عرف الإنسان الحناء، منذ القدم، وقد استخدم قدماء المصريين مسحوقها في تحنيط جثث الموتى لمنع تعفنها، ويعود ذلك إلى أنها مقاومة للفطريات والجراثيم. ثم تعدد استخدام الحناء، وتجاوز صبغ الشعر بها، إلى علاج بعض الأمراض، وبخاصة الأمراض الجلدية.
والحناء نبات شجري معمر مستديم الخضرة غزير التفرع منتصب ذو لون أحمر يميل إلى البني. يصل ارتفاع الشجرة إلى ثلاثة أمتار أو أكثر وفروعها طويلة ورفيعة. غزيرة الأوراق وهي بسيطة رمحية الشكل أو بيضاوية طولها يتراوح ما بين 2-4سم وهي متقابلة الوضع على الأفرع ليس لها أعناق (جالسة) جلدية الملمس وحافتها ملساء ولها لون أخضر داكن. والأزهار صغيرة في صورة نورة عنقودية طرفية الوضع ولونها أحمر خفيف أو أبيض مصفر. الثمار كبسولية وكروية الشكل قطرها ما بين 0,5-1سم ذات لون بني فاتح بداخلها عدد كبير من البذور مثلثة الشكل صغيرة الحجم لونها يميل إلى السواد.
والموطن الأصلي للحناء منطقة جنوب غرب آسيا, بالرغم من نموها البري الكثيف في البيئات الاستوائية وشبة الاستوائية الأخرى لقارة أفريقيا وبعض جزر المحيط الهندي. وقد انتشرت زراعتها في مناطق أخرى مختلفة منها حوض البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً المناطق الجافة المعتمدة على الري الصناعي مثل مصر. وأهم البلدان إنتاجاً للحناء هي مصر والسودان والصين والهند والباكستان والمملكة العربية السعودية.
والجزء المستعمل من الحناء الأوراق والأزهار والأغصان والبراعم الحديثة النمو والقشور والجذور.
وتحتوي أوراق الحناء وسيقانها الحديثة على مادة ملونة تسمى لوزون (Lawsone) وتعتبر هذه المادة الصبغات النباتية الثابتة. كما تحتوي على مواد راتنجية (Resins) ومواد عفصية تعرف باسم Hennatanin وتحتوي أزهار الحناء على زيت طيار له رائحة ذكية وقوية وأهم مكوناته مادتا «الفا و بيتا أيونون» وتعرف أزهار الحناء باسم «تمر حنة».
تزداد كمية المواد الفعالة، وبخاصة مادة اللوزون في أوراق الحناء كلما تقدم النبات في العمر، والأوراق الحديثة تحتوي على كميات قليلة من هذه المواد عن مثيلتها المسنة. كما تحتوي على حمض الجاليك ومواد سكرية. وقد أمكن فصل مادتين من المواد الزانثونية Xanthones هما لاكسنثون 1-(Laxanthone-1) ولاكسنثون 2- (Laxanthone-2) وهما يمثلان مادة الكومارين Coumarin التي تعرف باسم لاكومارين Lacoumarin. كما ثبت أن المادة الجلوكوزيدية المعروفة باسم اللاوزن قد تتحول بفعل عمليات الأكسدة الذاتية إلى جلوكوزيدات أولية Primary glycosides تسمى حنوسيد أ، ب، ج (Hennosides A,B,C).
استعمالات الحناء
استعملت أوراق الحناء منذ آلاف السنين في الزينة، كمستحضر للتجميل وذلك بصبغ اليدين والرجلين وشعر المرأة لنقشها باللون الأحمر المسود، أو البني المسود الناتج من مزج مسحوق أوراق الحناء مع الماء الدافئ. وتفيد عجينة الحناء في تثبيت لون شعر الرأس وتمنع من تساقطه أو تقصفه.
