معناه، مع أنه ابن أبي أصيبعة ولد بعد مئتي سنة من وفاة الزهراوي حوالي 600هـ، غير أننا نجد الكثير من الاقتباسات والاستشهاد به في كتاب "العمدة في الجراحة" لابن القف المتوفي عام 630هـ.
اقرأ أيضاً: ابن أبي أصيبعة
وقد ترجم الكتاب إلى اللاتينية في طليلطه من قبل جيراد الكريموني في القرن الثاني عشر، وأعيد طبع الترجمة في البندقية عام 1497، وطبعات عديدة في القرن السادس عشر، كما ترجمت إلى اللغة التركية في القرن الخامس من قبل شرف الدين بن علي الحاج إلياس مع تطوير للآلات.
وفي عام 1778 أخرج جون شاننغ "John Channing" طبقة أكسفورد، وفي فرنسا خرجت طبعة فرنسية عام 1861 عن لوسيان لكرك بعنوان "Le Chirurgie dalbucasis" وأصدر لوكنو "Lucenow" عام 1908 طبقة عربية مصدرة مع أشكال توضيحية، وطبعة انكليزية مع الأصل العربي، ورسم الآلات عن طريق سبنك ولويس ومعهد ولكم في لندن عام 1973، ونستعرض أهم الإضافات التي اقتبسها الأوروبيون:
- دراسة التهاب المفاصل وسل الصلب، ونسبت هذه الأمراض من بعد للإنكليزي بوت وسميت سؤبوت.
- طريقة فلخر Felcher الألماني المولد من اختراع الزهراوي، أو برفع الوالدة عند الوضع تسهيلاً للولادة.
- إمبرواز باريه A.Pare في منع كثر من الدم من الأوعية الدموية الكبرى.
- طريقة معالجة الكسور المفتوحة بترك طاقة في الحبس.
ولا يقف فضل الزهراوي على هذه الأمور فقد كتب السامرائي: "فكان أول من وصف الناعور (الهيموفيلي)"، وأول من ربط الأوعية الدموية بخيوط الحرير، وخاط الجروح بشعر ذيل الخيل، وأول من أشار إلى حالة الحمل خارج الرحم، وإلى المشيمة الميتة في الحبل، وأول من أشار إلى سلس البول بسبب البواسير المهبلية المثانية.
وهو أيضاً أول من شق حبب المياه أثناء المخاض لتعجيل الولادة، وأول من اكتشف ملقط التوليد الذي يعد من اختراعات أبو القاسم الزهراوي، وأول من تحايل على فحص الحوض عند البكور عن طريق المقعدة، وأول من وصف ضربات القلب الضائعة، أول من صور الآلة الجراحية المستعملة، فقد وصف حوالي مئتي آلة. (1) (3)
كتاب التصريف
ولقد استعرض الزهراوي في كتابه التصريف لمن عجز عن التأليف جميع الأمراض في المقالين الأولين، ثم الأدوية والمعاجين والترياقات، وتوسع في رصف الأدوية حيث كان له اهتماماً شديداً بها، ومنحها كثير من المقالات من الثالثة إلى التاسع والعشرين، وكرس المقالة الثلاثين للجراحة، فسماها "في العمل باليد من الكي والشق والبط والجبر والخلع".
وركز الزهراوي في مقدمة المقالة على التشريح: "والسبب الذي لا يوجد صانع محس بيده في زماننا هذا، لأن صناعة الطب طويلة وينبغي لصاحبها أن يرتاض قبل ذلك في علم التشريح". (3)
اقرأ أيضاً: المبادئ العامة للجراحة عند العرب
الباب الأول
في الكي، ويركز الزهراوي مرة أخرى على التمرن: "ألا أنه لا ينبغي أن يتصور على ذلك الأمر الأمن قد ارتاض ودرب في باب الكي دربه شديدة ووقف على اختلاف مزاجات الناس، وحال الأمراض في أنفسها وأسبابها وأعراضها ومدة زمانها".
وقد صمم الزهراوي عدة أشكال من المكاوي ورسمها في كتابه حسب أعراض العلاج والتدرج ونلخص هنا الاستعمالات التي ما زالت قائمة للكي:
- الكي كوسيلة للتعقيم.
- الكي كوسيلة لعلاج الناصور.
- في وقف النزيف.
