إنه سيناريو محيّر عاشه الكثيرون: تتلقّى أنت وصديقك لقاح كوفيد-19 في نفس اليوم، وتُظهر الفحوصات الأولية أن كلاكما طوّر استجابة مناعية قوية، لكن بعد 6 أشهر، يُصاب صديقك بالفيروس بينما تظل أنت بصحة جيدة. ما الذي يفسّر هذا الاختلاف؟
دراسة يابانية جديدة نُشرت في مجلة "Science Translational Medicine"، تقدّم إجابةً لهذا اللغز، وتكشف أن سر المناعة لا يكمن فقط في قوة الاستجابة الأولية، بل في كيفية تغيرها مع مرور الوقت.
أربعة أنماط من الاستجابة المناعية
على مدار 18 شهرًا، قام فريق من العلماء في جامعة ناغويا اليابانية بتتبع مستويات الأجسام المضادة لدى أكثر من 2,500 شخص، وباستخدام الذكاء الاصطناعي وأدواتٍ أخرى، تمكّنوا لأول مرة من تحديد 4 أنماط مختلفة لاستجابة الجسم للقاحات:
- مستجيبون دائمون: وهم من حافظوا على مستويات عالية من الأجسام المضادة لفترة طويلة.
- سريعو الانخفاض: بدأت استجابتهم قوية جدًا، لكنها تلاشت بسرعة.
- أصحاب الاستجابة الضعيفة: أنتجوا أجسامًا مضادة قليلة، وتلاشت بسرعة أيضًا.
- أصحاب الاستجابة المتوسطة: وهم من وقعوا في منطقة وسط بين الأنماط الأخرى.
دور الأجسام المضادة في الأنف والحنجرة
لم تتوقف الدراسة عند هذا الحد، بل كشفت عن عامل حاسم آخر: الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى بعد التطعيم كانت لديهم مستويات منخفضة من نوع معين من الأجسام المضادة يُعرف باسم (IgA)، وهو خط الدفاع الأول الذي يحمي الأغشية المخاطية في الأنف والحلق.
والأهم من ذلك، وجد الباحثون أن فحص الدم لقياس هذا النوع من الأجسام المضادة يمكن أن يعكس قوة الحماية المناعية في الجهاز التنفسي، مما يجعله مؤشرًا مهمًا لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة رغم التطعيم.
نحو لقاحات أكثر تخصيصًا
يفتح هذا البحث الباب أمام عصر جديد من استراتيجيات التطعيم "المخصصة"، إذ قد يُصبح من الممكن مستقبلَا تحديد الأشخاص الذين تنتمي استجابتهم المناعية إلى فئة "سريعو الانخفاض" في المناعة، وبالتالي توجيههم للحصول على جرعات معززة في وقت أبكر.
وبينما لا يزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث لفهم الأسباب البيولوجية وراء هذه الأنماط المختلفة (مثل العمر والجينات ونمط الحياة)، فإن هذه الدراسة تضع الأساس لمستقبلٍ يمكن فيه تصميم الحماية من الفيروسات؛ لتناسب الملف المناعي الفريد لكل شخص.
فريق الطبي موجود دائمًا للإجابة على استفساراتكم.