العلاقة بين الطبيب والمريض علاقة قديمة قدم الإنسان وقدم المرض، وقد حافظ الطبيب على مكانته الاجتماعية من خلال عدة أمور، منها:

  • اختلاط الطب باللاهوت في مرحلة الطب اللاهوتي وتمازج شخصيتي الطبيب والكاهن، واعتبار المرض غضب إلهي، وأن الطبيب أو الكاهن الذي له القدرة على الشفاء لا بد وأن تكون له صلة بالآلهة، كما أن اعتماد العلاج على الكلمات الإلهية، والتعاويذ الدينية وإخراج الأرواح الشريرة "سبب المرض" ساهم في تعزيز هذه الصورة.
  • اختلاط الطب بالشعوذة والسحر، ومن الطريف معرفة أن كلمة ساحر المترجمة من كلمة MAGICIAN المنقولة من الفارسية تعني العالم، وبمعنى أن الساحر في تلك الأيام كان يمثل أكثر الناس علماً، أي أكثرهم إحاطة بالمعلومات الطبية وغير الطبية، وبما أن العلم قوة فقد استغل الساحر قوته ومعلوماته في تطويع الظواهر غير المفهومة للعامة مما أضفى عليه صبغة شخصية قوية يستعمل حركات وإشارات توحي بقدرته وقوته.
  • الدراية و التخصص بأغلى ما لدى الإنسان، وهي صحته، وهذه القوة بالعلم تصبح مضاعفة إذا وقف الطبيب أمام المريض الضعيف الذي يبحث عن علاج بأي ثمن، وأن ضعف المعلومات المتاحة في القرون الماضية واقتصار المعلومات على فئة معينة من الناس ووجود ما يسمى "بسر المهنة" ضاعف من أهمية العلم على قلته في تلك الأيام .

وقد استعملت وما زالت كلمة دكتور الإنكليزية التي تعني العلم والمعلم، واستعملت كلمة حكيم بالعربية لتجمع بين العلم والفلسفة والسمو الإنساني، وإذا كانت الكلمة الإنكليزية تحدد أن المعلم "الطبيب" هو الذي يعلم المريض بمرضه ويشرحه له، ويعالجه فإن كلمة حكيم توسع من عمل الطبيب ليشمل الفلسفة أيضاً التي تشمل معرفة الإنسان بروحه وجسمه، وبصحته ومرضه وما يحدث فيه من متغيرات والعلاقات الجدلية بينها.

علاقة المريض مع الطبيب

تحددت العلاقة بين الطبيب والمريض منذ القدم، حيث صاغ السومريون أول قسم للطبيب وتلاهم المصريون القدماء. واشتهر اليونانيون بقسم أبقراط الذي لا يزال معمولاً به الآن، وتتلخص هذه العلاقة في:

  • يكرس الطبيب علمه لخدمة المريض الذي يعالجه، بغض النظر عن الأجر الذي يتقاضاه، وعن المنزلة الاجتماعية للمريض.
  • أن يحافظ الطبيب على حياة المريض بشكل عام، ولا يساعد على الوفاة، أو على إجهاض الحامل، أو يسبب أي أذى للمريض.
  • أن لا يمارس شيئاً لا يعرفه من غير اختصاصه كأن يجري جراحة ليست من اختصاصه، وهنا عليه أن يحيلها إلى المختصين.
  • أن يحفظ سر المريض والمرض ولا يطلع عليه أحداً.
  • أن يحاول التعلم بشكل مستمر وأن يعطي علمه لتلامذته أيضاً.

النظرة الحديثة للطب

تنطلق النظرة الحديثة للطب من التطورات الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة في مختلف المجتمعات بدرجات متفاوتة، وأكدت من جديد على:

  • تفوق الطبيب في العلم بجسم الإنسان ووظائف أعضائه، وبالتالي أمراضه وطرق علاجها، يعطي الطبيب قوة في مجال حساس لكل إنسان "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى" وهذا يزيد من قوته الطبيب.
  • ارتباط الطب حديثاً بالإنسانية والعلمية حيث لم يعد هنالك سر للمهنة يخفيه الأطباء السوفيات عن الأمريكيين أو عن العرب، وإنما هو سر متاح للجميع لخدمة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

أخذ الطب دوراً اقتصادياً واجتماعياً من خلال وقاية الإنسان من الأمراض ومعالجتها سريعاً، والحفاظ على نفسه صحيحاً ليؤدي دورة الاجتماعي كعضو نافع منتج في المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى توازن نفسي وإلى سعادة اكثر في حياته.