وقد ذكرت أحاديث كثيرة عن الحناء، فقد ذكر عبدالملك بن حبيب أن الحناء دواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا أصابه خدش أو جرح أو قرحة وضع عليها الحناء حتى يرى أثره على جلده. وكان إذا صُدِعَ غلف رأسه بالحناء. وكان لا يشتكي إليه أحد وجعاً برجليه إلا أمره بالحناء يخضبهما به. وذكر حديثاً عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دخل الحمام فأصاب هذه النورة. ولم يصب شيئاً من حناء فأصابه وضح فلا يلوم إلا نفسه".
وقال أبو هريرة كان رسول الله صلى عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي صُدِع فيغلف رأسه بالحناء. وأخرج أحمد في مسنده، والبخاري في تاريخه، والحاكم في المستدرك وصححه، وأبو داود في سننه، وابن السني وابو نعيم في الطب النبوي عن سلمى رضي الله عنها قالت: "ما شكا أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجعاً في رأسه إلا أمره بالحجامة ولا وجعاً في رجليه إلا قال أخضبهما بالحناء".
وأخرج ابن السني وأبو نعيم في الطب النبوي عن أبي رافع رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسيد الخضاب الحناء، يطيب البشرة ويزيد في الجماع". وفي الترمذي عن سلمى أم رافع خادمة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان لا يصيب النبي قرحة ولا شوكة إلا وضع عليهما الحناء".
وحديثاً، ثبتت فعالية أوراق الحناء ضد بعض أنواع السرطان منها مرض الساركوما Sarcoma. وضد التقلصات المعدية والعمل على إزالتها ولها تأثير مشابه لتأثير فيتامين (K) اللازم لوقف الإدماء والنزيف الدموي الداخلي، وفي علاج صداع الرأس وتضخم الطحال وتعمل على تخفيض ضغط الدم المرتفع.
وقد انتشر استخدام الحناء في أنواع الشامبوهات ومستحضرات الشعر ودهونه بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة نتيجة لانتشار الفوائد الطبية للحناء للشعر والجلد. وقد نشرت مجلة "Cutis" المتخصصة في أمراض الجلد في الولايات المتحدة الأمريكية في عددها الأول لعام 1986م للدكتور ناتو، مقالاً عن الحناء جاء فيه أنه صبغة ممتازة طبيعية مؤقتة للشعر، تكسبه لمعاناً وبريقاً وتمنع تقصف نهايات الشعر ولا يسبب الحساسية، كما تفعل الصبغات الأخرى الصناعية.
وقد استخدم الحناء منذ عهد الفراعنة إلى يومنا هذا في الأغراض التالية:
- تقوية الشعر وتلوينه وإزالة تقصفه وأمراضه، ويبقى أثره لمدة شهرين تقريباً.
- معالجة الأمراض الجلدية وتشقق الجلد وفطريات الجلد، التي تصيب الجلد مثل Tinea pedis التي عادة ما تصيب أصابع القدمين، وتسبب تسلخاً فيها مع رائحة كريهة. ويعرف هذا المرض باسم قدم الرياضي Athelete's foot حيث تكثر في الرياضيين مع العرق ولبس الجوارب، التي قد يتبادلونها فيعدي بعضهم بعضا. كما استخدم الحناء لمداواة الجرب Scabies.
- علاج الأظافر المتشققة والمصابة بالتهابات فطرية.
- علاج الجروح والقروح المزمنة.
- علاج الصداع.
- علاج مرض القلاع الذي يصيب الفم، وبخاصة لدى الأطفال حيث تمضغ الأوراق أو يعمل عجينة من مسحوق الأوراق وتُلاك في الفم، وكذلك قروح الفم واللسان. كما أن مغلي الأوراق يستعمل كغرغرة لآلام الحلق.
- مفيد جداً لتشقق الأظافر، ويفيد من البثور العارضة في الساقين والرجلين وسائر البدن. وزهره إذا سحق وخلط مع خل سكن الصداع، ويفيد في منع تقصف الأظافر.
- يستخدم على نطاق واسع في صباغة الجلود.
