هل يمكن لدموعنا، التي طالما ارتبطت بمشاعر الحزن أو الفرح، أن تُصبح وسيلة محتملة للتشخيص؟ في تطور علمي مذهل، يعتقد باحثون بريطانيون أن هذه القطرات الصغيرة قد تكون المفتاح للكشف المبكر عن أورام الدماغ، أحد أكثر أنواع السرطان فتكاً وصعوبة في التشخيص.
في جامعة مانشستر، تقود البروفيسورة بيترا هامرليك وفريقها بحثاً رائداً بدعم من حملة تابعة لمؤسسة أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، لاختبار فكرة مبتكرة: هل يمكن للدموع أن تكشف عن وجود أورام في الدماغ قبل فوات الأوان؟
تحديات أمام تشخيص أورام الدماغ
لطالما شكّل تشخيص أورام الدماغ تحدياً هائلاً للأطباء. تقول البروفيسورة هامرليك: "غالباً ما يتم اكتشاف أورام الدماغ في وقت متأخر لأن أعراضها غامضة، مثل الصداع أو نوبة صرع، وفي معظم الأحيان، يكون مجرد صداع عابر، ولكن عندما يكون ورماً، فإن التأخير في التشخيص يسبب قلقاً هائلاً للمرضى، ويؤثر على جودة حياتهم".
هذا التحدي ليس مجرد مشكلة علمية بالنسبة لهامرليك، فقد فقدت والدها بسبب ورم دماغي بعد عام من المعاناة والغموض، وهي تجربة شخصية دفعتها إلى تكريس حياتها لإيجاد طريقة أفضل للتشخيص المبكر.
العقبة الكبرى أمام الأطباء هي ما يُعرف بـ"الحاجز الدموي الدماغي"، وهو درع بيولوجي منيع يحمي الدماغ من المواد الضارة، لكنه في الوقت نفسه يحبس بداخله الأدلة التي يحتاجها الأطباء، مثل خلايا الورم أو أجزاء من حمضه النووي، مانعاً وصولها إلى مجرى الدم إلا في مراحل متقدمة من المرض.
لماذا الدموع تحديداً؟
هنا تكمن عبقرية الفكرة. لجأ فريق هامرليك إلى الدموع بسبب الصلة الوثيقة بين العين والدماغ، فالعصب البصري يتصل مباشرة بالدماغ، كما أن الدموع نفسها تُصنع من بلازما الدم التي يتم ترشيحها عبر غدد يتحكم فيها جذع الدماغ.
"افترضنا أنه مع نمو الورم، فإنه يعيد تشكيل جهاز المناعة في الدماغ، وأن هذا التغيير يمكن أن ينعكس في سائل الدموع"، تشرح هامرليك. وبناءً على هذه الفرضية، انطلق الفريق في رحلة استمرت أكثر من عقد من الزمان لتطوير اختبار يمكنه قياس هذه التغيرات المناعية الدقيقة عبر تحليل مكونات الدموع.
وكانت النتائج الأولية لدراسة تجريبية شملت 164 مشاركاً "واعدة للغاية"، حيث تمكن الاختبار من الكشف عن أورام الدماغ بدقة عالية باستخدام فحص شيرمر الذي يُستخدم بالفعل لتشخيص جفاف العين.
واليوم، بعد عقد من العمل والدعم المستمر، يجري الفريق تجربة موسّعة تحت إشراف هيئة الخدمات الصحية البريطانية (NHS) بمشاركة مراكز بحثية من المملكة المتحدة وعدة دول أوروبية، بهدف التحقق من دقة الاختبار على نطاق أوسع.
قصة إنسانية وراء البحث
من بين المشاركين في الدراسة أليكس ديفيز، البالغ من العمر 49 عامًا، والذي يعاني من الورم الأرومي الدبقي (بالإنجليزية: Glioblastoma)، أكثر أنواع أورام الدماغ عدوانية. في البداية، انهار أليكس بشكل مفاجئ، وعولج على أنه مُصاب بالصرع لأشهر، تفاقمت خلال هذه الفترة أعراضه من صداع حاد، ومشاكل في النطق، إلى أن تم تشخيصه بالسرطان.
لكن بعد رحلة علاج طويلة من الجراحة والعلاج الكيماوي والإشعاعي، عاد الورم للظهور، إلا أن أليكس قرر أن يساهم بما يستطيع.
يشارك أليكس اليوم بدموعه في الدراسة، وهو يتلقى الرعاية التلطيفية في منزله. يقول: "لا أعرف ما إذا كان التأخير في تشخيص الورم سيغير من نتيجتي، ولكن إذا كانت مساعدتي في هذا البحث تعني أن شخصاً مثلي يمكن تشخيصه مبكراً، فهذا يمنح أملاً حقيقياً للمستقبل".
اختبار سهل للتشخيص
الهدف النهائي للبروفيسورة هامرليك هو ابتكار اختبار سريع وغير مكلف يمكن لطبيب الأسرة استخدامه لفرز المرضى الذين يعانون من أعراض مقلقة، وتحديد من منهم يحتاج إلى فحص رنين مغناطيسي عاجل.
وتؤكد: "الأمر لا يتعلق باستبدال التصوير بالرنين المغناطيسي، بل بتسريع مسار التشخيص، ومنح المرضى إجابات شافية في وقت أسرع".
إذا نجح هذا الاختبار، فقد تصبح بضع قطرات من الدموع كافية لتغيير مستقبل تشخيص أورام الدماغ.
في حال الرغبة للاستفسار عن أي شيء يخص الصحة، يمكنكم الحصول على استشارة طبية عن بُعد لدى موقع الطبي.