في إنجاز علمي غير مسبوق، اكتشف فريق من الباحثين من جامعتي موناش الأسترالية ووارويك البريطانية مضادًا حيويًا جديدًا أظهر قدرة هائلة على قتل البكتيريا المقاومة للأدوية، تفوق فعالية المضادات الحالية بأكثر من 100 مرة.
المركب الجديد، الذي يحمل اسم «بري-ميثيلينوميسين سي لاكتون» (Pre-methylenomycin C lactone)، أُعلن عنه في دراسة حديثة نُشرت في مجلة Journal of the American Chemical Society، واعتُبر خطوة مفصلية في مسار البحث عن علاجات فعالة ضد «الجراثيم الخارقة».
مقاومة المضادات الحيوية.. خطر متصاعد
تُعد مقاومة المضادات الحيوية من أخطر التحديات الصحية في العالم اليوم، إذ يُقدّر أن العدوى المقاومة للأدوية تودي بحياة أكثر من 1.1 مليون شخص سنويًا، في ظل تباطؤ تطوير أدوية جديدة، وافتقار السوق إلى استثمارات كافية.
ومعظم المضادات المتاحة اليوم تنتمي إلى فئات قديمة استُنزفت فعّاليتها، فيما تشير تقارير منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى وجود نقص حاد في أدوية جديدة قيد التطوير.
اكتشاف «كنز» كان مخفيًا منذ نصف قرن
ما يجعل هذا الاكتشاف استثنائيًا هو أن المركب الجديد لم يُستخرج من مصدر غامض أو نادر، بل كان «مختبئًا في العلن».
فالباحثون وجدوه كجزء وسيط في العملية الطبيعية التي تُنتج مضادًا معروفًا منذ أكثر من خمسين عامًا يُدعى ميثيلينوميسين A.
غير أن أحدًا لم يختبر تلك المواد الوسيطة سابقًا لمعرفة إن كانت تملك قدرة مضادة للبكتيريا، وعندما فعل الفريق البحثي ذلك، كانت المفاجأة: مركب «بري-ميثيلينوميسين سي لاكتون» كان أقوى بنحو 100 مرة من المضاد الأصلي.
فعالية مذهلة ضد أخطر السلالات
عند اختبار المركب الجديد في المختبر، أثبت فعالية هائلة ضد بكتيريا موجبة الغرام، خاصة نوعين من أخطر مسببات العدوى في المستشفيات:
- المكورات العنقودية المقاومة للميثيسيلين (MRSA).
- المكورات المعوية المقاومة للفانكومايسين (VRE).
وهذان النوعان مسؤولان عن آلاف الوفيات سنويًا في العالم؛ بسبب مقاومتهما لأقوى أنواع المضادات الحيوية المتاحة.
دون مقاومة حتى الآن
واحدة من أكثر النتائج المشجعة أن العلماء لم يرصدوا أي بوادر مقاومة للمركب الجديد حتى بعد تعريض البكتيريا له في ظروف مخبرية.
ويقول الباحثون إن هذا يعني أن المركب يتمتع ببنية كيميائية يصعب على البكتيريا التحايل عليها، وهو ما قد يمنحه عمرًا علاجيًا أطول من المضادات الحالية.
«طريقة جديدة لاكتشاف الأدوية»
يشير البروفيسور غريغ تشاليس، من جامعة وارويك، إلى أن الاكتشاف يقدّم «منهجًا جديدًا بالكامل في البحث عن المضادات الحيوية».
فبدل التركيز على المنتج النهائي الذي تفرزه البكتيريا، يقترح العلماء الآن دراسة المراحل الوسيطة في مسارات التصنيع الحيوي، إذ قد تخفي تلك الخطوات مركبات أكثر قوة.
نحو تصنيع أوسع وتجارب بشرية
في دراسة موازية، أعلن فريق من جامعة موناش عن تطوير طريقة تصنيع كيميائي قابلة للتوسّع لإنتاج المركب الجديد بكميات كبيرة، مما يفتح الباب أمام الاختبارات ما قبل السريرية ثم التجارب البشرية.
المبشّر بالأمر أن تركيبة المركب البسيطة تجعل من السهل تطوير نسخ معدّلة منه لدراسة آلية عمله، وتطوير أدوية مشتقة أكثر أمانًا وفعالية.
أمل جديد في معركة مقاومة البكتيريا
إذا أثبتت التجارب القادمة سلامة هذا المركب على البشر، فقد يُحدث تحولًا جذريًا في مواجهة العدوى المقاومة للمضادات الحيوية.
ومع قدرته العالية على قتل الجراثيم، وعدم رصد أي مقاومة له حتى الآن، يُنظر إليه كأحد أقوى المرشحين ليكون مضادًا من الجيل الجديد.
استشر الطبيب الآن عن بُعد لدى موقع الطبي، ومن راحة منزلك.