إن التقارير عن السكتات الدماغية التي أصابت الشباب والكبار في منتصف العمر في العديد من المستشفيات في الدول التي تضررت بشدة من فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) هي أحدث تطور في محاولة فهم هذا المرض الجديد.

على الرغم من أن أعداد هؤلاء المتضررين صغيرة، إلا أنها تشكل تحديا كبيرا في كيفية فهم الأطباء لهذا الفيروس. 

وعلى الرغم من أن هذا الفيروس قد أصاب الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم وتسبب في وفاة مئات الألوف منهم، إلا أن الكثير عن هذا الفيروس ما زال مجهولا حتى الآن.

في البداية، تم الاعتقاد بأنه فيروس يهاجم الرئتين في المقام الأول، إلا أنه بمرور الوقت تبين أنه عدو هائل يؤثر على كل أجهزة الجسم الرئيسية.

يُذكر أنه في الغالبية العظمى من الشباب، تؤدي الإصابة بكوفيد-19 إلى أعراض خفيفة، مع ارتفاع خطر حدوث مضاعفات أكثر خطورة مع الزيادة في العمر.

وحتى وقت قريب، كانت هناك بيانات قليلة عن ارتباط السكتات الدماغية بفيروس كورونا.

كان هناك تقرير واحد من مدينة ووهان الصينية، التي شهدت أول ظهور للفيروس، وقد أظهر هذا التقرير أن بعض المرضى في المستشفى قد أصيبوا بالسكتات الدماغية، والعديد منهم يعاني من مضاعفات خطيرة. 

الآن وللمرة الأولى، تستعد ثلاثة مراكز طبية كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية لنشر بيانات حول ظاهرة السكتة الدماغية.

وعلى الرغم من عدم وجود سوى بضع عشرات من الحالات لكل مركز من هذه المراكز، إلا أنها قد تقدم رؤية جديدة حول ما يمكن أن يفعله الفيروس بأجسامنا.

ما هي السكتة الدماغية؟

انغوغرافيك السكتة الدماغية

السكتة الدماغية عبارة عن خلل مفاجئ بتدفق الدم بواحد أو أكثر من الأوعية الدموية التي تغذي الدماغ وتسبب نقصا في حصول الدماغ على الأوكسجين مما يسبب تلف لخلايا الدماغ.

تتضمن أسباب السكتات الدماغية ما يلي:

  • وجود مشاكل في القلب
  • انسداد الشرايين بسبب ارتفاع نسبة الكوليسترول
  • تعاطي المخدرات في بعض الأحيان.

غالبًا لا تتسبب السكتات الدماغية الصغيرة في حدوث ضرر دائم، بالإضافة إلى أنها يمكن أن تختفي من تلقاء نفسها في غضون 24 ساعة، لكن الأكبر منها يمكن أن يتسبب في مضاعفات خطيرة.

وقال أوكسلي، طبيب الأعصاب التداخلي في مستشفى ماونت سيناي، أن أهم شيء يجب أن يدركه الناس هو أن السكتة الدماغية الكبيرة يمكن علاجها جدًا. غالبًا ما يكون الأطباء قادرين على إعادة فتح الأوعية الدموية المسدودة عن طريق سحب الجلطات أو إدخال الدعامات. ولكن يجب أن يتم ذلك بسرعة، في غضون 6 ساعات، أو خلال 24 ساعة على الأكثر، وأضاف قائلا: "الرسالة التي نحاول أن نوصلها هي إذا كنت تعاني من أعراض السكتة الدماغية، فأنت بحاجة إلى طلب الرعاية الطبية على وجه السرعة. "

وتشير التقارير إلى أن مرضى فيروس كورونا يعانون في الغالب من أخطر أنواع السكتة الدماغية، والمعروفة باسم انسداد الأوعية الكبيرة، والتي يمكنها التأثير على أجزاء كبيرة من الدماغ المسؤولة عن الحركة، والكلام، وصنع القرار.

ويشتبه العديد من الخبراء في أن السكتات الدماغية في مرضى فيروس كورونا قد تكون نتيجة مباشرة لمشاكل تجلط الدم.

