لابد أنك قد تساءلت يوماً ما الذي يجعل التعافي من الإدمان أمراً صعباً للغاية، ولما لا تكفي الإرادة وحدها للنجاح بهذا الأمر؟ السر هنا هو نظام المكافأة في الدماغ (بالإنجليزية:Brain reward system)، وهو مسار يتضمن عدة مناطق في الدماغ ويتم تحفيزه عند الحصول على "محفز للمكافأة"، والمحفز هنا قد يكون قطعة من الشوكولاته، أو طعامك المفضل، أو الكحول، أو الجنس، أو بعض الأدوية المخدرة. عند التعرض لهذا المحفز، يقوم نظام المكافأة بإفراز الدوبامين كاستجابة، مما يعطي شعوراً بالانتشاء والسعادة.


نظام المكافأة في الدماغ

يمر نظام المكافأة عبر ثلاث مناطق رئيسية داخل الدماغ، وهي بالترتيب:

  • المنطقة السقيفية البطنية (بالإنجليزية: Ventral tegmental area)، وهي المنطقة التي تحتوي على الخلايا العصبية الدوبامينية (أي خلايا عصبية تنتج الدوبامين). تعد هذه المنطقة نقطة انطلاق نظام المكافأة، حيث تخبر الشخص ما إذا كان المحفز مرغوباً ومحفزاً للمكافأة، أم لا.
  • النواة المتكئة (بالإنجليزية: Nucleus accumbens)، وهي المنطقة التي تستقبل المعلومات من المنطقة السقيفية.
  • القشرة أمام الجبهية (بالإنجليزية:Prefrontal cortex)، وهي المنطقة المسؤولة عن اتخاذ القرار والحصول على المحفز، أي أنها ستحدد ما إذا كنت ستأكل قطعة إضافية من البيتزا اللذيذة أم لا.

تعمل هذه المناطق الثلاث بالترادف مع عدة مناطق أخرى منها:

  • اللوزة الدماغية (بالإنجليزية: Amygdala)، وهي أحد المناطق التي تساعد الشخص على إنشاء روابط بين العوامل البيئية أو التجارب وما يرافقها من أمور سيئة أو جيدة، وهي أحد أشكال التعلم التي تخبرك أن تبعد يدك عن لهب النار الذي قام بحرق أصبعك من قبل، أو تكرار تجربة ما رافقها شعور بالسعادة.
  • قرن آمون (بالإنجليزية: Hippocampus)، وهي كذلك من المناطق المسؤولة عن الذاكرة وتلعب دوراً مهماً في الانتكاس بعد الإقلاع عن الإدمان.
  • منطقة تحت المهاد (بالإنجليزية: hypothalamus).


ويقوم نظام المكافأة في الدماغ بتنظيم ردود الفعل للمكافآت وتحفيز الشخص للحصول عليها مجدداً وبالتالي الشعور بالمكافأة مرة أخرى، وذلك عبر:

  • تكرار الفعل الذي حفز نظام المكافأة أول مرة.
  • تحفيز مراكز الذاكرة في الدماغ لحفظ هذه التجربة وتكرارها مستقبلاً.

ويظهر هذا الأثر جلياً في إحدى أشهر التجارب التي أجريت على الدماغ، حيث قام العالمان أولدز وميلنر بزراعة أقطاب كهربائية في أدمغة فئران، وتخصيص أزرار تقوم بتحفيز الدماغ بالكهرباء عند ضغط الفئران عليها. لاحظ العالمان أن الفئران تقوم بالضغط بشكل متكرر على الأزرار التي تحفز مناطق دون غيرها من الدماغ، أي أن الفئران كانت تشعر بالمتعة عند تحفيز هذه المناطق بالكهرباء وبالرغبة في تكرار التجربة. أدت هذه التجربة إلى اكتشاف أن تحفيز هذه المناطق بالكهرباء يؤدي إلى إفراز الدوبامين، حيث أن الفئران توقف عن الضغط على الأزرار بعد حقنها بعقار مضاد للدوبامين.

