مع انتشار وباء كورونا في جميع أنحاء العالم، لوحظ وجود فرق مذهل في فرص الإصابة بالعدوى وتطوير الأعراض الشديدة بين الجنسين، ولكن لماذا يعد الرجال أكثر عُرضة لتطوير الأعراض الشديدة والحرجة لعدوى فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، وما هي علاقة الأندروجين بتطور الأعراض الشديدة لعدوى فيروس كورونا لدى الرجال؟.
تحولت الشكوك بشأن الفرق في العدوى بين الجنسين بشكل بديهي إلى الهرمونات الجنسية، وكانت هناك نظريات بأن هرمون الأستروجين قد يساعد على الوقاية من تطور الأعراض الشديدة لعدوى فيروس كورونا لدى الإناث، وبأن الأندروجينات قد تؤدي إلى تفاقم عدوى فيروس كورونا لدى الذكور.
الدراسة الإيطالية حول العلاقة بين شدة عدوى كورونا والأندروجينات
تم دعم نظرية الأندروجينات ببيانات جديدة أظهرتها دراسة إيطالية، وقد وجد الباحثون في هذه الدراسة بأن المرضى الذين يعانون من سرطان البروستاتا والذين يتم علاجهم بعلاج الحرمان من الأندروجين (بالإنجليزية:Androgen Deprivation Therapy ADP ) كانوا أقل عُرضة للإصابة بعدوى فيروس كورونا أو الوفاة نتيجة للعدوى من المرضى الذين يعانون من الأنواع الأخرى من السرطان.
أشار الباحثون بأن النتائج تشير إلى أن الأندروجينات بطريقة ما تجعل فيروس كورونا أكثر شراسة مما يزيد من حدة المرض لدى الرجال، وافترضوا أيضاً بأن العلاج بالحرمان من الأندروجين قد يساعد على الوقاية من عدوى كورونا، وقد تم نشر الدراسة في مجلة حوليات علم الأورام.
البيانات التي اعتمدت عليها الدراسة الإيطالية
قام فريق الباحثين بتحليل بيانات 86 مستشفى في إقليم فينيتو، وهو أحد الأقاليم التي تضررت بشدة نتيجة لانتشار عدوى فيروس كورونا، وقد وجدوا بيانات عن 9280 مريضاً مصابين بعدوى فيروس كورونا المؤكدة مخبرياً، وكان 4532 من الحالات المسجلة ذكور، وقد أظهرت البيانات التي تم تحليلها على ما يلي:
- كانت النساء أكثر عُرضة للإصابة بعدوى فيروس كورونا من الرجال بنسبة 56% من الإصابات لدى النساء مقابل 44% من الإصابات لدى الرجال.
- كان الرجال أكثر عُرضة للإصابة بالأشكال الأكثر شدة من المرض بنسبة 60% من الرجال مقابل 40% من النساء كانوا بحاجة للعناية في المستشفى.
- احتاج 78% من الرجال مقابل 22% من النساء إلى دخول وحدة العناية المركزة.
- كانت نسبة الوفاة بين الرجال تصل إلى 62% مقابل 38% بين النساء.
وقد حول الباحثين اهتماهم بعد ذلك إلى المرضى المصابين بالسرطان، وقد أظهر تحليل البيانات لهذه الفئة من المرضى الذين يعانون من عدوى فيروس كورونا ما يلي:
- من بين جميع سكان فينيتو الذكور كان لدى الذكور المصابين بالسرطان خطر أعلى بمرتين للإصابة بعدوى فيروس كورونا بالمقارنة مع الذكور الغير مصابين بالسرطان.
- عندما نظر الباحثون إلى الرجال المصابين بسرطان البروستاتا على التحديد، وجدوا بأن 4 رجال فقط من أصل 5273 مريض سرطان يتلقون علاج الحرمان من الأندروجين أصيبوا بعدوى فيروس كورونا ولم يموتوا.
- أصيب 114 رجل يعانون من سرطان البروستاتا بعدوى فيروس كوفيد-19،وتوفي 8 من هؤلاء المرضى نتيجة للعدوى من أصل 37.161 رجل مصابين بسرطان البروستاتا ولا يتلقون علاج الحرمان من الأندروجين.
- من بين 79661 مريض مصابين بأنواع أخرى من السرطان غير سرطان البروستاتا، أصيب 312 مريض بعدوى كورونا وتوفي 57 مصاب.