وقال دكتور روبرت ستيفنز، طبيب العناية المركزة في مستشفى جونز هوبكنز: "لقد قمنا برعاية مرضى في الثلاثينيات من العمر يعانون من السكتة الدماغية وفيروس كورونا، وكان هذا مفاجئًا للغاية".

السكتة الدماغية

وقد وجدت مستشفيات جامعة توماس جيفرسون، التي تدير 14 مركزًا طبيًا في فيلادلفيا ونيويورك، أن 12 من المرضى الذين عولجوا من انسداد دموي كبير في أدمغتهم خلال فترة ثلاثة أسابيع مصابون بفيروس كورونا، 40% منهم كانوا تحت سن الخمسين، ولديهم عوامل خطر قليلة أو معدومة. 

ووفقًا لبيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، كان 0.8% من الوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية حتى 18 أبريل 2020 في الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 34 عامًا، و2% ما بين 35 إلى 44 عاما، في حين كانت 5.4% ما بين 45 إلى 54 عاما.

وقال باسكال جبور، جراح الأعصاب في مستشفيات جامعة توماس جيفرسون إن العديد من الحالات التي عالجها لها خصائص غير عادية، حيث تظهر السكتات الدماغية عادة في الشرايين (التي تحمل الدم من القلب إلى باقي أعضاء الجسم) ولكن في مرضى فيروس كورونا، تحدث هذه السكتات أيضًا في الأورد التي غالبا ما تكون أكثر صعوبة في العلاج.

ويطور بعض المرضى أيضًا أكثر من جلطة كبيرة، وهو أمر غير معتاد تماما.

وأضاف قائلا: "سنعالج الأوعية الدموية وستكون على ما يرام، ولكن بعد ذلك سيصاب المريض بسكتة دماغية أخرى بسبب حدوث تجلط في جزء آخر من الدماغ".

موجة أولى وموجة ثانية من كورونا

في ماونت سيناي، أكبر مركز طبي في مدينة نيويورك، قال الدكتور جيه موكو أستاذ جراحة الأعصاب إن عدد المرضى القادمين الذين يعانون من انسداد كبير في الدماغ قد تضاعف خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر أبريل، على الرغم من انخفاض عدد حالات الطوارئ الأخرى، وأكثر من نصفهم تم تأكيد إصابتهم بكوفيد-19.

لقد أصابت الموجة الأولى من هذه جائحة كورونا كبار السن ومن يعانون من أمراض مزمنة مثل أمراض القلب، أو السكري، أو السمنة، أو الذين يعانون من نقص المناعة، ولكن الآن كان من الملاحظ أن مرضى فيروس كورونا الذين عولجوا من السكتة الدماغية في ماونت سيناي كانوا أصغر سنا وكان لديهم عوامل خطر قليلة أو معدومة.

قال موكو، الذي قضى أغلب حياته المهنية في دراسة السكتة الدماغية وكيفية علاجها، إنه "صُدم بالكامل" من هذا التحليل، وأشار إلى العلاقة بين فيروس كورونا والسكتة الدماغية قائلا: "هي واحدة من أوضح الارتباطات التي صادفتها. هذا الارتباط أقوى من أن يكون مصادفة".

وفي دراسة تم نشرها في مجلة نيو إنجلاند الطبية، كشف فريق ماونت سيناي عن خمس حالات لمرضى أصيبوا بسكتات دماغية في المنزل من 23 مارس إلى 7 أبريل 2020، وكانت أعمارهم 33، 37، 39، 44، 49، وكانوا جميعًا في المنزل عندما بدأوا يشعرون بأعراض مفاجئة، بما في ذلك التلعثم، والارتباك، وألم شديد في أحد الذراعين.

توفي أحدهم، ولا يزال اثنان في المستشفى، وتم خروج حالتين لإعادة التأهيل، وكانت حالة واحدة فقط من الخمسة، وهي امرأة تبلغ من العمر 33 عامًا، قادرة على التحدث.

اقرأ أيضاً: هل وفيات فيروس كورونا هي بسبب حدوث النزيف أم الجلطات؟