الطب الشرعي

الطب الشرعي هو ذلك الفرع من الطب الذي يختص بكشف الحقائق العلمية حسب طلب المحققين الجنائيين مثل تحديد أسباب ووقت الوفاة وكشف مستويات السموم وغيرها. في العديد من الدول، تعتبر دائرة الطب الشرعي، جزء من مؤسسات الدولة القضائية أكثر من كونه دائرة تابعة للمؤسسة الصحية. 

يعود جذور الطب الشرعي الى الألف السادس قبل الميلاد، حيث ساهمت الحضارات المصرية والسومرية والبابلية في تطوير هذا العلم، وحيث يعتبر امحوتب من أوائل خبراء الطب الجنائي، وقام الطبيب اليوناني أبو قراط والطبيب الروماني جالين بمساهمات فاعلة في تطوير هذا الفرع الطبي المهم.

أما في العصور المظلمة فلم تحدث أي تطورات وعاد الانتعاش في القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، وكانت اهتمامات العلماء الألمان بالطب الشرعي في بدايات القرن التاسع عشر تمثل النواة الأولى للطب الشرعي الحديث، وكانت المحاضرات تلقى بشكل دوري في هذا المجال في مدينتي فرايبورج وفيينا.

ارتكز عمل العلماء في وقتها على البحث العلمي التجريبي على الجثث، بينما لم يتم الاعتراف بالطب الشرعي كعلم مستقل في الولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 1959.

تختلف متطلبات الاختصاص بين الدول، إذ تكون عبارة عن برنامج طبي تدريبي لمدة خمس سنوات في كندا مثلاً، بينما يقتصر التدريب على ثلاث سنوات في الهند، وفي أستراليا يحتاج الطبيب إلى إتمام تدريب كامل في التشريح المرضي قبل أن يستطيع الدخول إلى التدريب الخاص بالطب الشرعي. أما في أوروبا، يتم تدريب الأطباء المتخرجين حديثاً لضمان استمرارهم باعتماد المنهج العلمي الصرف.

يتعامل الأطباء غالباً مع جثث الموتى، في سياق التحقيقات الجنائية أو التحقيقات المدنية أو في سياقات أخرى. يطلب من الأطباء الشرعيين التعرف على الضحايا والمثول أمام المحكمة ومسؤوليات أخرى عديدة. يمثل الطبيب كشاهد خبير أمام المحكمة، ووظيفته هي سرد الحقائق أمام القاضي، ولا يحق له الانحياز إلى طرف دون آخر.

بذلك تختلف طبيعة عمل الطبيب الشرعي عن الطبيب المدني، الذي يمثل امام المحكمة في معظم الأحيان كمدافع عن مريضه. تمتد وظائف الطبيب الشرعي لتشمل فحص المتهمين بالجرائم، للبحث عن دلائل على قيامهم بالجريمة، مثل تواجد مواد سمية أو آثار لمسحوق البارود على أيديهم على سبيل المثال. وفحص ضحايا الإصابات الغير قاتلة، والتي يعتقد أن المصابين تعمدوا إصابة أنفسهم بها لأسباب عديدة مثل الحصول على تعويضات مالية من شركات التأمين.

واجبات الطبيب الشرعي:

الطبيب الشرعي هو طبيب متخرج من كلية الطب، ومن ثم أتم التدريب الخاص بعلم التشريح المرضي وحصل على الاختصاص في الطب الشرعي، يقوم الطبيب الشرعي بفحص الجثث بشكل تفصيلي، ومن ثم يقوم بتشريح الجثة للوصول إلى سبب الوفاة، تنص القوانين في معظم الدول على تشريح كل جثة لمريض توفى في ظروف غير طبيعية، أو كانت الوفاة حدثت خارج المستشفى.

يتضمن التقرير النهائي مشاهدات الطبيب الشرعي بالنسبة للنواحي التالية:

الحالة المرضية أو الإصابة المباشرة التي نتج عنها تسلسل الأحداث التي أدت إلى موت المريض، أو كما يعرف بكيفية الموت، كما في الإطلاقات النارية على الرأس أو حالات الاختناق أو الجلطات القلبية.

كيفية الموت وتفاصيل سبب الموت، والتي تنحصر بالغالب بين:

1. القتل العمد.
2. الحوادث العرضية.
3. الموت بصورة طبيعية.
4. أن يظل سبب الموت مجهولاً.

كما يمكن أخذ عينات من الجثة للوصول إلى حقائق أخرى غير سبب الوفاة، مثل التعرف على هوية الضحية، ويركز الطبيب الشرعي على توثيق وجود الجروح والإصابات أثناء فحص جثث الضحايا، وأحياناً أثناء الفحص السريري للمرضى الأحياء.

يقوم الطبيب بأخذ عينات من الجثة لغايات الفحص النسيجي، للمساعدة في تحديد سبب الوفاة مثل الأسباب الطبيعية، أو البحث عن ظواهر نسيجية مثل وجود مادة الأسبستوس في الرئة، أو وجود ذرات مسحوق البارود حول الجروح.

من مهام الطبيب الشرعي الروتينية جمع وتحليل الأنسجة وسوائل الجسم لغرض فحص السموم، وفيها يحدد الطبيب الأسباب الكيميائية للموت مثل التعرض لجرعات زائدة من المخدرات أو الموت بالسم.

من الأقسام التي استُحدثت في علم الطب الشرعي هو علم الطب الشرعي النفسي، وفيه يقيم الطبيب الحالة النفسية والعقلية للمريض أو المتهم، لتحديد إمكانية محاكمته بسبب الجرائم التي ارتكبها.

يعمل الطبيب الشرعي بالتنسيق مع جهات رسمية مختصة بالتحقيقات الجنائية مثل المعمل الجنائي ومختبرات السموم والمحكمة الجنائية، والتي يمثل أمامها الطبيب للإدلاء بشهادته كشاهد خبير في المحاكمات.

في بريطانيا، يطلق على الطبيب الشرعي تسمية "جراح الشرطة"، وذلك بسبب تلقيهم لتدريبات خاصة لتقييم وضعية الضحايا الذين لايزالون على قيد الحياة، وتقديم الرعاية الطبية العاجلة لهم، وضمنهم ضحايا الاغتصاب الجنسي والأشخاص المحتجزين في مراكز الشرطة.