تتمثّل العلاقة التي تجمع ما بين الصحة النفسية والجسدية مقولة "العقل السليم في الجسم السليم"، إذ إنّ اختلال أحدهما يؤثّر بشكل أو بآخر على توازن حياة الفرد وقدرته على ممارسة أعماله وأنشطته اليومية، لأجل ذلك من الضروري العناية بالصحة النفسية بمثل قدر وأهمية العناية بالصحة الجسدية. [1]

ما العلاقة التي تجمع بين الصحة النفسية والجسدية؟ وكيف يؤثّر كل منهما على الآخر؟ نتناول في هذا المقال كل ما تريد معرفته حولهما وكيف يمكن دعمهما وتحسينهما بالتفصيل.

مفهوم الصحة النفسية والجسدية

تعكس الصحة النفسية مفهوم الرفاهية الاجتماعية والعاطفية التي تدفع الفرد للتأقلم مع الضغوطات والتحديات، والاستمتاع بأنشطة وأحداث حياته، وقدرته على تحقيق أهدافه، والتواصل الفعال مع الآخرين من حوله، لذا فإنّ اختلال أيٍّ من هذه الجوانب قد يكون سببًا في تدهور الصحة النفسية أو يُشير لوجود مشكلة نفسية تتطلّب التشخيص والعلاج. [2]

أمّا الصحة الجسدية فهي تمثّل قدرة الجسم على إنجاز وظائفه وأعماله الطبيعية بشكل سليم، لذا فإنّ اختلال وظائف أيٍّ من أعضاء وأجهزة الجسم يظهر على شكل أمراض واضطرابات جسدية مختلفة، مثل: أمراض القلب والشرايين والسكري. [2]

اقرأ أيضًا: أهمية الصحة النفسية ونصائح لتعزيزها

كيف تؤثر الصحة النفسية على الصحة الجسدية؟

إنّ المعاناة من الأمراض النفسية تزيد فرصة الإصابة بالأمراض الجسدية، وخاصة الأمراض التي يمكن للإنسان تجنبها في الوضع الطبيعي، مثل أمراض القلب والسُمنة والسكري من النوع الثاني. فقد لُوحظ أنّه:[1]

  • ترتفع احتمالية الإصابة بأمراض الأيض أو أمراض القلب والشرايين بنسبة 40% لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب مقارنة بغيرهم من الأفراد.
  • ترتفع احتمالية الإصابة بالسمنة بمقدار الضعف تقريبًا لدى الأفراد الذين يُعانون من مشكلات أو أمراض نفسية شديدة.
  • ترتفع احتمالية الإصابة بالسكري من النوع الثاني بمقدار الضعف لدى الأفراد الذين يُعانون من مشكلات أو أمراض نفسية شديدة.
  • ترتفع احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأمراض التنفسية لدى الأفراد المصابين بمرض الفصام.

من الأسباب التي تجعل الصحة النفسية تؤثر على الصحة الجسدية ما يأتي: [3]

  • فقدان الشغف وقلة الحافز

بعض الأمراض النفسية أو الأدوية التي تُستخدم في علاج الأمراض النفسية، قد تُسبب الشعور بفقدان الشغف، مما يقل اعتناء الإنسان واهتمامه بنفسه، فتزاداد فرصة تعرضه للمشكلات الصحية.

  • الجينات

ربما تكون الجينات قد لعبت دورًا في ظهور الأمراض النفسية التي يعاني منها الإنسان، وهذه الجينات قد تلعب أيضًا دورًا في الإصابة بأمراض جسدية.

  • التعرض لمشكلات النوم

يرافق العديد من الأمراض والاضطرابات النفسية تراجع جودة النوم لدى المرضى، مما يزيد من احتمالية إصابتهم بمشكلات التنفس، والتعب والإرهاق.

  • اللجوء للتدخين

تظهر العلاقة بين التدخين والصحة النفسية في زيادة احتمالية اللجوء للتدخين عند من يُعانون من المشكلات النفسية، كما يرتفع عدد السجائر التي يستهلكونها أيضًا مقارنة مع غيرهم من الأفراد.

