على الرغم من حملات التوعية المكثفة بأهمية فحص الماموغرام للكشف المبكر عن سرطان الثدي، لا تزال النساء فوق سن 75 عاماً يواجهن حالة من الغموض؛ نظراً لعدم وجود إرشادات طبية موحدة بشأن ضرورة استمرارهن في إجراء الفحص.
ففي حين توصي بعض المنظمات بالاستمرار طالما أن المرأة بصحة جيدة، ترى جهات أخرى أن الأدلة غير كافية لإثبات فائدة الفحص في هذه الفئة العمرية.
لكن قدمت دراسة جديدة أجراها باحثون في مركز جونسون للسرطان بجامعة كاليفورنيا (UCLA Health) دليلاً قوياً يدعم استمرار الفحص، حيث وجدت أن الماموغرام للنساء في الثمانينيات من العمر يمكنه غالباً اكتشاف سرطان الثدي في مراحله المبكرة جداً، ما يجعل العلاج أبسط وأقل عدوانية، وأحيانًا يقتصر على أدوية فموية فقط.
ما هي التوصيات الحالية بشأن الماموغرام بعد سن الـ75؟
هناك انقسام واضح في توصيات المنظمات الصحية الكبرى فيما يتعلّق بهذا الأمر:
- فرقة العمل الأمريكية للخدمات الوقائية (USPSTF): توصي إرشاداتها المحدثة لعام 2024 بالفحص الروتيني بالماموغرام للنساء بين 40 - 74 عاماً فقط. أما بعد سن 74، فترى أن القرار يجب أن يُتخذ بالتشاور بين المرأة وطبيبها لعدم وجود أدلة كافية ترجح الفوائد على المخاطر.
- جمعية السرطان الأمريكية (ACS): تنصح بالاستمرار في الفحص "طالما أن المرأة تتمتع بصحة جيدة ويُتوقع أن تعيش 10 سنوات أخرى على الأقل".
- الكلية الأمريكية للأشعة (ACR): توصي بمواصلة الفحص "دون حد أعلى للعمر"، ما لم تكن هناك أمراض مصاحبة شديدة تحد من العمر المتوقع للمرأة.
ما الذي أظهرته الدراسة الجديدة؟
نُشرت الدراسة في مجلة Annals of Surgical Oncology، وشملت 174 امرأة في عمر الثمانين وما فوق تم تشخيص إصابتهن بسرطان الثدي بين عامي 2013 - 2020 في UCLA. قُسّمت المشاركات إلى مجموعتين:
- نساء أجرين تصوير الثدي بانتظام خلال السنتين قبل إجراء التشخيص (98 امرأة).
- ونساء لم يخضعن للفحص المنتظم (76 امرأة).
أظهرت النتائج أن النساء اللواتي أجرين الفحص كنّ أكثر عرضة لاكتشاف الورم في مرحلة مبكرة (المرحلتين الأولى والثانية)، وغالبًا ما كانت الأورام حساسة لهرمون الإستروجين، وغير موجبة لمستقبل HER2.
أما النساء اللواتي لم يجرين الفحص، فكانت أورامهن أكثر تقدمًا وعالية الخطورة، وغالبًا ما تم اكتشافها باللمس فقط، كما احتجن إلى علاجات أكثر قسوة.
وبعد متابعة امتدت 55 شهرًا، وجد الباحثون أن النساء اللواتي أجرين الفحص المنتظم كنّ أقل عرضة بنسبة 55% لعودة السرطان، وأقل خطرًا للوفاة بنسبة 74% مقارنة بالنساء غير المفحوصات، حتى بعد أخذ العمر، ونوع الورم، والعلاج الجراحي في الحسبان.
أهمية الماموغرام في سن متقدمة
وقالت الدكتورة نيمي كابور، كبيرة مؤلفي الدراسة: "عندما يتم اكتشاف السرطان عبر الفحص، فإنه غالباً ما يكون في مرحلة مبكرة". وأضافت: "في هذا العصر الذي يتجه نحو تخفيف حدة العلاج، يتيح لنا الاكتشاف المبكر تقليل شدة العلاج، مع تحقيق نتائج ممتازة".
وأضافت أن الشيخوخة بحد ذاتها عامل خطر رئيسي لسرطان الثدي، ومع تزايد عدد كبار السن في الولايات المتحدة، فإن غياب الإرشادات الدقيقة يترك الكثير من النساء وأطبائهن في حيرة حول متى يجب التوقف عن الفحص.
الوجه الآخر: ما هي مخاطر فحص الماموغرام؟
رغم فوائد الكشف المبكر، إلا أن الأطباء يشيرون إلى أن الفحوص ليست خالية من المخاطر، خاصة مع التقدم في العمر.
فوفقاً لدراسة حديثة نُشرت في "حوليات الطب الباطني"، فإن 31% من حالات السرطان المكتشفة في الفئة العمرية 70-74 عاماً قد لا تسبب ضرراً، وترتفع هذه النسبة إلى 47% للنساء بين 75-84 عاماً، وتصل إلى 54% لمن هن فوق 85 عاماً.
المشكلة، كما توضح الدكتورة جين شارلامب مديرة برنامج “سرطان الثدي عالي الخطورة” في جامعة نيويورك: "لا يمكننا حتى الآن التمييز بشكل موثوق بين السرطانات التي ستكون قاتلة وتلك التي لن تكون كذلك". ونتيجة لذلك، قد تخضع بعض المريضات لعلاجات مرهقة (كيماوي، إشعاعي، جراحي) "دون سبب وجيه".
كما أن نتائج الفحص الخاطئة (الإيجابية الكاذبة) قد تسبب قلقًا شديدًا وإجراءات إضافية غير ضرورية، مثل إعادة التصوير أو الخزعة، ما يعني ضغوطًا نفسية، ومخاطر جراحية طفيفة.
إلى ماذا تتجه التوصيات مستقبلاً؟
يشير الخبراء إلى أن نحو ربع حالات سرطان الثدي تُشخّص بعد سن 75، وغالبًا ما تكون لأول مرة، ما يجعل استمرار الفحص خيارًا مهمًا.
الدكتور جيسون موابي من مركز "إم دي أندرسون" في تكساس ينصح بعدم التوقف عن الماموغرام بشكل تلقائي بعد هذا العمر، بل بمناقشة القرار مع الطبيب أو اختصاصي الأورام؛ لتقييم الحالة الصحية العامة، وتحديد ما إذا كان الفحص لا يزال مفيدًا.
رغم الجدل المستمر، تُظهر الأدلة الجديدة أن الكشف المبكر بالماموغرام بعد سن 80 قد ينقذ الأرواح، ويُجنب العلاجات القاسية. لكن القرار لا يجب أن يكون عامًا للجميع، بل يُبنى على تقييم صحي فردي يوازن بين الفائدة والمخاطر، مع استمرار الحاجة إلى دراسات أوسع لوضع إرشادات أكثر وضوحًا لهذه الفئة من النساء.
الآن تستطعين سؤال أحد أطباء الطبي الموثوقين؛ حول ما إن كنت بحاجة إلى فحص الماموغرام، خلال الاستشارة الطبية عن بُعد بكل سهولة.