يختار الكثيرون اليوم اللحوم النباتية لأسباب صحية، أو رغبةً في تقليل استهلاك اللحوم الحيوانية، أو دعمًا للبيئة وتقليل البصمة الكربونية. لكن معظم البدائل النباتية المتوفرة مليئة بالمواد الكيميائية، ونكهتها ليست دائمًا مقنعة، وقوامها بعيد عن تجربة اللحم الحقيقي.
إلى أن جاء ابتكار جديد قد يغيّر قواعد اللعبة؛ إذ نجح الباحثون في تصنيع بروتين نباتي مستخلص من بذور دوار الشمس، يتميز بنكهة أفضل وملمس أقرب بكثير إلى اللحم التقليدي.
البداية: كيف تحوّلت بذور دوار الشمس إلى بديل لحوم؟
انطلقت الفكرة من معهد تكنولوجيا الغذاء (ITAL) وجامعة كامبيناس (UNICAMP) في البرازيل، بالتعاون مع معهد فراونهوفر الألماني؛ حيث بدأ الفريق خطوات دقيقة لتحويل بذور دوار الشمس من مجرد مصدر للزيت إلى بروتين نباتي عالي الجودة. وشملت العملية:
- استخراج زيت بذور دوار الشمس.
- إزالة القشور والمركبات الفينولية التي تمنح هذه البذور اللون الداكن وتعيق امتصاص العناصر الغذائية.
- إنتاج طحين نقي بنكهة محايدة ليصبح أساس اللحوم النباتية.
وساهمت هذه الخطوات في رفع القيمة الغذائية لطحين دوار الشمس وتحسين قوامه، ليصبح مادة مثالية لإنتاج بديل نباتي أقرب للحوم في الطعم والملمس.
خطوات تصنيع بروتين دوار الشمس: من البذرة إلى البرغر
طوّر الباحثون نموذجين أوليين لبرغر نباتي مشتق من دوار الشمس، بهدف تحضير برتين نباتي بديل للحوم كالآتي:
- النموذج الأول من برغر دوار الشمس:
صنع من طحين بذور دوار الشمس المحمصة، مما منحه نكهة خفيفة وقوامًا أفضل.
- النموذج الثاني من برغر دوار الشمس:
تم تحضيره من بروتين بذور دوار الشمس المحبب (Textured Protein)، وهو بروتين نباتي يتم تجفيفه ومعالجته ليأخذ قوامًا ليفيًا يشبه ألياف اللحم الحيواني، مما يجعله أكثر قدرة على محاكاة ملمس اللحم الحقيقي.
ولتحسين نكهة البرغر، قرر الباحثون إضافة المكونات الآتية بكميات مدروسة:
- مسحوق الطماطم المجففة؛ لتعزيز اللون والنكهة.
- خلطة من توابل البرغر للحصول على نكهة قريبة من اللحوم الحيوانية.
- مزيج من زيوت دوار الشمس، والزيتون وبذور الكتان لرفع القيمة الغذائية وتحسين قوام البرغر.
وبعد تشكيل البرغر وخبزه، خضع النموذجان لسلسلة من الاختبارات الدقيقة التي شملت تقييم القوام، والنكهة، والرائحة، إلى جانب فحوصات كيميائية متقدمة لقياس القيمة الغذائية، وقدرتهما على الاحتفاظ بالرطوبة، ومدى تشابه قوامهما مع البرغر الحيواني التقليدي.
قد يهمك: فوائد وأضرار اللحوم الحمراء.
القوام والنكهة: هل يستطيع منافسة اللحم الحقيقي؟
أظهر النموذج الثاني تفوقًا واضحًا من حيث القوام والنكهة، وأكد الباحثون أن تجربة المضغ واقعية جدًا، وقوام البرغر كان قريبًا بشكل كبير من منتجات اللحوم التقليدية مثل البرغر، والناغتس، وحتى شرائح الستيك النباتية.
أما بالنسبة للقيمة الغذائية فقد كانت النتائج مذهلة:
| العنصر الغذائي | كميته في الحصة الواحدة من البرغر |
| الحديد | 49% من الكمية اليومية الموصى بها |
| الزنك | 68% |
| المغنيسيوم | 95% |
| المنغنيز | 89% |
إضافة إلى ذلك، يحتوي البرغر على نسبة مرتفعة من الدهون الصحية غير المشبعة—المعروفة بفوائدها لصحة القلب والأوعية الدموية—على عكس اللحوم الحيوانية التي غالبًا ما تكون غنية بالدهون المشبعة.
لماذا يُعد دوار الشمس خيارًا مثاليًا لصناعة بدائل اللحوم؟
دوار الشمس ليس مجرد زهرة جميلة أو مصدر للزيوت النباتية فحسب، بل أظهر الباحثون أنه يتمتع بمجموعة من الخصائص اللافتة التي تجعله خيارًا مميزًا في صناعة بدائل اللحوم، أبرزها:
- احتواؤه على مزيج متوازن من الأحماض الأمينية الأساسية، مما يجعله بروتينًا نباتيًا عالي الجودة وقادرًا على منافسة بروتينات الصويا والبازلاء.
- كونه محصولًا غير معدل وراثيًا (Non-GMO)، وهو ما يجذب فئة واسعة من المستهلكين الباحثين عن خيارات طبيعية وعضوية.
- توافره الواسع، خاصة في أوروبا والبرازيل، مما يجعل استثماره اقتصاديًا وأسهل في الإنتاج على نطاق واسع.
- صديقة للبيئة، وهذا يعني أنه يساعد على تقليل الاعتماد على اللحوم الحيوانية وخفض البصمة الكربونية بشكل ملحوظ، وهي كمية التلوث الناتجة عن أنشطتنا اليومية—مثل الأكل—والتي تؤثر على حرارة الأرض والمناخ.
نقطة التحول: ماذا يعني هذا الابتكار للمستهلك؟
اعتماد بروتين دوار الشمس في صناعة الأغذية قد يغيّر كثيرًا من خياراتنا الغذائية اليومية، ويقدم فوائد ملموسة، من أبرزها:
- تحسين صحة القلب، بفضل احتوائه على دهون غير مشبعة تُعرف بدورها في حماية القلب والأوعية الدموية.
- تقليل استهلاك الموارد، إذ يحتاج إنتاجه إلى مياه وأراضٍ أقل بكثير مقارنة بتربية الحيوانات.
- الحصول على بدائل نباتية بطعم وملمس قريب من اللحم الحقيقي، مما يجعل الانتقال إلى خيارات نباتية أسهل وأكثر إرضاءً للمستهلك.
نصيحة الطبي
ورغم أن بروتين دوار الشمس ليس الحل النهائي لكل التحديات التي تواجه صناعة اللحوم النباتية، فإنه يمثل خطوة واعدة نحو تطوير منتجات أكثر طبيعية، وأعلى قيمة غذائية، وأقرب في الطعم والقوام إلى اللحم الحقيقي.
وإذا كنت تفكّر في تقليل استهلاك اللحوم أو اعتماد خيارات نباتية بصورة أكبر لأسباب صحية أو شخصية، لا تتردد في استشارة أخصائي التغذية لضمان اختيار البدائل النباتية الأنسب لاحتياجات جسمك.