مع كل شتاء، نواجه المشكلة نفسها: غرف مغلقة، هواء راكد، وجراثيم تتنقل بين الأشخاص بلا أي مقاومة. لكن ماذا لو وُجد جهاز قادر على تنقية الهواء والتقاط الميكروبات لحظة خروجها قبل أن تسبّب أي عدوى؟ قد يبدو الأمر خيالًا علميًا، ولكنه أصبح حقيقة!
فقد طوّر باحثون في جامعة بريتيش كولومبيا جهازًا مبتكرًا لا يكتفي بتنقية الهواء، بل يصطاد الجراثيم من مصدرها مباشرة ويمنع انتشارها في المكان. فكيف يعمل هذا الابتكار؟ وهل يستطيع بالفعل خفض خطر العدوى؟ وما الذي يجعله مختلفًا عن أنظمة التهوية التقليدية؟
لماذا تفشل أنظمة التهوية التقليدية في منع انتشار الجراثيم؟
حتى اليوم، اعتمدت أغلب الحلول المتاحة على زيادة تهوية الغرفة بالكامل أو توجيه هواء نظيف مباشرة نحو الشخص، كما يحدث عند الجلوس أسفل فتحات التهوية داخل الطائرات.
لكن من الصعب تطوير هذه الأنظمة لتقاوم الجراثيم للأسباب الآتية:
- الحاجة للبقاء في مكان ثابت؛ إذ يفقد النظام فعاليته بمجرد أن يتحرك الشخص.
- صعوبة تعميم التجربة ما لم يحصل كل فرد على الجهاز نفسه.
- انعدام الراحة نتيجة التعرّض لتيار هواء مستمر قد يسبب جفاف العين والجلد.
جودة الهواء داخل المباني عنصر أساسي يُؤثر على صحتنا، فقد أظهرت الدراسات أنّ معظمنا يقضي نحو 90% من وقته داخل المباني والأماكن المغلقة، خصوصًا خلال فترة الشتاء.
اقرأ أيضًا: الأمراض المنقولة بالهواء.
كيف وُلدت فكرة جهاز "Jet-Sink" داخل مختبرات بريتيش كولومبيا؟
ليست كل الأماكن متماثلة؛ فبعضها مزوّد بأنظمة تكييف معقدة، بينما يفتقر البعض الآخر لأي تهوية مناسبة. وهذا يجعل من الصعب تطبيق حل واحد يناسب جميع المساحات الداخلية.
من هنا انطلق هدف فريق البحث: تصميم نظام تهوية ينقي الهواء، ويُقلل التعرض للهواء الملوث والجراثيم.
قد يهمك: فوائد جهاز تنقية الهواء.
التقنية الثورية: كيف يلتقط "Jet-Sink" الجراثيم فور خروجها؟
تمكّن الباحثون من ابتكار نظام تهوية لا يعتمد على ضخ الهواء بقوة نحو الشخص كما تفعل الأجهزة التقليدية؛ بل يعمل بآلية أكثر ذكاءً ودقة:
- توجيه الهواء حول المستخدم بطريقة مدروسة تخلق مسارًا يحاصر الرذاذ الناجم عن الكحة والعطس والتنفس.
- سحب الجزيئات الملوثة فور خروجها مع عملية الزفير من الفم والأنف.
- منعها من الوصول إلى الآخرين أو الانتشار داخل الغرفة.
الأرقام تتحدث: انخفاض خطر العدوى بنسبة تصل إلى 94%
قام الباحثون بتجربة تحاكي جلوس شخصين في غرفة لمدة نصف ساعة، وكانت النتائج كالآتي:
| نوع التهوية | احتمال الإصابة بالعدوى | كفاءة الجهاز في التخلص من الجراثيم |
| التهوية العامة للغرفة (مثل استخدام التكييف) | 91% | ضعيفة جدًا |
| التهوية الشخصية التقليدية (جهاز يوجّه هواءً نظيفًا نحو شخص واحد فقط) | 47.6% | متوسطة |
| التهوية الشخصية مع نظام لشفط الهواء | 38% | جيدة |
| نظام "Jet-Sink" الجديد | 9.5% | ممتازة وكفاءة تصل إلى 94% |
وعلى سبيل المقارنة: خلال أول 15 دقيقة من التعرض لمريض واحد، لم يصل سوى 10 جزيئات فقط من أصل 540,000 جزيء ملوّث إلى الشخص الآخر عند استخدام نظام "Jet-Sink"! بمعنى آخر يعمل الجهاز مثل "مصيدة ذكية" تلتقط الجراثيم قبل أن تصل إلى أنفك أو فمك.
