يعد سرطان الغدد اللعابية نوعًا نادرًا من سرطانات الرأس والرقبة؛ حيث يشكل 6- 8 % فقط من إجمالي هذه السرطانات، ولكن لحسن الحظ، يمكن أن تصل نسب النجاة منه إلى 100% حسب نوع السرطان ومدى انتشاره في الجسم. [1]
وفي هذا المقال قدمنا لك دليلًا شاملًا حول سرطان الغدد اللعابية وأعراضه وطرق علاجه.
محتويات المقال
سرطان الغدد اللعابية
سرطان الغدد اللعابية (Salivary gland cancer) هو نوعٌ من أورام الرأس والرقبة يُصيب الغدد اللعابية، وهي الغدد المسؤولة عن إنتاج اللعاب الذي يحتوي على إنزيمات تُساعد على هضم الأطعمة جزئيًا في الفم قبل بلعها، كما أنه يساعد على ترطيب الفم. [2]
تقسم الغدد اللعابية إلى نوعين رئيسيين: الغدد اللعابية الرئيسية والغدد اللعابية الصغيرة، ويمكن أن تنشأ الأورام في أي من هذه الغدد، وتتضمن الغدد اللعابية الرئيسة (Major salivary glands) الآتي: [2][3]
- الغدد النكافية (Parotid glands):
تُعد أكبر الغدد اللعابية، تقع أمام الأذنين، وهي أشهر مكان لتكوّن أورام الغدد اللعابية. معظم هذه الأورام تكون حميدة، إلا أنها قد تكون خبيثة (سرطانية) أيضًا.
- الغدد تحت الفك السفلي (Submandibular glands):
تقع أسفل الفك السفلي من كل جانب، وحوالي 10- 20% من أورام الغدد اللعابية تظهر في هذه الغدد، ونصف هذه الأورام يكون خبيثًا.
- الغدد تحت اللسان (Sublingual glands):
تُعد أصغر الغدد اللعابية الرئيسية، وتقع أسفل اللسان من كل جانب، ومن النادر أن تنشأ الأورام في هذه الغدد.
أمّا الغدد اللعابية الصغيرة (Minor salivary glands)؛ فهي مئات من الغدد الصغيرة جدًا لدرجة أنه لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وهي تنتشر في سقف الفم، وتحت بطانة الشفتين واللسان، وداخل الخدين، والأنف، والجيوب الأنفية والحنجرة أيضًا. [3]
ومن النادر أن تظهر الأورام في الغدد اللعابية الصغيرة، إلا أنها غالبًا ما تكون من النوع الخبيث (السرطاني)، وتبدأ عادةً في سقف الفم. [3]
أعراض سرطان الغدد اللعابية
تختلف أعراض سرطان الغدد اللعابية حسب موقع الورم، وحجمه ومدى انتشاره، لكن تتضمن الأعراض الشائعة الآتي: [4]
- كتلة أو تورم أمام الأذن أو في الرقبة.
- ارتخاء أو ضعف في جانب واحد من الوجه.
- خدران أو تنميل في الوجه.
- انتفاخ أو تقرح داخل الفم لا يختفي أو يزداد سوءًا مع الوقت.
- صعوبة في البلع أو فتح الفم بشكلٍ كامل.
ومع أنّ هذه الأعراض عامة وتُشبه أعراض حالات أخرى أقل خطورة، مثل حصوات الغدد اللعابية، إلا أنّ استمرارها لبضعة أسابيع دون تحسن يستدعي مراجعة الطبيب في أقرب وقت لإجراء الفحوصات اللازمة، حيث إن التشخيص المبكر يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في علاج سرطان الغدد اللعابية، وفرص شفائه. [4]
أسباب سرطان الغدد اللعابية
يمكن لأي شخص أن يُصاب بسرطان الغدد اللعابية، وبالرغم من وجود عوامل خطر تزيد من احتمالية الإصابة به، إلا أن معظم حالات سرطان الغدد اللعابية تحدث دون سبب واضح أو معروف. [5]
وبشكلٍ عام تتضمن عوامل خطر الإصابة بسرطان الغدد اللعابية الآتي: [2][5]
- التقدم في العمر، فهو أكثر شيوعًا بين كبار السن.
- وجود تاريخٍ عائلي للإصابة بسرطان الغدد اللعابية.
- التعرض للعلاج الإشعاعي، وذلك عند الإصابة بأنواعٍ أخرى من سرطانات الرأس والرقبة.
- التدخين.
- عوامل أخرى أقل شيوعًا، يُعتقد أنّها تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الغدد اللعابية، مثل:
- التعرض المستمر لبعض المواد الكيميائية أثناء العمل في مجالات الصناعة، مثل المعادن، أو المطاط، أو السباكة، أو الأسبستوس أو النجارة.
- العدوى الفيروسية، مثل الأنواع عالية الخطورة من فيروس HPV، أو فيروس الإيدز (HIV)، أو فيروس إبشتاين-بار (EBV).