  • قلة الرعاية الصحية التي يتلقاها المريض

في بعض الأحيان، نجد أنّ أطباء نفسيين ينسبون جميع الأعراض التي يشكو منها المريض إلى المشكلة النفسية التي يعاني منها، مما يقلل من الفحوصات والمتابعات الدورية التي يجرونها له، مثل قياس الضغط وفحص الكولسترول، هذا يجعل المشكلة الجسدية تتفاقم بسبب تأخر اكتشافها.

  • صعوبة التركيز

قد تسبب الأمراض النفسية صعوبة في التركيز في أداء المهام والأعمال، لذا ربما يجد المريض صعوبة في تنظيم مواعيد المراجعة عند الطبيب.

  • المعاناة من أعراض الأمراض النفسية

بعض المشكلات النفسية تُسبب أعراضًا جسدية، مثلًا، يُمكن أن يُسبب الاكتئاب الصداع، والشعور بالتعب، ومشكلات في الجهاز الهضمي، في حين قد يُسبب القلق غثيانًا أو ألمًا في المعدة مثلًا.

كيف تؤثر الصحة الجسدية على الصحة النفسية؟

يعتمد مدى تأثير الصحة الجسدية على الصحة النفسية على عمر الفرد، وتجاربه، وما يتلقاه من دعم من الآخرين، وبشكل عام يمكن أن تُسبب الأمراض الجسدية هذه التأثيرات السلبية على الصحة النفسية: [6][5]

  • الشعور بالتوتر، خاصة بما يتعلق بمراجعات الطبيب ونتائج الفحوصات، أيضًا يشعر المرضى عادة بالتوتر تجاه الحاضر والقلق من المستقبل.
  • الشعور بالوحدة والانعزال، ذلك نتيجة الحاجة للبقاء في المستشفى أو في المنزل لفترات طويلة، أو لعدم الرغبة في التعبير عن المشاعر السلبية للأهل والأصدقاء لتجنّب إثارة قلقهم وإزعاجهم، أو لشعور الفرد بأنّ المحيطين به لن يفهموه حتى إن عبّر عن مشاعره.
  • الشعور بالغضب والحزن، هذا بسبب عدم قدرة الفرد على ممارسة حياته الطبيعية وأنشطته المعتادة بسبب ألمه ومرضه الجسدي.
  • المعاناة من اضطراب ما بعد الصدمة، أحيانًا تُسبب الأمراض الجسدية إصابة بحالة نفسية نُسميها (اضطراب ما بعد الصدمة PTSD)، ربما لأنّ الإصابة الجسدية بليغة، أو بسبب بقاء المصاب فترة طويلة في العناية الحثيثة، أو بسبب هول الحادث الذي تعرض له.
  • مشكلات النوم، والتي تكون ناجمة عن الشعور بالألم الجسدي، أو الأعراض الجانبية لبعض الأدوية والعلاجات النفسية.
  • المعاناة من أمراض نفسية، يمكن أن تُسبب بعض الأمراض الجسدية مشكلات نفسية، مثل الاكتئاب أو القلق أو حتى المعاناة من اضطرابات الأكل.

نصائح لتعزيز الصحة النفسية والجسدية

يرتبط الدماغ والجسم ببعضهما بصورة متكاملة ومتوازنة، بحيث إنّ العديد من الإجراءات والنصائح التي تحسّن من أحدهما تُحسّن كذلك من الآخر، وتتضمّن هذه النصائح ما يأتي: [7][8]

  • الالتزام بممارسة الرياضة

لا تقتصر فوائد الرياضة على الحصول على جسم رشيق وجميل، بل إنها تُساعد أيضًا على تقوية الجهاز المناعي، ومحاربة الالتهاب، وتخفيف أعراض التوتر والقلق والاكتئاب، وتقوية الذاكرة، وتحسين الوظائف الإدراكية.

