تبوأ الأطباء العرب منذ القدم منزلة رفيعة في العلوم الطبية عامة وطب العيون خاصة، وأنجزوا فيها الدراسات القيمة التي تدلنا على مبلغ ما وصل إليه الطب العربي، وهو ما جعل تاريخ طب العيون عند العرب حافلاً بأفضل الأطباء العيون.
فيقول العالم الألماني هيرشيرع: إن طب العيون عند العرب قد بلغ في القرنين الرابع والخامس الهجري مرتبة سامية تدعو إلى الدهشة والاستغراب. ويرى أيضاً المؤرخ الإنجليزي السير وليام اوسلر من خلال بحوثه في الحضارة العربية والعلوم عند العرب أن مهنة الطب عند العرب في القدم قد بلغت من المكانة والأهمية ما لا نكاد نجد له مثيلا في تاريخ الأمم.
سنتناول في هذا المقال الحديث المفصل عن تاريخ طب العيون عند العرب ومراحل تطوره، وأشهر الأطباء العرب الذين ساهموا في تقدم طب العيون عند العرب.
مراحل تطور طب العيون عند العرب
ساهم كثير من العلماء والباحثين في التنقيب عن الآثار العلمية التي خلفها أجدادنا العرب لتكون فخر للأجيال المتعاقبة، فحرص الدكتورنشأت حمارنة أستاذ طب العيون في جامعة دمشق أن يساهم في البحث العلمي فأصدر كتابا تحت عنوان تاريخ طب العيون عند العرب.
اقرأ أيضاً: حول تاريخ العرب
لقد مهد الدكتور نشأت حمارنة كتابه بلمحة موجزة عن نشأة الطب وممارسة الإنسان قديما له، وبدء ظهور النظرية الطبية، وعرفنا بمظاهر الطب في الحضارات القديمة عبر التاريخ، فقام بتصنيف دراسته ضمن المحاور التالية:
- أجدادنا العرب ونظرتهم إلى الطب.
- إعلام أطباء العيون العرب قبل الإسلام.
- تراجم الأطباء العرب.
اقرأ أيضاً: تاريخ الطب عند العرب والمسلمين بين النظري والتطبيقي
لقد أراد المؤلف في عرضه أن يجسد معنى العلوم العربية والطب العربي، فالعرب هم ورثة الحضارة والعلم، وورثة بلاد الرافدين القديمة، وعندما استعرض المؤلف إعلام أطباء العيون العرب قبل الإسلام قال: إن الطبيب في المجتمع العربي ذو شخصية محترمة تتمتع بشهرة جيدة، وقد وصل إلينا الكثير من المعلومات التي عرفها أطباء العيون العرب قديماً يوم ظهرت البرديات المكتوبة في الألف الثاني قبل الميلاد، والتي كانت بدورها منقولة عن برديات أقدم بألف عام أو أكثر.
للمزيد: الجديد في طب العيون في العام 2013
فقد وصف المصريون القدماء الكثير من أمراض العيون، وعرفوا العديد من الأعشاب التي تعالج العيون، كذلك استعملوا أدوية من أصل معدني أو حيواني، وعرفوا أيضاً بعض الطرائق الجراحية، وقد استفاد الإغريق من الطب المصري القديم بشهادة المؤرخين القدامى.
للمزيد: الطب في الجزيرة العربية
ثم ينقلنا المؤلف إلى عصر أطباء العيون في بلاد ما بين النهرين، إذ ظهرت قوانين نظمت المهن الطبية، وحددت أجور الأطباء وأتعابهم عن المداواة والعمليات الجراحية، كما سنت قوانين صارمة وقاسية ومجحفة بحق الطبيب، لكنها شكلت رادعاً حقيقياً ضد الأدعياء الذين يزعمون أنهم يستطيعون ممارسة المهنة الطبية.
وجاء في بلاد الرافدين عهد تدريس الطب والامتحان، فأصبحت الدولة مسؤولة عن منح الإجازة الطبية، والسماح بممارسة المهنة، ولم يغفل التاريخ القديم عن ذكر أسماء كثير من الأطباء الذين عاشوا في صحراء الجزيرة العربية أو في باديتها أو نجودها.
اقرأ أيضاً: أمراض العيون الشائعة
أشهر الأطباء في تاريخ طب العيون عند العرب
إن من أبرز أطباء العيون عند العرب الذين احتلوا مراكز هامة في هذا الميدان ما يلي:
يوحنا بن مأسويه
ولد عام 160 هـ - 776 م في حنديسابور من أسرة سريانية. هاجرت أسرته إلى بغداد وهو فتي، وتلقى تربية صارمة في وسط علمي وفي بيت مرموق، تعلم الطب من والديه حتى أصبح رئيس البيمارستان في بغداد ونال مركزاً رفيعاً في عهد هارون الرشيد.