- استخدام الهواتف المحمولة المفرط.
- اتباع نظام غذائي قليل الخضراوات وغنيٍ بالدهون الحيوانية، مثل الزبدة أو السمنة.
تشخيص سرطان الغدد اللعابية
يبدأ التشخيص عادة بإجراء فحص بدني شامل للفم والمناطق المحيطة به، مثل الفك، والأذنين والوجه؛ بحثًا عن أي كتل أو تورمات غير طبيعية، ثم يُطلب الطبيب إجراء مجموعة من الفحوصات؛ للتأكد من وجود الورم وتحديد نوعه ومدى انتشاره، ومن فحوصات تشخيص سرطان الغدد اللعابية: [2][4]
التنظير الأنفي
يستخدم الطبيب منظارًا رفيعًا ومرنًا مزودًا بكاميرا وضوء صغير لفحص داخل الأنف وفم بحثًا عن أي كتل غير ظاهرة، أو تغيرات غير طبيعية. [4]
الفحوصات التصويرية
تُساعد في الكشف عن الورم، وتحديد حجمه ومكانه، وما إن كان انتشر إلى أماكن أخرى، وتتضمن واحدة أو أكثر من الآتي: [2][4]
- الموجات فوق الصوتية (Ultrasound).
- الأشعة السينية (X-ray).
- الصورة الطبقية (CT scan)، وقد يُستخدم معها الصبغة الملونة للحصول على صور أوضح.
- الرنين المغناطيسي (MRI)، ويُستخدم معه الصبغة الملونة أيضًا.
- الصورة النووية (PET)، والتي تبحث عن مناطق ذات نشاط خلوي عالي، وهو مؤشر يدل على السرطان.
الخزعة
تُعد الخزعة الفحص الأدق لتشخيص سرطان الغدد اللعابية، حيث تُؤخذ عينة من الأنسجة لفحصها تحت المجهر، ويختار الطبيب نوع الخزعة الأنسب لتشخيص سرطان الغدد اللعابية حسب الحالة، ومنها: [2]
تُستخدم إبرة رفيعة لسحب عينة صغيرة من الأنسجة، وهي الطريقة الأكثر شيوعًا عندما يشك الطبيب بوجود سرطان الغدد اللعابية.
- الخزعة الجراحية (Incisional biopsy):
يفتح الطبيب شقًا صغيرًا لإزالة جزء من الأنسجة أثناء الفحص.
- الجراحة المباشرة:
إذا أكدت الفحوصات التصويرية وجود ورم، قد يوصي الطبيب بإجراء جراحة لاستئصال الورم دون الحاجة لخزعة مُسبقة، حيث تُؤخذ عينة من الأنسجة بعد استئصالها في هذه الحالة.
علاج سرطان الغدد اللعابية
يعتمد العلاج الأنسب لسرطان الغدد اللعابية على نوع الورم، حجمه، موقعه، ومدى انتشاره، وتتضمن طرق العلاج الآتي:
الجراحة (Surgery)
تُعد الجراحة العلاج الأساسي لمعظم أنواع سرطان الغدد اللعابية، حيث يستأصل الطبيب الورم بالكامل، مع الأنسجة والغدد المحيطة أيضًا؛ للتأكد من القضاء على السرطان بالكامل، واعتمادًا على نوع السرطان وسرعة انتشاره، قد يستأصل الطبيب العقد اللمفاوية المحيطة أيضًا. [6]
بعد الجراحة، قد يُوصي الطبيب بالعلاج الإشعاعي لتدمير أي خلايا سرطانية متبقية، وتقليل خطر عودة السرطان، وهو ما يُعرف بالعلاج المُساعد (Adjuvant therapy). [6]
العلاج الإشعاعي
يستخدم الطبيب أشعة عالية الطاقة لتدمير الخلايا السرطانية أو منعها من النمو، وعادةً ما يلجأ إليه بعد الجراحة؛ للتأكد من القضاء على الخلايا السرطانية المتبقية بالكامل، أو كنوع من العلاج التلطيفي (Palliative therapy)؛ لتخفيف الأعراض وتحسين جودة حياة مريض السرطان. [6]
ولكن في بعض الحالات التي لا يمكن فيها إجراء الجراحة بسبب موقع الورم، أو لرغبة المريض بعدم إجراء الجراحة، قد يكون العلاج الإشعاعي هو العلاج الوحيد والأساسي لسرطان الغدد اللعابية (مع أو بدون العلاج الكيماوي). [7]
العلاج الكيماوي
يُعطى العلاج الكيماوي على شكل حبوب أو حقن، ويُساعد على تدمير الخلايا السرطانية، أو منعها من الانتشار، ولكنه لا يُستخدم كثيرًا في علاج سرطان الغدد اللعابية؛ بسبب انخفاض فعاليته في علاج هذا النوع من السرطانات، ولكن عادةً ما يلجأ إليه الطبيب في الحالات المتقدمة، أو عندما ينتشر السرطان إلى أجزاء أخرى من الجسم. [8]
وقد يُعطى العلاج الكيماوي في نفس وقت العلاج الإشعاعي فيما يُعرف بـ "العلاج الكيماوي الإشعاعي"؛ لاستهداف الخلايا السرطانية الصغيرة جدًا، والتي لا يُمكن إزالتها أثناء العملية الجراحية، ولكن لا يزال هذا الاستخدام محدودًا وحسب الحالة الفردية للمريض. [8]
اقرأ أكثر حول: الفرق بين العلاج الإشعاعي والكيميائي.