أين يمكن استخدام الجهاز؟
يقول د. جوشوا برينكيرهف، أستاذ هندسة ميكانيكية وعضو في فريق تطوير الجهاز: "التصميم ذكي وقابل للتكيّف… ومثالي للأماكن التي لا يمكن فيها تجنّب المخالطة المباشرة".
وهذا يوضح تمامًا أين يمكن لهذا الابتكار أن يحدث فرقًا حقيقيًا، خصوصًا في الأماكن التي يضطر الناس فيها للتواجد على مسافات قصيرة، مثل:
- العيادات الطبية: حيث يقف الأطباء والمرضى وجهًا لوجه أثناء الفحص.
- الفصول الدراسية: للحد من انتقال العدوى بين الطلاب داخل المساحات المغلقة.
- المكاتب وغرف الاجتماعات: حيث يجلس الموظفون في غرف مشتركة لفترات طويلة دون تهوية كافية.
التقنية الجديدة مقابل فلاتر الهواء: أيهما أكثر فعالية في منع العدوى؟
كثيرًا ما يُوصي الخبراء باستخدام أجهزة تنقية الهواء التي تعتمد على استخدام فلاتر عالية الجودة، ولكن أظهرت نتائج الدراسة أن الاعتماد على هندسة تدفّق الهواء الدقيقة قد يكون أكثر تأثيرًا بكثير من الاعتماد على فلاتر الهواء وحدها. فبينما تعمل الفلاتر على تنظيف الهواء بعد انتشاره في المكان، يعتمد نظام "Jet-Sink" على مبدأ مختلف تمامًا: منع الجراثيم من انتشارها أساسًا، والتقاطها من مصدرها لحظة خروجها.
قد يهمك: ما العلاقة بين تلوث الهواء في المنزل والأمراض؟
خطوات عملية لتهوية الهواء وتنقيته
وبينما ننتظر هذه التقنية لتصبح متاحة على نطاق واسع، يمكن لبعض العادات اليومية أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في تقليل خطر العدوى داخل الأماكن المغلقة:
- افتح النوافذ كل صباح لتجديد الهواء وتقليل تراكم الجزيئات الملوثة.
- استخدم أجهزة تنقية الهواء المنزلية لتحسين جودة الهواء، خاصة في الغرف المغلقة.
- حافظ على مسافة آمنة أثناء الحديث لتقليل انتشار الرذاذ التنفسي.
- تجنّب الأماكن المزدحمة لفترات طويلة قدر الإمكان، خصوصًا في الشتاء.
هذه الخطوات البسيطة لا تحلّ المشكلة بالكامل، لكنها تقلل من فرص انتقال الجراثيم حتى تصل التقنيات الجديدة إلى السوق.
اقرأ أيضًا: طرق انتقال البكتيريا والفيروسات.
نصيحة الطبي
يكشف نظام "Jet-Sink" عن نقلة نوعية في الوقاية من العدوى داخل الأماكن المغلقة، فهو يلتقط الجراثيم من مصدرها قبل أن تنتشر في الهواء.
وتُظهر التجارب أنه قادر على خفض خطر الإصابة إلى 9.5% فقط وإزالة 94% من الجزيئات الملوثة. ورغم أن التقنية ما زالت قيد التطوير، يبقى تحسين التهوية واتباع سلوكيات وقائية بسيطة خطوة مهمة لحماية صحتك وصحة من حولك.