يُعد الترامادول واحدًا من أكثر المسكنات استخدامًا لعلاج الآلام المزمنة، مستندًا إلى سمعة شائعة باعتباره خيارًا “أقل خطورة” مقارنة بالمسكنات الأفيونية الأقوى. غير أنّ دراسة علمية حديثة تعيد النظر في هذا الاعتقاد، وتكشف أن تأثيره في تخفيف الألم قد يكون محدودًا، مقابل مخاطر صحية لا يمكن تجاهلها.
الترامادول والألم المزمن: تحسن بسيط وفعالية محدودة
نشرت مجلة BMJ Evidence-Based Medicine مراجعة منهجية حلّلت نتائج أكثر من 19 تجربة سريرية شملت 6506 مشاركين، وقارنت بين فعالية الترامادول ودواء وهمي في تخفيف أنواع مختلفة من الألم المزمن، مثل آلام الأعصاب، والتهاب المفاصل، والفيبروميالغيا.
ورغم أن الترامادول ساعد على تقليل شدة الألم، فإن هذا التحسّن كان محدودًا وأقل مما يُتوقّع. فقد أفاد عدد من المشاركين بأن الانخفاض في الألم كان طفيفًا، ولم ينعكس بشكل واضح على حياتهم اليومية أو قدرتهم على الحركة. وخلص الباحثون إلى أن الفارق بين الترامادول والدواء الوهمي كان ضئيلًا في معظم حالات الألم المزمن التي شملتها الدراسة.
أضرار الترامادول: مخاطر قلبية وتساؤلات حول السرطان
أظهرت النتائج أن المشكلات القلبية كانت من أبرز الآثار الجانبية للترامادول، حيث ارتفعت معدلات الإصابة بألم الصدر، ومرض الشريان التاجي وقصور القلب الاحتقاني خلال فترة العلاج.
كما رصد الباحثون ارتباطًا محتملًا بين استخدام الدواء وزيادة بعض أنواع السرطان، إلا أنهم شددوا على أن فترة المتابعة القصيرة ولا تسمح بتأكيد هذه النتيجة بشكل قاطع، ما يستدعي إجراء دراسات أطول لتوضيح الصورة بشكل أدق.
عندما يتحوّل تسكين الألم إلى عبء يومي
حتى عندما لا تظهر مضاعفات صحية خطيرة، أكد كثير من المرضى تأثير الآثار الجانبية الشائعة للترامادول على حياة المرضى اليومية. فرغم أن أعراضًا مثل الغثيان، والدوخة، والإمساك، والنعاس قد تبدو بسيطة، إلا أنها قد تقلل من النشاط اليومي، وتضعف التركيز، وتؤثر في القدرة على العمل والحركة.
وأوضح الباحثون أن تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لدى بعض المرضى قد يجعل الفائدة المتوقعة من تخفيف الألم أقل أهمية، خاصة عندما تتحول الآثار الجانبية إلى جزء من الروتين اليومي بدلًا من أن تكون مؤقتة وقصيرة الأمد.
الأفيونات… أرقام مقلقة وأزمة صحية عالمية
تأتي هذه النتائج في ظل أزمة صحية عالمية متصاعدة؛ إذ تشير التقارير إلى أن نحو 60 مليون شخص حول العالم يعانون من اضطرابات مرتبطة بإدمان الأفيونات. وفي عام 2023 وحده، شكّلت الوفيات المرتبطة بالأفيونات أكثر من 76% من إجمالي وفيات الجرعات الزائدة للمخدرات.
وتُسلّط هذه المعطيات الضوء على الحاجة الملحّة لإعادة تقييم استخدام الأفيونات في الممارسة الطبية، بما في ذلك الترامادول، خاصة في علاج الألم المزمن طويل الأمد، مع التوجّه نحو خيارات علاجية أكثر أمانًا وأقل مخاطر على المدى البعيد.
نصيحة الطبي
أكدت الدراسة ضرورة عدم الاعتماد على المسكنات الأفيونية كخيار طويل الأمد لعلاج الألم المزمن، والبحث عن بدائل أكثر أمانًا، مثل المسكنات غير الأفيونية، والعلاج الفيزيائي وتعديل نمط الحياة.
كما يشدد الخبراء على أهمية استخدام الترامادول عند الضرورة فقط، وبأقل جرعة ولأقصر مدة ممكنة، مع المتابعة الطبية المنتظمة لرصد أي آثار جانبية محتملة، لا سيما تلك المرتبطة بصحة القلب.