علق المؤلف الرئيسي لهذه الدراسة قائلاً بأن هذه الدراسة هي الورقة الأولى التي تشير إلى وجود صلة بين عدوى فيروس كورونا وعلاج الحرمان من الأندروجين، وبأنه كان هناك انخفاض كبير لدى المرضى الذين يعانون من سرطان البروستاتا ويتلقون علاج الحرمان من الأندروجين في خطر الإصابة بعدوى فيروس كورونا مقارنة بالمرضى الذين لم يتلقوا علاج الحرمان من الأندروجين.
تم العثور على اختلاف أكبر وانخفاض بنسبة خمسة أضعاف في خطر الإصابة بعدوى كورونا عند مقارنة مرضى سرطان البروستاتا الذين يتلقون علاج الحرمان من الأندروجين بالمقارنة مع المرضى الذين يعانون من أنواع أخرى من السرطان.
عيوب الدراسة الإيطالية
تثير النتائج الفرضية التي تنص على أن مستويات الأندروجين يمكن أن تسهل الإصابة بعدوى فيروس كورونا وتزيد من شدة الأعراض كما لوحظ لدى المرضى الذكور، وقال ريتشارد مارتن أستاذ علم الأوبئة في جامعة بريستول بأن هذه البيانات مثيرة للاهتمام، ولكن هناك حاجة للتحقق من صحة الاستنتاجات المنبثقة عن هذه البيانات من خلال دراسة مجموعات أكير من البيانات على مستوى الدولة، مع الاستعانة بالتحليل الإحصائي المناسب وإضافة العوامل الهامة التي تزيد من خطر الإصابة بعدوى فيروس كورونا.
أشار خبير الأوبئة أيضاً بأن الدراسة لم تركزعلى بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بعدوى فيروس كورونا مثل:
- السن.
- مؤشر كتلة الجسم.
- أمراض القلب الناجمة عن متلازمة التمثيل الغذائي (بالإنجليزية: Cardiometabolic).
فقد يكون أي شخص أقل عرضة للإصابة بكورونا مقارنةً بشخص آخر بسبب اختلاف أحد هذه العوامل بينهم وليس بسبب علاج الحرمان من الأندروجين.
وتعد العوامل المذكورة سابقاً من العوامل التي تزيد وبشدة من خطر الإصابة بعدوى فيروس كورونا.
وأضاف خبير الأوبئة بأن المرضى الذين يتلقون علاج الحرمان من الأندروجين يكونون أكثر عُرضة للعزل الذاتي مما يجعلهم أقل عُرضة لخطر الإصابة بعدوى فيروس كورونا.
طريقة تفاعل الأندروجين مع فيروس كورونا
شرحت الدراسة ميكانيكا تفاعل الأندروجين مع فيروس كورونا، وقد تناول هذا الشرح على ما يلي:
- يستطيع فيروس كورونا الدخول إلى خلايا جسم الإنسان من خلال استخدام أشواكه التي تسمى ببروتينات الحسكة (S protein) التي يربطها بمستقبلات خاصة توجد على الخلايا تسمى بالإنزيم المحول للانجيوتنسين-2 (ACE2) ويحضر دخول بروتينات الحسكة الخاصة بالفيروس إلى الخلية من خلال بروتين يسمى إنزيم البروتينات عبر الغشاء الذي يرمز له بالرمز TMPRSS2.
- يصنف إنزيم البروتينات عبر الغشاء TMPRSS2 من أحد أنواع عائلة البروتينات التي تسمى بروتييز السيرين العبر غشائي 2 (بالإنجليزية: Type II transmembrane serine proteases) التي تشارك في العديد من العمليات بما في ذلك الإصابة بالسرطان والالتهابات الفيروسية.
- ينظم جين إنزيم البروتينات عبر الغشاء TMPRSS2 من قبل الأندروجين، ويعد منظم لسرطان البروستاتا حيث يدعم تطور الورم، وهناك أدلة تشير أيضاً إلى أن الأندروجين نفسه ينظم إنزيم البروتينات عبر الغشاء MPRSS2 في أنسجة أخرى غير البروستاتا بما في ذلك أنسجة الرئة.
اقتراحات الدراسة الإيطالية
من المعروف بأن علاج الحرمان من الأندروجين يقلل من مستويات إنزيم البروتينات عبر الغشاء TMPRSS2، لذا اقترح الباحثون بأن استخدام مضادات مستقبلات الأندروجين المستخدمة في علاج الحرمان من الأندروجين يمكن أن تمنع أو تقلل من شدة عدوى كورونا لدى المرضى الذكور.
