في الطب اليوناني القديم كان المرض يعتبر عقاباً، والشفاء يعتبر هدية، لكن بحلول القرن الخامس قبل الميلاد، أصبح التوجه نحو تحديد الأسباب المادية للمرض وليست الروحية، وقل الاعتماد على الخرافات، وفي المقابل اتجه الأطباء نحو البحث العلمي، والبدء بدراسة الجسم، والبحث حول العلاقة بين الأعراض وأسباب المرض، وتجربة نجاح أو فشل عدة أنواع من العلاج، وفي الحقيقة فإن الطب عند اليونان القديمة لا يعتمد فقط على المعرفة، وإنما على عدة عوامل ومعتقدات، مثل التقاليد الاجتماعية، وجنس المريض.
التشخيص والعلاج في الطب اليوناني
استخدم الأطباء طرق التشخيص التي لا تختلف كثيراً عن الطرق المستخدمة في هذا الزمان، والعديد من طرق العلاج المنزلية تشابه التدابير المنزلية التي يوصى باتباعها حالياً، يبدأ التشخيص بالفحص السريري، الذي يتضمن الفحص الجسدي، وتتضح أهمية أبو الطب عند اليونان من خلال اتباع الأطباء توجيهات كتاب أبقراط في التشخيص، وطرق التخلص من المرض.
يعتقد الأطباء اليونانيين بأن العلاج الطبيعي والعشبي هو من أفضل العلاجات، وفيما يلي أمثلة على بعض العلاجات المذكورة في كتاب أبقراط:
- أمراض الصدر: تعالج بشرب حساء الشعير، مع الخل والعسل، للتخلص من البلغم.
- ألم في الجانب: يعالج في الطب اليوناني بغمس اسفنجة ناعمة في الماء، ووضعها برفق على مكان الألم، وإذا وصل الألم إلى عظمة الترقوة (بالإنجليزية: Collarbone)، فإن الطبيب يسحب الدم بالقرب من المرفق، حتى يصبح لون الدم المتدفق أحمر فاتح.
- التهاب الرئة: يوصي الأطباء مرضى التهاب الرئة بالبقاء بالحمام لتخفيف الألم، والتخلص من البلغم.
للمزيد: ما هو علاج كثرة البلغم وكثافته؟
المزاجات الأربعة في الطب اليوناني
أوجد أبقراط نظرية المزاجات الأربعة في الطب اليوناني القديم، وهي أربع مواد أساسية توجد في جسم الإنسان: العصارة الصفراء، والعصارة السوداء، والدم، والبلغم، وتحدد هذه المزاجات الصحة الجسدية والعقلية لأي شخص، علماً بأنها ترتبط بعناصر الطبيعة الأربعة وهي الأرض والنار والهواء والماء، وقد تحدث بعض التباينات حسب عمر وجنس الشخص.
وتبعاً لهذه النظرية فإن سر الحفاظ على الصحة يكمن بتوازن هذه المزاجات الأربعة، وأي زيادة أو نقص بها قد يشير إلى وجود مرض ما، ويعد الطعام أهم الطرق للحفاظ على هذا التوازن، وفي بعض الحالات فإن الأطباء قد يوصون بتناول دواء مقيئ، أو يقومون بإجراء فتح أحد الأوردة ليسيل دم المريض، بهدف موازنة أي خلل حاصل، وعلى الرغم من أن هذه النظرية تبدو غير غريبة وغير منطقية، إلا أنها في الحقيقة شكلت أولى الخطوات في طريقة ربط الأمراض الجسدية بالبيئة المحيطة بالمريض، وساعدت في وضع أفكار جديدة في علم الأمراض.
الإجراءات الجراحية في الطب اليوناني
بسبب الحروب المستمرة في ذلك الوقت فإن الأطباء أصبح لديهم خبرة عملية في الإسعافات الأولية، وفي تدبير العظام المكسورة، أو الأطراف الملتوية، بالإضافة لعمليات البتر التي تجرى بهدف وقف انتشار الغرغرينا، وقد كانوا يغلقون الجرح باستخدام الخيوط، ثم وضع اسفنجة منقوعة بالخل أو النبيذ أو الزيت أو الماء، أو العسل، أو النباتات المجففة، وينصح المريض بعد ذلك بتناول الأطعمة التي لها خصائص مضادة للالتهاب، مثل الكرفس وغيره.
لم يكن هناك إدراك لفكرة انتشار العدوى، فمثلاً كانوا يعتقدون أن القيح مفيد لإزالة السموم من الجسم، وظلت هذه الفكرة منتشرة حتى العصور الوسطى، ويجدر بالذكر أنه بسبب عدم وجود أدوية مخدرة ومطهرة فعالة، فإن اليونانيين القدامى لم يتمكنوا من إجراء عمليات جراحية داخل جسم الإنسان.
أما فيما يخص جراحة العظام؛ فإن أبقراط قدم ثلاث أطروحات في جراحة العظام، وهي المفاصل، والكسور، والجراحة، وقد تم تقديم محتوى هذه الأعمال إلى العالم الغربي، عن طريق المخطوطات التي جمعت في القرنين الأول والثاني الميلادي، علماً أن الأعمال الأصلية لم تعد موجودة، وتهتم جراحة العظام بالحد من التشوهات الجسدية، ومحاولة إعادة تنظيمها، وما زالت الأطروحات التي قدمها أبقراط تظهر تقارباً في الممارسات الحديثة، لتقنية معالجة الاختلالات والكسور.
اقرأ أيضاً: ماذا يحدث خلال العملية الجراحية
تطوّر الطب اليوناني
بمرور الوقت بدأ الأطباء يكتسبون مبادىء التشريح البشري الأساسية، إذ بدأ الأمر بتشريح الحيوانات منذ القرن الرابع قبل الميلاد، لكن كان هناك بعض الاحتجاجات التي تعترض على استخدام الحيوانات لهذا الغرض بوصفه قاسياً، وفي الحقيقة فإن نقص المعرفة العلمية أدى إلى حدوث عدة أخطاء أساسية، فمثلاً كان أرسطو يعتقد أن القلب وليس الدماغ هو من يتحكم في الجسم، وأن الألم الجسدي يجعل الجسم غير قادر على استيعاب بعض الأطعمة.
على الرغم من أن الطب اليوناني قد اشتمل على العديد من الأخطاء، التي كانت قاتلة في بعض الأحيان، لكن عموماً فإن اتجاه مهنة الطب كان يتجه في الاتجاه الصحيح، من الملاحظة ثم التجربة، وقد تابعت العصور التالية من الرومانية والهلنستية ما أسسه اليونانيون، واستمرت المعرفة العلمية لجسم الإنسان تتطور بصورة أكثر دقة، وازداد التوسع المعرفي حول الأمراض التي يتعرض لها الإنسان، والإمكانات المحتملة لجميع العلاجات.
اقرأ أيضاً: تطور مفهوم الطب عبر العصور