تمكن العلماء في كامبردج من استكمال أكبر مشروع لتتبع الجينات في العالم لتحسين فهم الأمراض وتسريع تشخيصها. ووصفت جينومكس إنجلاند المشروع بأنه "نقطة تحوّل مهمة في الإنجازات الطبية التي تم تحقيقها للمجتمع والإنسانية".

شارك في الدراسة عدد كبير من المرضى الذين يعانون من أمراض نادرة، وأفراد من عائلاتهم، ومرضى السرطانات المختلفة.

وقد حصل واحد من كل أربعة مشاركين يعانون من أمراض نادرة على تشخيص صحيح لحالته لأول مرة، وهو الأمر الذي أعطى أملاً بالنسبة للكثيرين، فحتى الآن، كان آباء الأطفال الذين يعانون من حالات وراثية نادرة يقضون سنوات في محاولة لمعرفة سبب إصابتهم بالاضطرابات المختلفة.

بهذا انتهى مشروع تتبع 100000 شيقرة وراثية، منهياً بذلك "رحلة التشخيص" الطويلة التي خاضتها العديد من العائلات، ومؤدياً في بعض الحالات إلى استخدام علاجاتٍ فعالةٍ.

مشروع تتبع الجينات يحقق "فرقاً مذهلاً"

  • خضعت تيلي، ابنة هانا يونغ، التي تبلغ من العمر ست سنوات، وتعاني من اضطراب يتسبب في تأخر النمو والإصابة بتشنجات، لدراسة تتبع الشيفرة الوراثية هذه مع والديها.
  • في شهر يناير من عام 2018، تم تشخيص إصابتها بنقص GAMT، وهو اضطراب استقلابي قابل للعلاج ينجم عن طفرة وراثية.
  • قبل ذلك، اضطر والدي تيلي إلى إدخالها عدة مرات إلى المستشفى، وفقدت القدرة على المشي، وتعرضت للمئات من نوبات التشنج يومياً.
  • منذ أن بدأت تيلي بالعلاج، كان "الاختلاف مذهلاً". فقد بدأت بالتواصل ولم تعد تتعرض لنوبات التشنج.
  • على الرغم من أن تيلي لا تزال تعاني من تخلف عقلي شديد، إلا أن وضعها أصبح أفضل بكثير مقارنةً بما كانت عليه قبل التشخيص.
  • لو أنه تم تشخيص مرض تيلي في وقت سابق، لكان من الممكن منع حدوث بعض الأضرار طويلة المدى.

تضمن المشروع، تتبع الشفرة الوراثية، أو الجينوم، لـ 85000 شخص تقريباً، ولكن نظراً إلى تتبع الشفرة الوراثية للأورام لمرضى السرطان أيضاً، وصل عدد الشفرات الوراثية التي تم تتبعها إلى 100000 شفرة.

يتكون الجينوم البشري من مليارات الأجزاء من الحمض النووي (DNA)، الموجود في كل خلية في الجسم تقريباً. وأي خطأ في هذا التسلسل يمكن أن يؤدي إلى مجموعة كبيرة من الاضطرابات.

الرابط بين الجينات والسرطان

تم اختيار السرطان والأمراض النادرة للمشروع نظراً لارتباطها بقوة بالتغيرات التي يمكن أن تحدث في الحمض النووي. يتم تحفيز تكوين الخلايا السرطانية نتيجة حدوث طفرات في الجينات، في حين تنتج معظم الأمراض النادرة أيضا عن أخطاء في تسلسل الجينات.

كارين كارتر، 46 عاماً، كانت من بين 15000 مريض سرطان تم تتبع الشيفرة الوراثية لأورامهم السرطانية، بالإضافة إلى الشيفرة الوراثية التي ورثوها عن والديهم.

وقد تم تشخيص شقيقة كارين وجدتها واثنين من أبناء عمومتها بالسرطان في سن مبكرة، وتأمل كارين أن تتبع الشيفرة الوراثية لها وللخلايا السرطانية التي انتشرت في جسدها يمكن أن يساعد في معرفة وجود علاقة بين السرطان والجينات التي يحملها أفراد العائلة، وبالتالي تخفيف تعرض أفراد العائلة الآخرين للخطر.

وتمكن نصف مرضى السرطان الذين خضعوا للدراسة من المشاركة في تجربة سريرية أو تلقي علاج مستهدف. وتم تنفيذ جميع تسلسلات الشيفرات الوراثية في معهد ويلكوم سانجر، بالقرب من كامبريدج، في المختبرات التي تديرها شركة إليومينا، وهي شركة للتقنيات الحيوية في كاليفورنيا.

وقد تم الإشراف على العمل من قبل جينومكس إنجلاند، التي تم إنشاؤها في عام 2013 لتنفيذ مشروع الجينوم.

على الرغم من اكتمال عملية تتبع الشيفرات الوراثية، إلا أن تحليل الجينوم- من قبل الباحثين في المملكة المتحدة- مستمر ولا يزال بعض المشاركين ينتظرون النتائج.

يوجد الآن خطط لتتبع مليون شيفرة وراثية في المملكة المتحدة خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث أصبح الاختبار الجيني جزءاً أكثر أهمية في الرعاية الطبية.

"إنجاز استثنائي"

يقول البروفيسور مارك كولفيلد، رئيس هيئة العلماء في جينومكس انجلاند: "إن تتبع 100000 شيفرة وراثية كاملة يمثل إنجازاً استثنائياً في المملكة المتحدة".

تتمثل الآمال المعقودة في أن نتائج المشروع يمكن أن تؤدي إلى تشخيص الأمراض بسرعة أكبر، وزيادة الوقاية من الأمراض، واستحداث الأدوية الأكثر استهدافاً.

قال السير جون تشيشولم، رئيس مجلس إدارة جينومكس إنجلاند: "سيصبح الفحص الجيني أخيراً جزءاً أساسياً من السجل الطبي، ومن شأن هذا أن يسمح بمقارنة الاضطرابات التي يمكن أن تعاني منها مع تسلسل الشيفرة الوراثية الخاصة بك، وبالتالي تشخيص حالتك بدقة أكبر والحصول على العلاج."

من الجدير بالذكر أن تتبع الشيفرة الوراثية البشري بالكامل تم لأول مرة في عام 2003، واستغرق الأمر 13 سنة بتكلفة 2 مليار جنيه استرليني.

اليوم، يمكن تتبع الشيفرة الوراثية البشرية خلال 30 دقيقة فقط، بتكلفة قدرها 600 جنيه استرليني.

قالت البروفيسورة سو هيل، رئيسة هيئة العلماء في إنجلترا: "تظهر النتائج كيف يمكن للطب الجيني أن يحول حياة الناس، والفرصة الآن هي تحويل هذا البحث إلى حقيقة من خلال إدخال تقنية تتبع الشفرة الوراثية كجزء من الخدمة الطبية الجينية الرائدة في العالم."