فقد أصبح طبيبه الخاص، وكان يذهب إلى بيزنطة للحصول على كتب الطب، ويحملها معه إلى بغداد، واشتهر بغزارة إنتاجه، ووضع في طب العيون كتابين:
- دغل العين.
- معرفة محنة الكحالين.
ويعد كتاب دغل العين هو أقدم كتاب تعليمي في تاريخ طب العيون عند العرب، ويتميز أسلوب هذا الكتاب بحيوية بارزة، ويعطي أهمية كبيرة إلى عملية استجواب المريض، ويعرض ابن ماسويه الأعمال الجراحية عرضاً موجزاً، ويمكننا القول أن الكتاب مختصر يضم 47 فصلاً.
أما كتاب معرفة محنة الكحالين فهو أقدم كتاب عربي طبي اختصر فيه كل علم أمراض العين في عدد محدد من الأسئلة.
للمزيد: ابن أبي أصيبعة
حنين بن إسحاق
يعد الطبيب العربي حنين بن إسحاق العبادي من مشاهير الأطباء في تاريخ طب العيون عند العرب في القرن التاسع الهجري، كان ميالاً إلى دراسة الطب، وهو أحد تلاميذ الطبيب يوحنا بن ماسويه، ويروي أن ابن إسحاق قد ترك مدرسة الطب في بغداد، لأنه كان يضايق أستاذه بكثرة الأسئلة.
فذهب إلى بيزنطة وتعلم اللغة الإغريقية، وعند عودته إلى بغداد بدأ عمله كمترجم، وكان يجمع المخطوطات للنص الذي ينوي ترجمته، وتكون الترجمة إلى اللغة السريانية ثم إلى اللغة العربية.
كذلك نقل الكثير من العلوم الإغريقية والسريانية إلى اللغة العربية، حتى أصبح ترجمان الخلفاء وطبيبهم الخاص، وقد تعرض إلى الدسائس والمؤامرات من خصومه وحساده، ومن أشهر مؤلفاته في الطب:
- المقالات العشر في العين.
- حكمة العين.
- مسائل في العين.
للمزيد: تاريخ الطب عند العرب والمسلمين بين النظري والتطبيقي
علي بن عيسى الكحال
يعد هذا الطبيب من أعظم الأطباء في تاريخ طب العيون عند العرب، وهو صاحب كتاب تذكرة الكحالين، انطلق فيه على منهج علمي حسب تشريح العين، بدأ بأمراض الأجفان وأمراض جهاز الدمع، ثم التهاب الملتحمة، وانتقل إلى أمراض القرنية والقزحية، حيث أوضح ماهية المرض وطبيعته، ثم يذكر أعراضه، وعلاماته، وأوصافه، وميزاته، وأسباب هذا المرض، وكيفية معالجته بأسلوب علمي واضح.
وهناك عدد آخر من الأطباء في تاريخ طب العيون عند العرب، منهم:
- أبو علي بن أعين مؤلف كتاب أمراض العيون ومداواتها.
- محمد بن سعيد التميمي صاحب كتاب ماهية الرمد وأنواعه وأسبابه وعلاجه.
- أبو علي خلف الطولوني وكتابه النهاية والكفاية في تركيب العينين وخلقتهما وعلاجهما وأدويتهما.
والواقع أن السمعة الوطيدة التي تمتع بها تاريخ طب العيون عند العرب لم تكن من فراغ، فقد كانت تعتمد على باع طويل في العلوم والخبرة والامتحانات القاسية، فلم يكن بإمكان أحد أن يمارس مهنة الطب دون دراسة سابقة.
وكان كل طبيب مضطراً إلى نيل تصريح رسمي خاص يشهد بعلمه وكفاءته، فقد كان هذا صادراً عن الخليفة، وذلك حرصاً على إبقاء العيادات الطبية وممارسة هذه المهنة بعيدة عن الاستهتار والامتهان أو إدعاء الباطل.
أقرأ أيضاً: أبو بكر محمد بن زكريا الرازي
ويضم كتاب تاريخ طب العيون عند العرب معلومات مختصرة عن نظرة العرب في العلوم الطبية، وكان باستطاعة المؤلف أن يقدم للقارئ معلومات غزيرة مما تحتويه مخطوطاتنا العربية.
وقد كتب المستشرقون والمهتمون بالبحوث العربية الكثير عن فضل العرب في العلوم بأنواعها، وتاريخ طب العيون عند العرب، وهم الذين استطاعوا أن يجعلوا من اسم الطب العربي الإسلامي حقيقة مشرفة بتجاربهم واختباراتهم وابتكاراتهم في مختلف العلوم والفروع المعارفية.