نظام المكافأة في الدماغ والإدمان

يعود الشعور بالمتعة والانتشاء الناتج عن تحفيز نظام المكافأة إلى إفراز الدوبامين من المنطقة السقيفية البطنية، فما علاقة هذا النظام بالإدمان؟

  • وجد أن تناول الأدوية المخدرة أو العقارات الترويحية ينشط الخلايا العصبية الدوبامينية في المنطقة السقيفية البطنية، مما يفعّل نظام المكافأة في الدماغ.
  • تقوم الخلايا العصبية الدوبامينية بنقل إشارات إلى ثاني محطة في نظام المكافأة، وهي النواة المتكئة، وينتج عن ذلك ارتفاع مستويات الدوبامين في هذه المنطقة.
  • يؤدي إفراز الدوبامين في النواة المتكئة إلى الشعور باللذة والمتعة لدى متناولي الأدوية المخدرة أو مدمني الكحول، حيث تدعى النواة المتكئة ب"مركز المتعة في الدماغ".
  • يقوم الدماغ من ثم بتسجيل التجربة وتشكيل ارتباط بين المحفز (كالأدوية المخدرة) والمتعة المرافقة له، وبناء استجابة تجاه هذا المحفز.
  • يتم هذا الربط عن طريق تفاعل الدوبامين مع أحد النواقل العصبية التي تلعب دوراً في عملية التعلم، وهو الجلوتاميت. إن عملية التعلم هذه تعد ضرورية لبقاء النوع البشري، حيث تربط مثلاُ بين ممارسة الجنس (وبالتالي التكاثر) وبين الشعور باللذة، مما يعطي دافعاً للتكاثر والحفاظ على النوع.
  • عند التعرض المستمر للمادة المخدرة، يقوم الدماغ بترجمة الرغبات إلى "حاجات"، وذلك عبر التواصل بين النواة المتكئة ومنطقة التنفيذ، أو القشرة أمام الجبهية. بالتالي، فإن الشخص يصبح في حاجة ماسة إلى الحصول على المخدر والوقوع في قيد الإدمان.
  • مع الوقت، يقوم الدماغ بالتأقلم مع المستويات الهائلة من الدوبامين الناتجة عن تعاطي المادة المخدرة عبر تقليل إفراز الدوبامين أو التخلص من بعض مستقبلاته.
  • بالتالي، فإن الكمية المعتادة من المادة المخدرة تتوقف عن إعطاء نفس المفعول مع الوقت، وهو ما يسمى بالتعود (بالإنجليزية:Tolerance)، والذي يقود المدمن لتعاطي كميات أكبر من المخدر للحصول على ذات المفعول مجدداً.

اقرا ايضاً :

الدموع.. أنواعها وأهميتها

للمزيد: إدمان الجنس

ولكن هل كل ما يحفز نظام المكافأة يؤدي للإدمان؟ في الحقيقة، إن قابلية عقار أو نشاط معين للتسبب في الإدمان تعتمد على:

  • سرعة إفراز الدوبامين كرد فعل للمحفز، فكلما زادت هذه السرعة زادت احتمالية تسبب المحفز في الإدمان.
  • كثافة إفراز الدوبامين، والتي ترتبط كذلك بشكل طردي مع قابلية حدوث الإدمان. على سبيل المثال، فإن بعض المواد المخدرة تفرز 10 أضعاف كمية الدوبامين التي تفرزها المحفزات الطبيعية، كالجنس والطعام.
  • فعالية وكفاءة إفراز الدوبامين.

تختلف هذه العوامل بين المواد والأدوية المختلفة، كما تختلف ضمن الدواء الواحد عند اختلاف طريقة التعاطي، فمثلاُ يعد حقن أو تدخين المخدر أكثر قابلية للتسبب بإدمان من تناوله كحبوب تؤخذ عبر الفم.

للمزيد: أنواع الإدمان

ماهي الاعضاء التي تبقى حية في الانسان بعد موته وماهي مدة حياتها .