وقد كان الكي يستعمل في كثير من المجالات وما زال يستعجل في الطب الشعبي كثيراً وقد خف استعماله كثيراً في الطب الحديث وقد خصص له الزهراوي ستة وخمسون فصلاً. (2)
اقرأ أيضاً: الجراحة عند العرب، في الكي والفصد والحجامة
الباب الثاني
في الشق والبط والفصد والجراحات ونحوها، ويضيف هنا أيضاً الآلات التي يستعملها في كل عملية، ويبدأ في وصف الأدوات التي يعالجها من الرأس إلى القدمين في سبعة وتسعين فصلاً، يتحدث فيها في أربعة فصول عن الأسنان وتثبيتها بالفضة والذهب، وقلعها، وكسر الفك وعلاجه، وعن علاج الأورام بالجراحة والسرطان:
ثم يتحدث عن أمراض الأطفال الخلقية، كالأطفال الذين يولدون ومواضع البول غير مثقوبة والمقعدة غير المثقوبة ويتحدث عن الطهور.
ثم يتحدث عن حقن المثانة بالزراقات، وفي إخراج الحصاة من المثانة، وعن إخراجها عند النساء: "ثم تسخن عليها عند قبالة نصب الفرج عند أصل الخد"، وهو أول من فعل ذلك، ثم عن الأدرة المائية واللحمية والمعائية والريحية التي مع دالية وبين علاجها الجراحي وعلاج الفتق الأربي.
ثم يتحدث عن أمراض النساء والولادة، ويصور الآلات التي يحتاج إليها في إخراج الجنين، وهو مخترع الملقط لإخراج رأس الجنين، ويتحدث عن أمراض المقعدة والبواسير والنواصير، وعلاجها الجراحي.
ثم يعرف العلاج العام لينتقل لشرح جراح البطن وخروج المعاء وخياطتها وأنواع الخياطة والمضاعفات المختلفة ويصف الخياطة مصران الحيوان "وقد يمكن أن يخاط المعاء أيضاً بالخيط الرقيق الذي يسل من مصران الحيوان اللاصق به".
ولعله أول من استعمل خيوط Cat Gut، ويتكلم عن بتر الأطراف والدوالي، ولعله أول من استعمل سل العروق بالطريقة الحديثة، ثم يتحدث عن إخراج السهام وعن الفصد والحجامة وتعليق العلق. (1)(2)
الباب الثالث
في الجبر، يتحدث في الباب الأول عن الكسور بشكل عام عن التشخيص والعلاج، أما الباب الثاني فيتحدث عن كسور الرأس ويصف التربنة:
"أما كيفية الثقب حول العظم المكسور فهو أن تجعل المثقب على العظم وتديره بأصابعك حتى تعلم أن العظم قد نفذ، ثم تنقل المثقب إلى موضع آخر وتجعل بعد ما بين كل ثقب قدر غلظ المرور أو نحوه، ثم تقطع بالمقاطع ما بين كل ثقبين وتفعل ذلك بغاية ما تستطيع عليه من الرفق كما قلنا حتى تقلع العظم إما بيدك أو بشيء آخر من بعض الآلات التي أعددتها لذلك مثل الخفق والكلاليب اللطاف، وينبغي أن تحذر كل الحذر أن يمس المثقب أوالمقطع شيء من الصفاق".
ويتابع وصفه مركزاً على العناية الفائقة إن لا ترجح أو تصيب الصفاق أو الدماغ وعلى إزالة كل العظام والخشونة الناتجة عن العمل، ويتحدث عن التشخيص والعلاج بالشد والربط والجبائر وعن الكسور مفصلة من الرأس إلى القدمين وعن المدة التي يحتاجها كل كسر على حدة.
وبعد، فإنه من السهل الآن في نهاية القرن العشرين أن ترى بساطة وبدائية الوسائل التي كان الزهراوي يشخص ويعالج بها ولكننا لا بد من النظر إلى الزهراوي كابن عصره واعتباره أنه:
- أضاف وصف أمراض جديدة لم تكن معروفة.
- أضاف علاجاً جديداً لم يكن معروفاً أيضاً وإذا كانت الجراحة معروفة كصناعة اليد، فإن الزهراوي أولاها اهتماماً جديداً وحاول في ضمن ظروفه أن يعالج بواسطتها ما رآه ممكناً وضرورياً.
- أضاف آلات جديدة ورسمها وبينها لتلاميذه وهو وإن كان لم يلاق الاهتمام المناسب من معاصريه فإن ما بدأه قد استمر قرون كثيرة حتى وصل إلى المستوى الحديث من الجراحة العصرية ولا بد في هذه المرحلة أن نتذكر أوائل الجراحين الذين وضعوا الأسس في مرحلة صعبة للغاية.
قرأ الزهراوي كتب الأطباء الذين سبقوه فهو يذكر جالينوس وأبو قراط وباول الأجيني من الإسكندرية ولعل الأخير هو الأكثر تأثيراً في أبي القاسم. (2) (3)