العلاجات الحديثة
أظهرت بعض علاجات سرطان الغدد اللعابية الحديثة نتائج واعدة عند اختبارها في التجارب السريرية، ومنها: [9]
- مُعزّزات العلاج الإشعاعي (Radiosensitizers):
وهي أدوية تزيد من حساسية الخلايا السرطانية للعلاج الإشعاعي، مما يزيد من فعاليته.
- العلاج المناعي (Immunotherapy):
وهو علاج يحفز الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها.
- العلاج الموجه (Targeted Therapy):
وهو علاج يستهدف الطفرات الجينية في الخلايا السرطانية؛ مما قد يُوقف نمو السرطان أو يقضي عليه.
الإقلاع عن التدخين جزء أساسي من العلاج!
إذا كنت مدخنًا، فإن الإقلاع عن التدخين (يُفضّل قبل بدء العلاج) يُعد واحدًا من أهم الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتحسين فرص الشفاء من سرطان الغدد اللعابية؛ فالتدخين يزيد من خطر الآثار الجانبية المرتبطة بالعلاجات مثل الجراحة أو الإشعاع أو العلاج الكيماوي، ويؤثر في فعاليتها، كما أنه يزيد من احتمالية عودة سرطان الغدد اللعابية، أو الإصابة بنوع جديد من السرطان. [8]
الإقلاع عن التدخين لا يُعزز فقط فرص الشفاء من سرطان الغدد اللعابية، بل يُحسن الصحة العامة، ويُقلل من أي مضاعفات محتملة، وإذا كنت بحاجة إلى دعم، فيمكنك الاستعانة ببرامج متخصصة أو استشارة أخصائي لمساعدتك على الإقلاع عن التدخين نهائيًا. [8]
نسبة الشفاء من سرطان الغدة اللعابية
يُمكن التعبير عن نسب الشفاء من السرطان باستخدام معدلات البقاء على قيد الحياة لفترة زمنية معينة، والتي تكون 5 سنوات غالبًا، وتختلف نسب شفاء مريض سرطان الغدد اللعابية حسب نوع الورم، وموقعه، ومرحلة انتشاره عند التشخيص. [10]
فعلى سبيل المثال تكون نسبة بقاء المريض على قيد الحياة لمدة 5 سنوات حسب مرحلة السرطان كما يأتي: [1][10]
- إذا كان السرطان محصورًا في الغدة فقط: تصل نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات إلى 94% أو أكثر.
- إذا انتشر السرطان إلى الأنسجة المجاورة أو العقد الليمفاوية القريبة: تقل النسبة إلى حوالي 70%.
- إذا انتشر السرطان إلى أعضاء أو أنسجة بعيدة كالرئتين: تنخفض النسبة إلى 43%.
ولكن هذا لا يعني أنّه يُمكننا تحديد كم يعيش مريض سرطان الغدد اللعابية، فهذه النسب لا تأخذ بعين الاعتبار العوامل الفردية، مثل الصحة العامة، ومدى استجابة الجسم للعلاج، والعوامل الشخصية الأخرى التي قد تؤثر في النتائج، لذلك، من الضروري مناقشة الحالة الخاصة مع الطبيب لفهم توقعات الشفاء بشكل أدق.
الوقاية من سرطان الغدد اللعابية
لا توجد طريقة مؤكدة للوقاية من سرطان الغدد اللعابية، لكن يمكن تقليل خطر الإصابة بشكل عام من خلال تجنب بعض عوامل الخطر المعروفة، خاصةً الإقلاع عن التدخين. [9]
نصيحة الطبي
يُعد سرطان الغدد اللعابية من السرطانات النادرة، وتختلف أعراضه حسب موقع وحجم السرطان ومدى انتشاره، ولكنه قد يُسبب كتلة أو تورم أمام الأذن أو في الرقبة، وخدران وتنميل في الوجه، ويُعد من السرطانات القابلة للعلاج، ويُمكن أن تصل نسب الشفاء إلى 94% أو أكثر إذا اكتشف مبكرًا.
والآن بإمكانك استشارة طبيب متخصص عن بُعد عبر موقع الطبي، في أي وقت ومن أي مكان، للحصول على الدعم الذي تستحقه.