لقد أخذ الطب دوره في المجتمع كجزء مواز لمجالات الحيوية الأخرى مثل الاقتصاد، والسياسة، والعلوم، وأصبح ترابطها واضحاً، فبدون اقتصاد جيد لا صحة جيدة ولا خدمات صحية كافية وقادرة على تلبية احتياجات المجتمع، وبدون صحة جيدة لا يمكن تحقيق أهداف المجتمع الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو العلمية.

في هذا الزمن أصبح الطبيب جزءاً مهماً من أجل رفاهية المجتمع مثله مثل المهندس الزراعي، وعالم الذرة، و البناء، والحداد.

اقرأ أيضاً: تاريخ الطب عند العرب والمسلمين بين النظري والتطبيقي

دور المريض في العلاج

لا شك أن المعلومات الطبية التي كانت متاحة لأجدادنا كانت أقل بكثير مما هو متاح في عصرنا بعد كل هذا التقدم العلمي الذي نعتبره عظيماً، ولكننا بالتأكيد نعرف أن أجدادنا كانوا يعرفون أكثر منا بالنسبة لما هو متاح أصلاً من معلومات طبية في تلك الأوقات، وهذا يعني أن درجة الوعي الصحي الاجتماعي كانت أعلى من العصر الحالي، وهذا يفسر قدرة جداتنا على علاج كل شيء تقريباً، وإذا كان هنالك المزيد من الاغتراب عن تراثنا الطبي، فإنه يدل على مدى تقصير الإنسان العربي الحديث في ملاحقة ومعرفة المعلومات الطبية الضرورية.

تلقي هذه القضية على الإنسان الحديث مزيداً من الأعباء. لقد أصبح مطلوباً من الإنسان العصري أن يعرف الكثير من المعلومات الطبية كما هو مطلوب من الدولة أن تؤمن هذه المعلومات للأفراد من خلال المدارس ووسائل الإعلام الجماهيري، بمعنى أن المطلوب هو رفع مستوى الوعي الصحي للمجتمع لكي يساهم كل إنسان في بناء صحته، وذلك من خلال:

  • أولاً: الوقاية، وهي تتطلب معرفة ما هو ضار ونافع واستخدام كافة الوسائل التي تؤدي إلى زيادة مقاومة الجسم للأمراض من جهة، ومن جهة أخرى تجنب المرض بشكل تلقائي.
  • ثانياً: معرفة تفاصيل المرض عند حدوثه لكي يتمكن من مقاومته ومقاومة المضاعفات التي تنشأ عنه.

ولا يخفى ما تجنبه الدولة من مثل هذا الوعي فهي:

  • تخفف من أيام المرض لدى المواطنين وبالتالي نسبة التغيب عن العمل.
  • تزيد من إنتاجية الفرد وذلك لأن الإنسان المعافى أكثر قدرة على العطاء من الإنسان المريض، الأمر الذي ضاعف الدخل القومي.
  • تزيد الرفاهية والشعور بالرضا لدى المواطنين وذلك من خلال تحقيق الذات وتحقيق الواجب الاجتماعي.
  • تخفف من مصاريف وزارة الصحة العامة.

أما المريض الذي يتردد على عيادة الطبيب فيعتمد شفاؤه وبرؤه من المرض على عدة أمور:

  • البحث عن الطبيب المعالج بدقة ووضع ثقته فيه، وهذا يعني إخباره بأدق تفاصيل المرض وعدم كتمان أي شيء عنه مهما كان، ووضع الثقة في الطبيب يعني أيضاً عدم تغييره بسرعة، وعدم الذهاب إلى طبيب آخر، إلا لظروف قاهرة ويستحسن التفاهم مع الطبيب الخاص على ذلك.
  • الثقة في العلاج ومتابعته حتى آخر المدة المقررة من الطبيب، واتباع كافة التعليمات بخصوص التشخيص والفحوصات اللازمة، ومعرفة تفاصيل المرض من الطبيب، أو عن طريق القراءة والنقاش.

