الذاكرة اللاإرادية

تعتبر الذاكرة غير الإرادية جزءًا طبيعياً من العقلية البشرية، كما تعد أداة مهمة لتوجيه أفعال الإنسان وتفكيره وتصرفاته. يسترجع الدماغ محتويات الذاكرة غير الإرادية بشكل أسرع وأسهل من الذاكرة الإرادية. يكون هذا الاسترجاع بدون جهد، ويحدث أثناء الأنشطة اليومية العادية، كأن يشاهد الشخص منظراً معيناً يبدأ بعدها الدماغ بمشابهة هذا المنظر بذكريات محددة، ومن ثم يجلب الدماغ هذه الذكريات إلى العقل الواعي.

يُقدر العلماء حدوث هذه الظاهرة بحوالي 3-5 مرات في اليوم الواحد. تبرز أهمية هذه الذاكرة بشكل خاص في مواقف معينة يحتاج فيها الشخص إلى ردّات فعل سريعة، كحالات التعرض إلى تهديد على الحياة أو أثناء الامتحانات وغيرها.

درس العلماء هذا النوع من الذاكرة عبر إخضاع الأشخاص محل الدراسة لتمارين ذهنية وفكرية محددة، مقرونة بالتصوير الشعاعي العصبي، وذلك لاستعراض التشريح الوظيفي ومسالك الذاكرة غير الإرادية في الدماغ. يصعب استفزاز هذا النوع من الذاكرة لغرض البحث العلمي، وذلك لأنها تحتاج إلى إشارات خاصة لها دلائل شخصية محددة، وعندما يعني الشخص أنه يحاول استرجاع ذكريات لا إرادية، تتحول عندها إلى ذاكرة إرادية.

ارتكزت معظم البحوث على استخدام المذكرات الشخصية، يذكر فيها المساهمون بالبحث كل التفاصيل المتعلقة بكل مرة حدثت لهم ذكرى غير إرادية من حيث كيفية تولدها، ومحتواها ومدى وضوح الذكرى. نتائج هذه الأبحاث أظهرت بشكل واضح أن الذاكرة غير الإرادية ترتبط على الأرجح بأحداث مهمة محددة، يسترجعها العقل بشكل أسرع من استرجاع الذاكرة الإرادية. ينتج عن استرجاع هذه الذكريات تأثيرات جسدية ومزاجية مؤثرة أكثر من الذاكرة الإرادية.

مهيجات الذاكرة غير الإرادية:

• وجد الباحثون أنّ تهييج هذه الذاكرة يكون عبر دلائل بالغة في البساطة، موجودة في البيئة المحيطة بالشخص.
• كما وجدوا أنّ الدلائل الصوتية واللغوية أكثر تأثيراً من الدلائل الحسية.
• وجدوا أيضاً أنّ الكثير من الناس يعتنون بأغراض محددة، ويحتفظون بها بقربهم وذلك لأن هذه الأغراض تذكرهم لا شعورياً بذكريات عملية أو عاطفية معينة.
• يستعمل هؤلاء هذه الأغراض بشكل أكبر ويعتمدون عليها أكثر من اعتمادهم على ذاكرتهم الإرادية.

الذاكرة غير الإرادية وتقدم العمر:

• علاقة الذاكرة بالعمر كانت محل دراسات مستفيضة قام بها العلماء للتوصل إلى فهم أكبر لطريقة عمل الذاكرة.
• أثبتت هذه الدراسات أن الذاكرة تضعف مع تقدم العمر في مجالات عديدة تشمل الذاكرة السلوكية والإدراكية، والذاكرة العشوائية وغيرها من خصائص الذاكرة الإرادية.
• من أمثلة ذلك قدرة الشخص على تذكر حدوث شيء معين دون القدرة على تذكر تفاصيله مثل وقت حدوثه أو الأشخاص الذين كانوا حاضرين وغيرها.
• كما وجدوا أيضاً أن استرجاع هذه الذكريات يستغرق وقتاً أطول من المعتاد عند الشباب الأصغر سناً.
• تخزن محتويات الذاكرة غير الإرادية في الفص الأمامي من الدماغ، ويكون استرجاعها عبر مسلك مختلف عن ذاك المعتاد لاسترجاع الذاكرة الإرادية.
• يسمح هذا المسلك الخاص بتكوين الذكريات واسترجاعها بشكل أسرع، كما يسلم من تأثيرات تقدم العمر، مما يعني استمرار وظيفة الذاكرة غير الإرادية عند كبار السن بشكل مماثل لتلك عند الشباب الأصغر سناً.
• كما لوحظ أن لهذه الذكريات آثاراً إيجابية على مزاج المسنين أكثر من حدوثها لدى الشباب، حتى في حال تعلقت تلك الذكريات بأحداث محزنة أو مخيفة.

الذاكرة غير الإرادية وظاهرة الديجا-ڤو:

• هناك تداخل واضح بين الإثنين من حيث وضوح التفاصيل، وعدم قدرة الشخص على التحكم بهما.
• اقترح العلماء أن هاتين الظاهرتين جزءان من تسلسل متصل يكون أحد طرفيه الديجا-ڤو وهو شعور الشخص بتذكر حدث أو مشهد لم يمر به أو شاهده من قبل، ويكون طرفه الآخر الذاكرة غير الإرادية التي تسترجع بشكل تلقائي تفاصيل دقيقة لأحداث سابقة بعد التعرض إلى دلائل محددة.
• ربط العلماء بين الظاهرتين عند دراسة صرع الفص الصدغي والذي تحدث فيه الديجا-ڤو بشكل متكرر.
• من الممكن تحفيز الذاكرة غير الإرادية أيضاً عند مدمني عقاقير الهلوسة، إذ وجد أن هؤلاء المتعاطين يسترجعون ذكرياتهم غير الإرادية بشكل أكثر.
• كما يزيد استرجاع هذه الذكريات عند مرضى الاكتئاب التالي للصدمة، وتحدث عندهم على شكل مشاهدة الأحداث الصعبة التي مروا بها مرارًا وتكراراً بشكل لاإرادي.