ولتحقيق هذه الفوائد لا بد من الالتزام بممارسة الرياضة مع اتّباع التعليمات والنصائح الآتية:

    • تجنّب ممارسة التمارين الرياضية الشديدة التي قد تسبّب الإصابات الجسدية، أو تُشعر الفرد بالضغط والتوتر.
    • ممارسة الرياضات والأنشطة التي يستمتع بممارستها الفرد، مثل: السباحة، أو الرقص، أو الركض، أو المشي في الحدائق، وغيرها من الأنشطة التي تركز على فكرة الحركة والنشاط مع الشعور بالمتعة.
    • البدء بأهداف منطقية تتناسب مع نشاط الفرد وقدرته على الحركة والرياضة، بحيث لا يشعر بالتعب والملل مع البدء بممارسة الرياضة ويحرص على الالتزام بالتمارين قدر الإمكان، لذا يُوصى بوضع خطط رياضية بسيطة في البداية مع رفع شدّتها كل أسبوع.
    • ممارسة التمارين الهوائية (تمارين الكارديو) لمدة 150-300 دقيقة أسبوعيًا، مع تخصيص يومين في الأسبوع لممارسة تمارين المقاومة.

تعرف أيضًا: فوائد الرياضة للصحة النفسية

  • اتّباع نظام غذائي صحي

يرتبط علاج معظم الأمراض الجسدية والنفسية بتناول الأطعمة الصحية قدر الإمكان، ولا يعني ذلك بالضرورة الالتزام ببرنامج غذائي وأصناف طعام محددة، وإنّما يكفي اتّباع التعليمات الآتية:

    • شرب كميات كافية من الماء، إذ يُوصى بشرب 3-4 لتر من الماء يوميًا.
    • تجنّب الأطعمة والمأكولات المعالجة قدر الإمكان؛ نظرًا لاحتوائها على كميات كبيرة من الملح والسكر، لذا يوصى بتفقّد مكوّنات الأطعمة الجاهزة قبل تناولها.
    • التركيز على الخضار والفواكه، بحيث يحرص الفرد على تناول 5 حصص من الفواكه أو الخضار الطازجة خلال اليوم، كما يُمكن تناول الأصناف المعلبة أو المثلّجة منها، مع الانتباه لكمية السكر أو الملح التي تحتويها.
  • الحرص على النوم الجيد

إن العديد من الأمراض النفسية والجسدية تتطلّب الالتزام بروتين نوم محدد، ومنح الجسم القسط الكافي من الراحة.

في حال الشعور بالأرق ومواجهة صعوبة في النوم ليلًا فإنه يُمكن الاستغناء عن القيلولة خلال ساعات النهار وتقليل الكمية المستهلكة من الكافيين.

  • تخصيص وقت للراحة

يُوصى الفرد بممارسة التأمل، وهو يتمثّل في عدم التفكير أو عمل أيّ شيء، والاكتفاء بإدراك الفرد لمشاعره في اللحظة الحالية، ودون التفكير بأفكاره وأعماله ومستقبله وماضيه، ويُنصح بممارسة هذا لمدّة تتراوح ما بين عدة دقائق حتّى 45 دقيقة في اليوم.

  • استشارة الطبيب حول العلاجات والأدوية

إن العديد من الأفراد يتناولون أنواعًا مختلفة من الأدوية، خاصّة التي تُصرف دون وصفة طبية، والتي قد تتعارض مع بعضها أو تكون سببًا في شعور الفرد بالتوتر والقلق، لذا يُمكن استشارة الطبيب لمعرفة الضروري منها والتأكّد من فعاليتها قبل استخدامها.

نصيحة الطبي

تتكامل العلاقة ما بين الصحة النفسية والجسدية، حيث إنّ الاعتناء بالجسد وصحته ينعكس على الصحة النفسية وسلامتها، وهذا ينطبق أيضًا على الاعتناء بالصحة النفسية، إذ إنها تنعكس إيجابًا على الصحة الجسدية.

يمكنك التواصل مع أحد أطبائنا المعتمدين على منصة الطبي الآن من أيّ مكان وفي أيّ وقت في حال كنت تُعاني من أيّ أعراض جسدية أو نفسية تستدعي التقييم والمتابعة.