كشف فريق من الباحثين في إمبريال كوليدج لندن عن ابتكار جديد في مجال التشخيص: لصقة جلدية "ذكية" قادرة على الكشف عن سرطان الجلد في دقائق، دون الحاجة إلى الجراحة المؤلمة أو الانتظار الطويل.
هذا الابتكار، الذي يقوده الدكتور سيلفان لادام، قد يعدُ بإنهاء عصر "الخزعات الجلدية"، وهي الطريقة المتبعة حالياً لتأكيد تشخيص سرطان الجلد، والتي تتطلب اقتطاع جزء من الجلد، وفحصه في المختبر، في عملية قد تكون مزعجة ومكلفة، وتضع ضغطاً كبيراً على الأنظمة الصحية والمرضى على حد سواء.
مشاكل الخزعة الجلدية التقليدية
يبدأ سرطان الجلد بتغيرات في خلايا سطح الجلد، ورغم أن بشرتنا هي الجزء الأكثر وضوحاً في أجسامنا، إلا أن تشخيص المرض ليس سهلاً كما يبدو. فالعديد من الشامات أو البقع الجلدية المشبوهة تكون حميدة، ولا يمكن للأطباء تأكيد التشخيص إلا عبر أخذ خزعة.
وهنا تكمن المشكلة؛ فالخزعة إجراء جراحي بسيط لكنه مؤلم، يترك ندبة، ويُدخل المريض في رحلة طويلة من القلق والانتظار لأسابيع حتى ظهور النتائج، ليكتشف الكثيرون في النهاية أنهم لا يحملون المرض، بينما يفقد آخرون وقتاً ثميناً كان يجب أن يبدأوا فيه العلاج فوراً.
يقول الدكتور لادام: "اليوم، يخضع الكثيرون لخزعات جلدية من باب الاحتياط، وهذا هو الإجراء الصحيح حالياً، لكننا نحاول تقليل الضغط النفسي الذي يسببه هذا الإجراء على الأشخاص والنظام الصحي. نريد أن نمنح الأطباء أداة أكثر فاعلية لتحديد من يحتاج إلى رؤية أخصائي الأمراض الجلدية بشكل عاجل".
فحص جديد لتشخيص سرطان الجلد
الاختراع الجديد عبارة عن رقعة صغيرة تُلصق على الجلد، تشبه الضمادة العادية، لكنها قادرة على تحليل السوائل المجهرية الموجودة تحت سطح الجلد بحثًا عن مؤشرات تدل على وجود خلايا سرطانية.
ويُطلق العلماء على هذا النوع من الاختبارات اسم "الخزعة السائلة"، لكنها هنا تأخذ شكلًا مختلفًا. فبدلاً من تحليل الدم أو البول كما هو معتاد، يبحث الاختبار الجديد في سائل دقيق جدًا يُعرف بـ"السائل الخلالي"، وهو السائل الذي يحيط بخلايا الجلد من الخارج، ويُعتبر كنز من المعلومات البيولوجية.
كيف يتم هذا الفحص؟
تعمل اللصقة عبر إبر دقيقة جداً مثبتة على سطحها، لكنها لا تخترق الجلد بعمق، ولا تُلامس مستقبلات الألم، مما يعني أنها لا تسبب أي ألم أو نزيف.
عندما تخترق هذه الإبر الجلد، وتُلامس السائل الموجود في الجلد، فإنها تعمل كإسفنجة مجهرية، حيث تنتفخ لتمتصه في غضون دقائق معدودة، لتجمع بذلك العينة المطلوبة دون قطرة دم واحدة.
هذه التقنية الدقيقة تسمح للأطباء بفحص ما يجري داخل الجلد من دون أي تدخل جراحي، وتمنحهم مؤشرات سريعة حول ما إذا كان المريض بحاجة إلى خزعة تقليدية أو لا.
البحث عن "بصمة" الورم
يختبر العلماء حاليًا طريقتين لاستخدام اللصقة:
- البحث عن الحمض النووي للسرطان: يتم فحص اللصقة في مختبر متخصص للبحث عن أجزاء صغيرة من الحمض النووي (DNA) التي تطلقها الخلايا السرطانية. يشبه الأمر البحث عن "إبرة في كومة قش"، لكن لأن العينة مأخوذة مباشرة من محيط المنطقة المشبوهة، فإن "كومة القش" تكون أصغر بكثير مقارنة بالبحث في مجرى الدم، مما يجعل النتائج أكثر دقة وسرعة.
- اختبار الحموضة (النتيجة الفورية): المسار الثاني أكثر بساطة وسرعة، فقد أثبت العلم أن البيئة التي تنمو فيها الأورام تكون أكثر حمضية من الأنسجة السليمة؛ بسبب نشاطها العالي، وإنتاجها لمخلفات حمضية. ورغم أن الفرق في درجة الحموضة دقيق للغاية، فإن العلماء يقولون إنه كافٍ لتحديد وجود السرطان في مراحله المبكرة، بحيث يتغير لون اللصقة فوراً عند اكتشاف بيئة حمضية مرتبطة بالسرطان، مما يمنح الطبيب والمريض نتيجة فورية وسريعة.
استخدام أوسع
يرى الباحثون أن التقنية لا تقتصر على سرطان الجلد فقط، إذ يمكن تطبيقها مستقبلًا على أنواع أخرى من السرطان، لأن كل خلية تترك وراءها "بصمتها" في السوائل المحيطة بها.
يقول لادام: "بالنسبة للخلايا، قد تكون هذه مجرد نفايات، لكنها تحتوي على معلومات هائلة يمكننا استغلالها لأغراض طبية. هذا جزء من نقلة نوعية في التفكير، من تجاهل هذه النفايات إلى استخدامها لفهم أجسامنا".
وبينما لا تزال اللصقة قيد التجارب، فإنها ستمثّل قفزة هائلة في مجال تشخيص سرطان الجلد، مقدماً أداة رخيصة، سريعة، وغير مؤلمة، قد تنقذ آلاف الأرواح سنوياً عبر تمكين الكشف المبكر والدقيق.