اكتشاف مركب "ذكي" يوقف نمو السرطان دون إيذاء الخلايا السليمة

اكتشف علماء من معهد "فرانسيس كريك" في لندن بالتعاون مع شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية Vividion Therapeutics، مركّبًا جديدًا قادرًا على إيقاف نمو الأورام السرطانية دون الإضرار بالخلايا السليمة.

الدواء الجديد، الذي نجح في تجارب على الفئران المصابة بسرطان الرئة والثدي، أثبت فعاليته العالية دون ظهور الأعراض الجانبية التي كانت ترافق العلاجات السابقة، وقد بدأت التجارب السريرية الأولى على البشر؛ لتقييم أمانه وفعاليته.

جين "RAS".. المحرك العنيد للسرطان

لفهم هذا الإنجاز، يجب أولاً معرفة العدو. يلعب جين "RAS" دوراً محورياً في التحكم في نمو الخلايا وانقسامها، لكن طفرات هذا الجين، التي تحدث في حوالي 1 من كل 5 سرطانات، تجعله "نشطاً بشكل دائم"، فيرسل إشارات مستمرة تدفع الخلايا إلى النمو والتكاثر بلا توقف.

وعلى مدى الثلاثين عاماً الماضية، كرس البروفيسور جوليان داونوارد، من معهد كريك، حياته المهنية لمحاولة إيقاف هذا الجين المتحور.

كيف يعمل العلاج الجديد؟

كان التحدي دائماً أن إيقاف "RAS" أو الإنزيمات التي يتحكم بها بشكل كامل لتكاثر السرطان أمر بالغ الصعوبة؛ لأن هذه المسارات نفسها ضرورية لوظائف الخلايا السليمة.

يوضح البروفيسور داونوارد: "وجهنا انتباهنا إلى إنزيم معين يسمى PI3K، على أمل أن نتمكن من استهدافه لوقف نمو السرطان، مع الحفاظ على وظيفته الأساسية في الخلايا السليمة".

يوجد بالفعل دواء في السوق (Alpelisib) يستهدف إنزيم PI3K لعلاج سرطان الثدي. ولكن، ولأن إنزيم PI3K يتفاعل أيضاً مع الإنسولين للتحكم في مستويات السكر، فإن المرضى الذين يتناولون الدواء يعانون غالباً من "ارتفاع حاد في سكر الدم"، مما يحد من قدرتهم على مواصلة العلاج.

هنا يأتي دور الاختراق الجديد. باستخدام مسح كيميائي متقدم، تمكنت شركة Vividion  من تحديد جزيئات صغيرة تقوم بخطوة بالغة الدقة:

بدلاً من إغلاق إنزيم PI3K بالكامل، تلتصق هذه الجزيئات "بشكل دائم" على سطح الإنزيم، تحديداً "بالقرب من النقطة" التي يرتبط بها جين "RAS" المسرطن. بهذه الطريقة، يمنع المركب الجديد الاتصال بين "RAS" و"PI3K"، فيقطع إشارة نمو السرطان، ولكنه لا يعطل وظائف الإنزيم الأخرى، مثل تفاعله مع الإنسولين وتنظيم سكر الدم.

نتائج مذهلة في الفئران.. وبدون آثار جانبية

عند اختبار المركّبات الجديدة على فئران مصابة بسرطان الرئة الناتج عن طفرة في جين RAS، لاحظ الباحثون أن نمو الأورام توقف تمامًا دون أي علامات على ارتفاع السكر في الدم حتى بجرعات عالية.

كما جُرّب العلاج إلى جانب أدوية أخرى تستهدف المسارات الجزيئية نفسها، وكانت النتيجة تثبيطًا أطول وأكثر قوة لنمو الورم مقارنة باستخدام كل دواء بمفرده.

نتائج غير متوقعة في سرطانات أخرى

لم يتوقف النجاح عند هذا الحد. اختبر الفريق الدواء أيضاً على فئران لديها طفرة في جين آخر مسبب للسرطان يسمى "HER2"، الشائع في سرطان الثدي.

والمثير للدهشة أن الدواء نجح في قمع نمو هذه الأورام أيضاً، وكان هذا التأثير مستقلاً عن جين "RAS"، مما يشير إلى أن هذا العلاج الجديد قد يكون فعالاً ضد أنواع أكثر من السرطانات مما كان يُعتقد في البداية.

بداية مرحلة التجارب البشرية

الدواء الجديد دخل الآن مرحلة التجارب السريرية الأولى على البشر لاختبار مدى أمانه وآثاره الجانبية، خصوصًا لدى المرضى الذين يعانون من طفرات في جيني RAS وHER2، كما ستُقيّم التجارب فعاليته عند دمجه مع أدوية أخرى تستهدف نفس المسار الجزيئي.

يقول البروفيسور داونوارد: "كنا ندرس هذه المسارات لثلاثين عاماً، وحتى وقت قريب، كان الوصول إلى شيء قد يفيد المرضى يبدو بعيد المنال. من المثير جداً رؤية هذا العمل ينتقل من التجارب العلمية الأولى إلى تجربة سريرية".