يقترح الباحثين أيضاً استخدام الرجال الذين لا يعانون من سرطان البروستاتا المعرضين لخطر الإصابة بعدوى فيروس كورونا لعلاج الحرمان من الأندروجين لمنع الإصابة بعدوى فيروس كورونا، كما قد يساعد العلاج لدى هذه الفئة على تخفيف شدة أعراض العدوى عند التعرض لها.
عند الأخذ بعين الاعتبارات الآثار الجانبية القابلة للعكس لاستخدام مضادات مستقبلات الأندروجين لفترة طويلة، فإنه يمكن استخدام هذه الأدوية بشكل مؤقت لدى المرضى الذكور المصابين بعدوى فيروس كورونا، ويتوقع الباحثون أن هذه الدراسة قد تفسر زيادة قابلية الرجال للإصابة بعدوى كورونا الشديدة بالمقارنة مع النساء.
هل يساعد الأستروجين على الوقاية من عدوى فيروس كورونا؟
هناك نظرية أخرى تشير إلى أن الاختلاف في شدة عدوى فيروس كورونا بين الرجال والنساء يعود إلى أن هرمون الاستروجين الانثوي قد يساعد على وقاية النساء من تطوير عدوى فيروس كورونا الشديدة.
أشار أحد الأطباء إلى أنه يجب التوقف عن وضع هرمون الأستروجين في صندوق الهرمونات الأنثوية، لأنه هرمون موجود لدى جميع البشر وليس فقط لدى النساء، وأضاف بأن النظر لهرمون الأستروجين كأحد أسباب المناعة المحتملة لدى النساء ضد عدوى فيروس كورونا يعد تفكير خارج الصندوق.
تقيم جامعة ستوني بروك تجارب على المرضى الذين يحضرون إلى غرف الطوارئ وتظهر لديهم أعراض العدوى بفيروس كورونا بعد أخذ موافقتهم.
وتنطوي هذه التجربة على استخدام رقع الأستروجين التي توضع على الجلد لدى المرضى واستخدام رقع وهمية لا تحتوي على الأستروجين لمرضى آخرين للمقارنة بين نتائج الحالتين.
أشار الباحثون في هذه الدراسة بأنهم يجرون الفحوصات لجميع المرضى، إلا أنهم يبدئون بعلاج المرضى فور دخولهم المستشفى بدلاً من الانتظار حتى تظهر نتائج الفحص.
إن الهدف الأساسي من هذه الدراسة هو تقييم إذا ما كان بإمكان لصفات الأستروجين التي توضع على الجلد لمدة 7 أيام التقليل من الحاجة للتنبيب (التنفس الاصطناعي) للمرضى الذين يعانون من عدوى فيروس كورونا من الرجال والنساء، وتوصف نفس هذه اللصقات للنساء بعد انقطاع الطمث وسيتم استخدامها بالجرعات التي تعرف بأنها آمنة.
بعد إزالة اللصقات تم متابعة الأعراض لدى المرضى بعناية على مدى 45 يوماً لمعرفة إذا ما كانت هذه اللصقات تساعد على التخفيف من شدة أعراض عدوى فيروس كورونا، وأي من المرضى كانت هذه اللصقات مفيدة لهم بشكل أكبر، وكان يرغب الباحثون في إجراء هذه التجارب على لصقات الأستروجين قبل أن تظهر أعراض واضحة للعدوى على المرضى، إلا أن هذا كان غير ممكن لأن المستشفيات تستقبل المرضى الذين ظهرت لديهم أعراض عدوى فيروس كورونا.
يعرف باحثوا جامعة ستوني بروك بأن احتمال أن يطور الذكور أعراض شديدة لعدوى فيروس كورونا يعد أكبر، وبأن هناك حاجة لإيجاد طريقة ما لتخفيف هذه الأعراض لديهم، لذا أثناء إجراء هذه الدراسة قرر فريق الباحثين معرفة من دخل وحدة العناية المركزة من المرضى في يوم واحد.
كان الجواب بأن معظم المرضى الذين أدخلوا إلى وحدة العناية المركزة كانوا من الذكور، وقد وصلت معدلات التنبيب والوفاة لدى المرضى الذكور إلى 80% مقارنة بالنساء اللواتي وصلت معدلات التنبيب والوفاة لديهن في ذلك اليوم إلى 20%.
اقرأ أيضاً: هل يمكن للهرمونات الأنثوية أن تساعد الرجال في التغلب على كورونا؟