تحمل الكوارث عنصرين هامين أنها مفاجئة وتؤثر على مجموعة كبيرة من الناس، وبالتالي تتخطى قدرات الفرد على تحملها والتعامل معها، وقد يكون من الصعب على عناصر الدعم النفسي العادية أن تسعف ضحايا الكوارث؛ فقد لا يجد الفرد أسرته ولا أهل الحي الذي يسكنه، أو قد يفقد منهم الكثير، إضافة إلى فقدان المادة من أملاك ومنزل وغيرها، وهذه الخصوصية في الكوارث تجعل رد الفعل النفسي لها ذو مواصفات خاصة.

مراحل ردود الفعل النفسية

يمكن فهم رد الفعل هذا في خمسة مراحل:

الصدمة

عند حدوث الكارثة فإن معظم الأفراد يصاب بصدمة ويصاب بالهلع، والوجوم، والخوف، والإضطراب الشديد، ويفقد معظم الأفراد قدرتهم على الحكم والتقييم الصحيح للواقع، فالمعطيات والمعلومات قليلة، وقد يتصرف البعض بتهور وحماقة ولا مبالاة؛ فقد يقفز إلى الماء لإنقاذ شخص ما، أو يدخل إلى بيت ينهار أو مشتعل بالنيران، وكثيراً ما تؤدي حالة الإضطراب لدى الأفراد والجماعات إلى المزيد من الضحايا والخسائر، مثل التدافع و الإزدحام في محاولات الهروب، ومحاولات الإنقاذ غير المدروسة، وبعض التصرفات تبدو وكأنها انتحارية. لذلك فإن أهم ما في هذه المرحلة أن يكون هناك مصدر واضح للتعليمات والمعلومات، وإدارة الكوارث تتطلب إعطاء الفرد والمجموعة التصرف الصحيح دون ترك الأمور معومة يتصرف فيها الضحية الواقع تحت تأثير الكارثة بأحكامه المهزوزة.

للمزيد: كيف نتعامل مع فقدان شخص عزيز ؟

البطولة

ما أن يدرك الناس أن كارثة قد وقعت تظهر قيم الشجاعة، والإقدام، وروح التعاون، والإيثار، والترابط بين الجيران وفق الطوارئ، ويكون النشاط الإيجابي في هذه المرحلة عامل مهم للسيطرة على القلق، والاكتئاب، والخوف، والحزن، والتوتر، وقد يبالغ البعض في البطولة لدرجة الإنهاك والإنهيار الكامل، بعد العمل المتواصل لأيام دون راحة أو طعام أو شراب، وفي هذه المرحلة لا بد لإدارة الكوارث أن تستفيد من إيجابية التعاون والمساعدة، ولكن يجب ألا تسمح بالإنهاك والمبالغة، وبالتالي فإن فرق الإنقاذ لا بد أن تأخذ القيادة وتوجه المتحمسين من الناجين إلى الأولويات والأسلوب الصحيح في المساعدة دون المكابرة على المشاعر الإنسانية الحقيقية.

شهر العسل

تبدأ هذه المرحلة بالظهور في الأسبوع الأول من الكارثة وقد تمتد لعدة شهور، وتستمر فيها روح التعاون و المساعدة وتبدأ الإمدادات المادية البشرية والمالية بالوصول، ويستعيد فيها الضحايا نمط للحياة، فيها إتكال كبير على الموارد الخارجية، والتي قد تفوق أحياناً الموارد الأصلية للأفراد، وفي هذه المرحلة كثيراً ما تضيع المشاعر، ولا يكترث أحد للحالة النفسية للضحايا، ولا يستمع أحد للشكاوي النفسية، مما قد يرهق البعض، ولكن الجو الإيجابي العام يكون هو الغالب.