طريقة استعمال الحناء لصبغ الشعر
- تخلط حوالي 100 جرام من مسحوق الحناء مع كمية كافية من الماء الدافئ (ويفضل الماء المقطر)، ثم تكّون عجينة خفيفة ذات قوام مناسب مثل قوام معجون الأسنان.
- يخلط هذا الخليط جيداً ثم يترك جانباً طوال الليل، أو لمدة 6-8 ساعات على الأقل، ثم يوضع على الشعر بسخاء. ويمكن استعمال هذه الخلطة على الشعر الجاف أو المبلل. ولضمان توزيع الحناء على الشعر بشكل متساوٍ، يقسم الشعر لأجزاء متعددة ثم يوضع خليط الحناء على كل جزء على حده ثم يلف منفرداً.
- بعد الانتهاء من وضع الحناء على جميع أجزاء الشعر، يغطى الشعر بغطاء الاستحمام أو كيس بلاستيكي. وتترك الحناء على الشعر لمدة 3-4 ساعات ثم تغسل جيداً تحت الماء الجاري. ثم يستعمل الشامبو والبلسم على الشعر. وينصح باستعمال الحناء على الشعر لمرة أو مرتين خلال الشهر.
بعض النصائح عند استخدام الحناء :
- لا تستخدمي أي أدوات أو أواني معدنية لتحضير خليط الحناء، فقد تتداخل المعادن مع تأثير الحناء. ويمكنك استعمال الأواني أو الأدوات المصنوعة من الخشب، أو الزجاج أو البلاستيك.
- الحناء صبغة طبيعية، لذلك احرصي على التخلص من البقع الناتجة عنها أثناء التحضير فوراً، فقد تكون صعبة الإزالة فيما بعد.
- عليك التأكد بعدم وجود أية حساسية تجاه الحناء قبل استعمالها على الشعر من خلال إختبارها على مساحة صغيرة من الجلد خلف الأذن أو على باطن الساعد.
- أثناء وضع الحناء على الشعر، يفضل وضع القليل من زيت الزيتون حول الأذن وحافة الشعر، لتجنب صباغة الجلد المحيط بالشعر.
- لا بد من ارتداء قفازات بلاستيكية أو مطاطية أثناء تحضير خليط الحناء، كما ينصح بارتداء قميص ذي أكمام طويلة لتجنب صباغة الذراعين.
- تجنبي استعمال الحناء على الشعر المصبوغ كيميائياً.
أفكار بسيطة لاستعمال الحناء على الشعر :
- بدلا من استخدام الماء، اخلطي الحناء ببعض الأعشاب لتغذية الشعر. على سبيل المثال، يمكنك استعمال شاي أوراق الجوز الأخضر للحصول على لون بني للشعر.
- يمكن أيضاً إضافة القليل من عصير الليمون، أو الجريب فروت للحصول على لون فاتح.
- للحصول على لون غامق يمكن إضافة أي من الزيوت العطرية مثل زيت اللافندر أو الروزماري أو زيت شجرة الشاي.
- في حالة حدوث جفاف الشعر عند استخدام الحناء، أضيفي الزبادي الطبيعي على الخليط، كما يمكنك إضافة القليل من العسل. إذ تخلط 4 ملاعق صغيرة من مسحوق الحناء مع 4 ملاعق صغيرة من الزبادي، وملعقة كبيرة من عصير الليمون وملعقة صغيرة من العسل.
- يساعد القليل من مسحوق القرنفل في خليط الحناء على تغميق اللون. كما يمكنك إضافة القليل من مسحوق القهوة أيضاً للحصول على لون غامق.
- لتحفيز نمو الشعر، استعملي خلطة زيت الحناء الطبيعية، حيث يسخن القليل من زيت الخردل على نار ضعيفة ثم يضاف مسحوق أوراق الحناء حتى نحصل على لون بني للخليط. يترك هذا الخليط حتى يبرد. ثم يخلط هذا الخليط مع القليل من عصير الليمون أو الزبادي ويترك على الشعر لمدة ساعة أو ساعتين ثم يغسل جيداً.
المصدر: نشرت هذه المقالة في مجلة بلسم.