اقرأ أيضاً: تاريخ الطب اليوناني القديم وتطوره

اقرا ايضاً :

سبعة منتجات غذائية لشعر صحي وجذاب

دور الطبيب في المجتمعات الحديثة

يأخذ الطبيب في المجتمعات الحديثة دوراً جديداً، فهو الدكتور المعلم، ودوره الجديد ليس فقط التعليم والعلم، وإنما هو خليط من دور الكاهن والحكيم، فالحياة الحديثة بما تحمله من ضغط نفسي على البشر من المواصلات الحديثة والمشاكل النفسية التي جعلت الناس اكثر عصبية أوجدت ما يسمى بالأمراض النفسية و الجسمية (بالإنجليزية: Psycho Somatic).

ونظراً لارتفاع الوعي الصحي الاجتماعي فان هذا يقود المرضى إلى الطبيب بأعراض جديدة ووصف لم يعتده الطبيب في كلية الطب التي ما تزال تحافظ في معظم بلاد العالم على تقاليد الطب الأوروبي التقليدي الذي تكرس في القرون الماضية الأخيرة.

هذا يقود الطبيب إلى دور جديد يعود به إلى دور الراهب أو الكاهن والفيلسوف، فهو يستمع كثيراً، وينمو دوره في التوجيه النفسي، وحل المشاكل الاجتماعية من مشاكل الأولاد إلى مشاكل الزواج.

تنمو في المجتمعات الحديثة طبقة من الأطباء والاختصاصيين الذين لا يتسع وقتهم لحل المشاكل النفسية للمريض أو شفائه من غير إجراء جراحي سريع، وهذا يدخلهم في الطب الميكانيكي، حيث يتحول المستشفى في كثير من الأحيان إلى ورشة لإجراء الإصلاحات الجسمية السريعة أو تركيب قطع الغيار، ولا يتسع الوقت لمعرفة المريض أو بناء علاقة إنسانية بين الطرفين.

ويجب أن يكتفي المريض في هذه الحالة بسمعة الطبيب، أو بتصرفاته البسيطة ومظهره، ليعطي ثقته ويسلم نفسه للطبيب.

ولكن حتى هذه الحالة لا تعفي الطبي من أهم واجباته وهي:

  • أن يشرح للمريض جميع تفاصيل المرض والمضاعفات الناتجة عن العلاج، وطريقة العلاج، ومخاطرها، ونسبة نجاحها، والآثار الجانبية، مراعياً أنه يعالج المريض بجسمه، وعقله، وعاطفته، وهذه العملية تزيد من ثقة المريض بطبيبه وتجعله يقبل على العلاج بروح معنوية عالية وتحسن بالتالي من فرص الشفاء وفاعلية العلاج.
  • أن يحاول الطبيب تجنب البحث في تفاصيل المقابل المادي، حيث أن هذا الجانب يفضل أن لا يظهر إطلاقاً حتى لا يعكر صفو العلاقة الإنسانية التي هي في طور التكوين بينه وبين المريض، ويفضل أن تكون هذه الأمور مفهومة ضمنياً. ومن نافلة القول أن يراعي الطبيب حالة المريض المادية، ويعود إلى أخلاقيات الطب في قانون حمورابي في مقاضاة المريض حسب وضعه الاجتماعي و المادي.

إن علاقة الطبيب بالمريض علاقة تكافؤ وعلاقة تبادل منفعة، صحيح أن المريض يدفع للطبيب أجراً ولكنه لا يدفع إلا بعد أن يذهب بنفسه إلى الطبيب، أو يرجوه للحضور لمساعدته، فهما معاً يعطيان ومعاً يأخذان؛ ولهما مصلحة مشتركة.

اقرأ أيضاً: مفهوم الطب وتطوره عبر العصور

هل الصيام الطويل يرفع السكر؟ لأنني أعاني من مرض السكري من النوع الثاني، وألاحظ أحيانا أن السكر لدي يرتفع في الدم خلال الصيام عند الصيام لفترة طويلة فما هو السبب؟