اقرأ أيضاً: نصائح مهمة لصحة نفسية جيدة

الحقيقة المرة

تبدأ هذه المرحلة بعد شهرين على الأغلب وقد تستمر لسنة أو أكثر، وفيها الكثير من الحزن وخيبة الأمل، والإحباط والغضب الشديد، وقد يتسلل للضحايا شعور الغيرة والحقد على الآخرين، وقد يصل إلى العدوانية والعنف ومحاولة الإنتقام من أولئك الذين لم تصيبهم الكارثة، وغالباً ما تبدأ فرق الطوارئ بالانسحاب، ويأخذ الناس وعود كثيرة من المسؤولين الذين زاروهم، ولكن الوعود لا تتحقق والخسارة لم تعوض، والمعاناة تزداد وحسرة الخسارة المادية والمعنوية تتصدر المشاعر، وقد تظهر نزاعات وخلافات بين الضحايا أنفسهم في هذا الجو، وكل المشاعر التي كانت مكبوتة تظهر مشتعلة الآن، وغالباً لا يتوفر أسلوب علمي للتعامل مع الأوضاع النفسية الصعبة التي يعانيها الناس، ناهيك عن الأوضاع المادية المعقدة.

البناء

بعد المرارة والقنوط واليأس يدرك الناس أن الأمور لا يجوز أن تبقى على حالها، وأنه لا بد من استمرار الحياة وإعادة البناء والتعمير، والعودة للعمل، والاعتماد على النفس، وقد تتطلب هذه المرحلة سنة أو أكثر وتعتمد على حجم الكارثة وعدد الضحايا والخسائر، وفيها يسعى العديد من الضحايا لطلب المساعدة النفسية، فمنهم ما زال يرى صور الضحايا، وآخر يشم رائحة الجثث المتعفنة، وهناك من يصاب بالكوابيس والخوف من تكرار الكارثة، وهناك من يدرك حجم الخسارة، كمن فقد عائلته وبيته و متجره، وتظهر حالات نفسية كثيرة ومتشعبة، وخصوصاً إذا لم تكن إدارة الكوارث قد أخذت البعد النفسي في حساباتها منذ اليوم الأول، وتتراوح ردود فعل الناس حسب شخصياتهم، وظروفهم ومعتقداتهم، وأعمارهم، وظروف معيشتهم.

للمزيد: كيف نتعامل مع ضحايا الحروب ؟ 

كيفية التعامل الصحيح مع ردود الفعل الناجمة عن الكوارث

من أجل التعامل الصحيح مع ردود الفعل النفسية لابد من أخذ النقاط التالي في الإعتبار:

  • معرفة فرق الطوارئ وإدارة الكوارث بالأبعاد النفسية.
  • وجود خبراء نفسيين ضمن فرق إدارة الكوارث.
  • نشر الوعي بين الناس عن الأسلوب الأصح في التصرف بالكوارث.
  • الإهتمام الكبير بوصول المعلومات الصحيحة لضحايا الكارثة ، مثل حجم الدمار ، أسماء الجرحى وأسماء القتلى ، وتوقعات الخبراء عن إحتمال تكرار الزلزال أو الفيضان.
  • توفير مراكز إسعاف نفسي في منطقة الكارثة.

للمزيد: أسباب، أعراض وعلاج اضطراب القلق والاكتئاب المختلط

الأخلاقيات والسلوك في إدارة الكارثة

لابد من وضع قضية الأخلاق والسلوك موضع الاعتبار في التخطيط للكوارث وإدارتها، ذلك أن الكوارث تؤدي لانهيار أنظمة الضبط الإجتماعي المختلفة، وينصب الاهتمام كله على الكارثة نفسها وضحاياها، مما يطلق العنان لبعض الأفراد في التصرف اللاأخلاقي والسلوك المنحرف والإجرامي، ولذلك لا بد أن تراعي إدارة الكوارث النقاط التالية:

  • غياب قوات الأمن عن الأماكن المحروسة عادة كالبنوك والمباني الكبيرة والفنادق والمتاحف، مما يجعل السرقة سهلة ما لم يكن هناك خطة أمنية بديلة لدى إدارة الكوارث.
  •  الزلازل والحرائق والفيضانات تؤدي لتصدع المنازل والمحلات التجارية والمستودعات، ويصبح من السهل التسلل إليها بحجة الإنقاذ والإسعاف، ولكن الغاية تكون مختلفة، إما السرقة أو التعدي الأخلاقي وخلافه.
  • الإتجار بالحاجيات الأساسية وفتح سوق سوداء للمواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب، ثم للمواد القادمة من المساعدات (طعام وملابس وأدوية وغيرها)، وهذا يتطلب دقة كبيرة في التصدي سلفاً لمثل هذه المحاولات.
  • الأنانية وتفضيل الذات بصورة كبيرة تعيق الجهد الجماعي والتوزيع العادل للخدمات والمساعدات القادمة.
  • وصول بعض المنحرفين وأصحاب السوابق لموقع الكارثة من أماكن أخرى، ولا يكون هناك مبرر لتواجدهم ويعيقوا العمل، ويؤثروا على الضحايا ويزعجوهم، كما يستغلوا كل فرصة للإخلال بالأمن و الإنضباط المطلوب.
  • اندفاع بعض الناس إلى عمليات الإنقاذ بحماس كبير بحثاً عن أشياء ثمينة (ذهب، مال، مجوهرات)، وقد يدعوا أنهم من سكان العمارة أو أنهم من فرق الإنقاذ.
  • مسرح الكارثة أرض خصبة للنصب و الاحتيال بشتى الأساليب والطرق، أبسطها الإدعاء بأن الشخص طبيب أو ضابط أو مسؤول، أو أنه ضمن بعثات الإغاثة، وابتزاز الناس بأنه يملك أوراق رسمية تخصهم أو لدية طريقة لإسترداد ما فقدوه، وغالباً ما يكون النصابين من الأذكياء ذوي المظهر الخادع.
  • الانتقام والثأر: ضمن غياب النظام هناك من يستغل الفرصة لتصفية حسابات وأحقاد قديمة، وقد يقتل أو يغتصب أو يزيد في دمار منزل أو متجر، وذلك على اعتبار أنه من الصعوبة اكتشافه واكتشاف عمله.
  • الآثار النفسية والاجتماعية للكارثة تؤدي إلى سلوكيات عديدة في كل مرحلة من المراحل، وهذه السلوكيات لا بد من مراقبتها والحد من تطرفها، و الإستفادة من إيجابياتها بمتابعه حثيثة من خبراء إدارة الكارثة.
  • المبالغة بالتهويل أمام وسائل الإعلام وكبار المسئولين والزوار، واستدرار العطف والمزيد من المساعدة، بما يتناقض مع التقارير الرسمية، ويؤدي لحدوث بلبلة وارتباك شعبي ورسمي.

اقرأ أيضاًَ: الإنقاذ المتخصص لمختلف أنواع الحوادث

أما بالنسبة لفرق الإنقاذ والطوارئ والعاملين فيها فلا بد أيضاً أن يتم التركيز على سلوكياتهم وأخلاقهم وأن يكون هناك ضمن خطة عمل الإدارة ما يكفل السلوك المناسب والأخلاق الحميدة في العمل وسط فوضى الكارثة وهذا يتطلب:

  • التأكد من هوية ومؤهلات العاملين في الإنقاذ والمتطوعين القادمين، ومتابعة أسلوب عملهم من قبل مشرفين وخبراء معروفين للإدارة
  • الحرص على أن لا تتم عمليات سرقة و احتيال ونصب من قبل فرق الإنقاذ والمتطوعين.
  • العمل ضمن برامج محددة تسمح بالكشف عن أي خلل في سلوك العاملين.
  • استبعاد كل من يظهر عليه سلوكيات سلبية أو أخلاقيات غير مناسبة، وردعهم ومحاسبتهم إذا تطلب الأمر.
  • إظهار السيطرة والحزم والقوة والتنظيم يخفف من المشاكل بين الضحايا والمنكوبين وبين العاملين في الإنقاذ بأشكاله المختلفة.

وليس من الحكمة أبداً أن تفترض إدارة الكوارث حسن النية والأخلاق الطيبة والسلوك الإيجابي لدى الجميع وتفاجأ بالسلبيات والأخلاق المختلفة السابق ذكرها، ولذلك يجب أن تكون ضمن الخطط والترتيبات إحتياطات خاصة لكل ما سبق.

اقرأ أيضاً: كيف نتعامل مع أطفالنا في وقت الحرب؟